المصدر: الديار
الكاتب: ندى عبد الرزاق
الثلاثاء 12 آذار 2024 08:15:19
تتفشى ظاهرة السرقة، كما ولو انها سرطان ينتشر بسرعة في ارجاء المجتمع المحلي، ويرجع السبب في ذلك الى التحديات الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة، التي تؤثر سلبا في الأمن والسلامة العامة.
ويشهد لبنان مؤخرا واحدة من أغرب الظواهر في العالم، وهي زيادة في حالات الاختلاس غير التقليدية، التي تعتبر حالات غير مسبوقة.
وبحسب "الدولية للمعلومات" فقد سجّلت المؤشرات الأمنيّة لدى المقارنة بين العامين 2022 و2023 (من كانون الثّاني إلى نيسان) ارتفاعا في جرائم سرقة السيّارات بنسبة 8.4%، وجرائم السرقة بنسبة 38.3%، وجرائم الخطف بنسبة 74.2%. مع الإشارة إلى أنّ هناك حوادث سرقة لم يتمّ إبلاغ القوى الأمنيةّ عنها، وبالتّالي قد تكون الأعداد الفعليّة أكبر من الأعداد المذكورة في هذا الإحصاء الرسمي.
سرقات غير مألوفة
الى ذلك، بدأت سمات الاستلاب تأخذ أشكالاً غريبة ومثيرة للدهشة، حيث تتم سرقة أشياء لا تصدق، مثل المرايا الخارجية للسيارات، والأشياء الشخصية الصغيرة، التي تثير استغراب الناس، وتضعف من الشعور بالأمان في المجتمع.
تشكيل العصابات السارقة
على خط مواز، قالت الباحثة واستاذة علم الاجتماع يمنى ياسين لـ "الديار": "تتشكل العصابات في لبنان نتيجة لعدة عوامل منها: الوضع الاقتصادي الصعب الذي يجبر البعض على اللجوء إلى السرقة كوسيلة للبقاء على قيد الحياة، لكن قد تؤدي التنظيمات الإجرامية دورا في تنظيم وتوجيه هذه الأنشطة الإجرامية".
وبحسب ياسين تختلف دوافع ارتكاب السرقة من شخص الى آخر، وتعتمد على الظروف الشخصية والاجتماعية والاقتصادية، ومن بين البواعث الشائعة للنهب:
- الاملاق: قد يكون الفرد في حاجة ماسة إلى المال أو السلع لتلبية احتياجاته الأساسية، وعدم وجود خيارات أخرى يدفعه إلى السلب.
- البطالة: قلّة فرص العمل تعتبر من الذرائع الرئيسية وراء السرقة، حيث يعتبرها البعض وسيلة لتحسين أوضاعهم المالية.
- الظروف الاجتماعية: قد تكون الاحوال الاجتماعية الصعبة، مثل العنف الأسري أو الإهمال، حافزا للفرد للهروب من تلك الظروف من خلال اللصوصية.
- الفجوة الطبقية: يعتبر بعض الافراد أن النظام الاقتصادي الحالي ظالم ويفرق بين الأغنياء والفقراء، فيمتهن هؤلاء اعمال السرقة كوسيلة للتعبير عن الغضب والاحتجاج.
- العوامل البيئية: تتضمن الظروف البيئية الافلاس والبطالة وانعدام الفرص الاقتصادية، والتي قد تخلق بيئة تجعل السرقة خيارا واقعيا لبعض الأفراد.
مَن يقوم بعمليات النهب؟
واردفت ياسين "من بين الفئات التي قد تميل إلى ممارسة السرقة:
- الفقراء والمحتاجون: الأشخاص الذين يواجهون ظروفا اقتصادية صعبة ويعانون من النقص، قد يلجؤون إلى السطو كحجّة لتلبية احتياجاتهم الأساسية.
- المدمنون: يقوم الأشخاص الذين يعانون من إدمان على الكحول أو المخدرات بالتشليح، لامتلاك المال اللازم لشراء المواد المخدّرة.
- الشباب: يمكن أن يكون المراهق او الناشئ في بعض الأحيان عرضة لممارسة الابتزاز، نتيجة للبحث عن المغامرة أو الرغبة في إثبات الذات.
وتابعت "الفئة العمرية التي قد تمارس السرقة تشمل عادة اليافعين والبالغين، ولكن يمكن أن تحدث السرقات في جميع الأعمار، والأعذار وراء ذلك مختلفة، فالشباب قد يميلون إلى النهب بموجب البحث عن تجارب جديدة أو الانتماء إلى مجموعات، بينما تتعلق الدواعي لدى البالغين بالشظف أو الظروف الاقتصادية الصعبة".
