المصدر: المدن
الكاتب: وليد حسين
الخميس 19 كانون الاول 2024 14:32:38
نحو 5 آلاف معلم ومعلمة تقاعدوا من التعليم في القطاع الخاص ما زالوا يعيشون في وضع إنساني مزرٍ ومعيب بحق مدارسهم، وبحق التربية في لبنان. فرغم كل المحاولات التي حصلت العام المنصرم لتحسين شروط عيشهم بالحد الأدنى، ما زالت المدارس الخاصة غير مبالية بمصير هؤلاء الأساتذة، الذين أفنوا حياتهم في التعليم. إذ ما زالت المدارس تتمنع عن دفع المستحقات لصندوق التعويضات لأفراد الهيئة التعليمية، الذي يقع على عاتقه تسديد تعويضات نهاية الخدمة والمعاشات التقاعدية، بحسب المرسوم "التوافقي" الذي صدر عن الحكومة منذ نحو شهرين.
المدارس رفضت كل الحلول
يتغذى "الصندوق" من المحسومات المقتطعة من الرواتب الشهرية لأفراد الهيئة التعليمية في الملاك بنسبة 6 بالمئة ومن مساهمة المدرسة بنسبة 6 بالمئة من مجموع رواتب المعلمين في الملاك. لكن المدارس تتهرب من التصريح عن الرواتب بالدولار، رغم أنها تتقاضى الأقساط بالدولار ولا تدخلها في الموازنات المدرسية.
سبق وشنت إدارات المدارس حملات ضغط على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لعدم نشر القانون الذي صدر عن المجلس النيابي منذ نحو عام، لتغيير نسبة المساهمات واحتساب الرواتب بالدولار. ثم رفضت غالبية المدارس تنفيذ البروتوكول الحبي بين نقابة المعلمين وإدارات المدارس لتغذية الصندوق وتمكينه من دفع ستة رواتب بالليرة اللبنانية للمتقاعدين (يتراوح الراتب الأساسي بين مليون ونصف وأربعة ملايين). هذا رغم أن المبلغ المتفق عليه حينها قضى بأن تدفع المدارس 900 ألف ليرة عن كل تلميذ للصندوق كي يتمكن من دفع 6 رواتب للمتقاعدين.
حالياً، بعد مرور أكثر من شهرين على إقرار المرسوم الذي جرى بالتوافق بين نقابة المعلمين وإدارات المدارس ما زالت الأخيرة تتمنع عن دفع المحسومات المتوجبة عليها وعلى أساتذة الملاك، رغم أن المبالغ تعتبر زهيدة أيضاً. فقد جرى التوافق على ضرب المحسومات (6 بالمئة) برقم 17، بعدما رفضت المدارس مضاعفة الرقم إلى 30 مرة. علماً أن هذه المساهمة لن تمكّن الصندوق إلا من دفع تسعة رواتب لا غير للمتقاعدين. بمعنى عملي، سيصبح أعلى راتب تقاعدي لمعلم أو معلمة علموا لمدة أربعين عاماً نحو مئتي دولار لا أكثر ولا أقل.
تعسّف المدارس يتواصل
يؤكد نقيب المعلمين نعمة محفوظ لـ"المدن" أن أكثر من 80 بالمئة من المدارس ما زالت ممتنعة عن دفع المحسومات بحسب المرسوم، رغم أنه أتى بالتوافق مع إدارات المدارس. ورغم أن المدارس تحصّل الأقساط من الأهل بالدولار، وتدفع أقله نسبة خمسين بالمئة من رواتب المعلمين بالدولار، لكنها ترفض دفع المساهمة على هذا الأساس. وبعد التوافق معها على المرسوم، عادت وتمنعت عن دفع نسبة 6 بالمئة من الراتب بالليرة اللبنانية مضروبة 17 مرة.
ودان محفوظ عدم تحرك المسؤولين لوضع حد لتعسّف المدارس بحق المعلمين الذين أفنوا حياتهم في المهنة. فقد سبق وأرسل صرخات المعلمين الذين يموتون من الجوع بالمعنى الحرفي للكلمة إلى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وإلى البطريرك بشارة الراعي، لكن من دون جدوى. لم يشفق أي منهما على صرخة معلمة تقاعدت منذ بضعة سنوات لم تكن قادرة على دفع اشترك الكهرباء لأن راتبها التقاعدي لا يكفي لشراء الخبز. وسأل محفوظ: كيف يعيش أي إنسان براتب مليون ونصف في لبنان؟ كيف استكثرت المدارس الخاصة دفع ستة رواتب لم تصل قيمتها إلى 120 دولاراً وتتمنع عن الدفع ليتمكن الصندوق من دعم المعلمين بتسعة رواتب لا تصل قيمتها إلى أكثر من مئتي دولار؟ هل يستطيع أي كان العيش بمئتي دولار بالشهر أصلاً؟ ما هي الرسالة التي ترسلها إدارات المدارس للمعلمين في الخدمة؟ الا تقول لهم بصراحة أن مستقبلكم بعد تقاعدكم سيكون مزرياً؟ ثم يتبجحون أن لبنان يخسر الكفاءات لأن الأساتذة يهاجرون. رغم أن تصرفاتهم هذه تؤدي إلى هجرة الأساتذة المهرة الذين يجدون فرصاً خارج لبنان.
زعرنات ومافيات
وشرح محفوظ أن العديد من المدارس تتحجج بالحرب والعدوان الإسرائيلي على لبنان. وهذا الأمر مفهوم بالنسبة للمدارس في الضاحية الجنوبية والبقاع والجنوب، التي تعرضت مناطقها للدمار، وأقفلت أبوابها أمام الطلاب، وكان الأهالي بعداد النازحين. لكن باقي المدارس في لبنان تشكل أكثر من 65 بالمئة من المدارس، وفقط نسبة عشرة بالمئة منها دفعت المستحقات. فالاتفاق الذي صدر في المرسوم ينص على دفع المستحقات فصلياً كل ثلاثة أشهر. وإلى حد الساعة نسبة قليلة من المدارس دفعت الفصل الحالي.
وأضاف محفوظ أنه بعد عطلة الأعياد وفي حال بقيت المدارس متخلفة ستبدأ مرحلة فرض الغرامات. فالمرسوم ينص على دفع غرامة 2 بالألف على كل مدرسة تخلف عن التسديد. لكن محفوظ يشكو من ضعف القضاء في ملاحقة المدارس. فقد رفعت النقابة أكثر من مئتي دعوى قضائية بحق مدارس. والأخيرة ترفض حتى تبلّغ الأمر القضائي. وبعض ممارسات إدارات المدارس تشبه تصرفات المافيات. والمشكلة أن القضاء لا يستطيع أن يفرض هيبته. فبعض المديرين لا يتوانون عن ممارسة الزعرنات والسلبطة، حتى أن إحدى المدارس هددت المباشر القضائي بأنها ستعمد إلى كسر رجليه الاثنتين في حال كتب أنه بلغ الإدارة.