كيف يتم التخلص من السلع المسروقة؟
خبير في مجال الجريمة والامن قال لـ "الديار": "تثير حالات السرقة الكثير من التساؤلات حول ماذا يحدث بالضبط بالمسروقات، ويُشتبه أن هناك شبكات تهريب تعمل على تصريف هذه السلع المسروقة عبر الحدود، وتعيق جهود السلطات في القبض على المتورطين، مما يعكس الوضع الاقتصادي الصعب وتأثيره في السلوكيات الاجتماعية. وتعتبر السرقات غير التقليدية جزءا من تلك الزيادة، حيث تتطلب هذه الأنشطة مستويات عالية من التنظيم والتخطيط".
الأسباب وراء زيادة السرقات الغريبة
بالموازاة، قال مصدر أمنى معني بتنظيم الامن والسلامة العامة لـ "الديار" ان سبب تفشي هذا الظاهرة يعود الى:
- ضعف الظروف المعيشية: نتيجة لتدهور الوضع الاقتصادي، اصبحت الاوضاع المادية للكثيرين صعبة، مما دفعهم إلى البحث عن وسائل لتحسين أحوالهم المالية بأي وسيلة ممكنة.
- العوز: الحاجة الملحة الى الأشياء الأساسية، مثل قطع الغيار للسيارات أو الأدوات الصحية، دفعت البعض الى سرقتها بسبب عدم قدرتهم على شرائها، والمبرر هو تضخم الاسعار.
- انخفاض مستوى الرقابة: مع تدهور الأوضاع الأمنية والاقتصادية، انخفض مستوى الرقابة والردع، مما جعل البعض يخاطر بارتكاب أعمال غير قانونية بسهولة أكبر.
السرقات الأكثر رواجاً
وفي السياق، قال عاملون في قطاع الخردة لـ "الديار" ان الأدوات التي تعتبر الأكثر جذبا للسارقين تشمل:
- مرايا السيارات: وتعد من أكثر السرقات شيوعا في الآونة الأخيرة، حيث يتم اخذ مرايا السيارات لبيعها كقطع غيار بديلة.
- نزع أغطية الصرف الصحي: تمثل أغطية الصرف الصحي مصدر دخل سريع للبعض، حيث يتم بيعها لشركات إعادة التدوير.
- الأسلاك الكهربائية: يتم قطع الأسلاك الكهربائية من أعمدة الإنارة العامة أو المباني لبيعها كمعدن قابل للتدوير.
- المحلات الصغيرة: تتعرض الحوانيت الصغيرة للسرقة بشكل متزايد، حيث يتم سلب البضائع أو الأموال من داخلها.
ووفقا لتجار في مجال بيع وشراء الخردة المستعملة في منطقة النبعة في برج حمود "يستفيد هؤلاء من سرقة مرايا السيارات أو الأسلاك الكهربائية على النحو الاتي:
- الترويج "بالقطعة": يمكن بيع مرايا السيارات المسروقة كقطع غيار بديلة بأسعار منخفضة، مما يتيح للحرامية كسب أرباح سريعة.
- إعادة التدوير: يمكن إعطاء الأسلاك الكهربائية المسروقة لشركات إعادة التدوير، التي تستخرج المواد القيمة منها مثل النحاس، مما يوفر للصوص مبالغ مالية ضخمة بالفريش دولار.
- استعمالها في سيارات أو مشاريع شخصية: بعض النشالين قد يستخدمون مرايا السيارات المسروقة لتبديل مرايا سياراتهم الخاصة، بينما يمكن توظيف الأسلاك الكهربائية في مشاريع شخصية أو إصلاحات منزلية.
- البيع في السوق السوداء: يتم بيع المرايا المسروقة أو الأسلاك الكهربائية في السوق السوداء بأسعار مخفضة، مما يسمح للسارقين بإحراز أموال سريعة بدون وسيلة شرعية.
ويرى أحد تجار الخردة في منطقة مار يوسف الدورة "ان الدخل الذي يمكن أن يحققه السارقون من هذه السرقات، يعتمد على القيمة التجارية للمواد المسروقة وعلى كيفية بيعها، وقد يجني البعض دخلاً جيدا منها، لكنها تعتبر غير قانونية وتسبب ضرراً للمجتمع والبنية التحتية".
سرقات من نوع آخر
على مقلب متصل، هناك سرقة تماثيل ونصب تذكارية من بعض الكنائس في الشمال ومناطق المتن والبقاع الشمالي. كما ان سرقة الأشجار المثمرة والفاكهة مزدهرة في مناطق الجنوب، وفي هذا المجال قال السيد علي ابن منطقة الجبين لـ "الديار": "تحدث حالات سرقة لأشجار الفاكهة على نطاق واسع في المناطق الجنوبية، بحيث يستغل النازحون السوريون فرصة تدهور الأوضاع الأمنية، ويقوم هؤلاء بقطف المحصول وبيعه، وقطع الأشجار ونقل الثمار بشكل غير قانوني".