المصدر: الديار
الكاتب: يمنى المقداد
الاثنين 9 أيلول 2024 22:38:22
لا تزال المدارس الخاصة في لبنان، ترفع أقساطها على "هواها "عاما تلو الآخر، وعلى ما يبدو، لم تلقَ نداءات وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي، المتعلّقة بموضوع تنظيم الأقساط المدرسية في هذه المدارس، وفقا للقانون رقم 515/1996، آذانا صاغية من قبل إدارات هذه المدارس، وبقيت توجيهاته مجرّد حبر على ورق، كما هو حال تطبيق هذا القانون بالنسبة إليها.
وآخر هذه النداءات، كان في شهر حزيران من هذا العام، حيث وجه الحلبي كتابا إلى المدارس الخاصة غير المجانية، يتعلّق بتحديد نسبة الزيادة على الأقساط المدرسية، وفقا لأحكام القانون المذكور، وذلك على أثر انتشار أخبار في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، حول الأرقام المرعبة جدا للأقساط المدرسية هذا العام.
ماذا ينص القانون 515؟
على ماذا ينص القانون 515 بالنسبة للموازنة والأقساط المدرسية؟ أوضحت الباحثة في الشأن التربوي والتعليمي المحامية ملاك نعمة حمية، لـ "الديار"، أنّ "تنظيم الموازنة المدرسيّة وأصول تحديد الأقساط في المدارس الخاصة غير المجانية، يخضع بشكل أساسي للقانون رقم 515 الصادر بتاريخ 6/6/1996، إضافة إلى الأحكام غير المخالفة له المنصوص عنها في القانون رقم 11/81 ، والمرسوم التطبيقي له رقم 4564/81، وهو ينص على تنظيم الموازنة، وفقاً للنموذج المصحوب به وبالليرة اللبنانية، وأنّها تتكوّن من بابين متوازنيْن، أحدهما للنفقات والثاني للإيرادات".
واشارت الى "ان المادة الثانية من هذا القانون حدّدت أنواع النفقات ، بحيث لا يُعتد من أجل تحديد القسط المدرسي بأيّ نفقة لا تدخل في إطارها، وتفرض أنّ يُشكلّ مجموع الرواتب والأجور وملحقاتها المستحقة لأفراد الهيئة التعليمية من داخل وخارج الملاك، إضافة إلى أجور المُستخدمين الخاضعين لقانون العمل نسبة 65% على الأقل من مجموع باب النفقات، والنفقات التشغيليّة للمدرسة نسبة 35% على الأكثر من هذا المجموع، كما تُحدّد إيرادات المدرسة بأنها تتكوّن من مجموع الأقساط المدرسية الموازي لمجموع عناصر باب النفقات، بحيث يتم تحديد القسط المدرسي السنوي بقسمة إجمالي باب النفقات، على مجمل عدد التلامذة في المدرسة بعد تنزيل مجموع عدد أولاد أفراد الهيئة التعليمية المعفيّين من القسط بموجب القانون".
مسار الموازنة
في شهر حزيران من كلّ عام، توزّع المدارس الخاصة بيان الأقساط المدرسية عن العام التالي، وهذا مخالف للقانون، حيث شرحت حميّة أنّ "القانون 515/96 يمنع على المدرسة تحديد القسط والزيادات اللاحقة به قبل إعداد الموازنة، ويوجب عليها تحضير مشروع موازنتها السنويّة في الفصل الأول من كلّ سنة دراسيّة، وعرض هذا المشروع على الهيئة المالية لدراستها في مهلة عشرة أيام من تاريخ هذا العرض. وبعد رفع مندوبيْ لجنة الأهل في هذه الهيئة تقريرهما إلى لجنة الأهل، تتّخذ هذه الأخيرة قرارها المناسب في مهلة خمسة عشر يوماً، إمّا بالموافقة على الموازنة أو برفض التوقيع عليها، وبعدها تقدّمها المدرسة إلى مصلحة التعليم الخاص في وزارة التربية، مصحوبة بالمستندات المعدّدة في المادة 3 من القانون المذكور، وذلك في مهلة لا تتعدى آخر شهر كانون الثاني من كل سنة دراسية".
وجزمت بـ " أنّ هذه الموازنة لا تُعتبر صحيحة أو قانويّة، إلا إذا كانت مقترنة بموافقة وتوقيع لجنة الأهل، وفي حال عدم الموافقة، تتولّى مصلحة التعليم الخاص سنداً للمادة 13 من القانون نفسه مهام تحديد قيمة الأقساط أو الزيادة الواجب اعتمادها، وتدعو المدرسة إلى التقيّد بها تحت طائلة الملاحقة القضائية وإحالتها إلى المجلس التحكيمي المختص بقرار من وزير التربية".
القانون مُلزِم... لكن لم يعد صالحاً للتطبيق!
واكدت "ان القانون 515/96 لا يزال النافذ والمرعيّ الإجراء والواجب التطبيق، ومن الناحية القانونيّة تبقى جميع المدارس الخاصة ملزمة بتطبيق أحكامه عند تنظيم موازناتها المدرسيّة، ولكن من الناحية الواقعيّة فإنّ الأمر مُغاير تماماً، فأحكام هذا القانون في ما يتعلّق ببنود الموازنة والنموذج المصحوب بها، لم تعد قابلة ولا صالحة للتطبيق واستيعاب مختلف أنواع النفقات التي استجدّت نتيجة الأزمة الاقتصادية، وبخاصة تلك المتعلقة برواتب وأجور أفراد الهيئة التعليميّة وسائر المتعاقدين والمستخدمين، وبنفقات المدرسة التشغيليّة".
اضافت "كما أنّ نموذج الموازنة المعتمد لا يتضمّن بنوداً أو عناوين لهذه النفقات الجديدة، ولا يحتوي إلا على نوع واحد من الإيرادات، وهي الأقساط المدرسيّة المحدّدة "بالليرة اللبنانيّة ، في الوقت الذي تفرض فيه المدارس الخاصة مبالغ إضافيّة ضخمة بالعملة الأجنبية من خارج الموازنة، والتي تدخل حُكماً ضمن مسمّى القسط المدرسي، وتُبقيها خارج الموازنة وخارج رقابة لجان الأهل، وهذا يخالف القانون والأسباب الموجبة لوضعه".
وتابعت" إضافة الى ذلك، فإنّ القانون 515/96 يوجب إيراد مجموع الرواتب والأجور وملحقاتها المستحقة لأفراد الهيئة التعليمية، إضافة إلى أجور المستخدمين الخاضعين لقانون العمل، بقيمتها المستحقة لهم وفقاً للقانون، أي تلك التي حُدّد آخرها في العام 2017 بموجب القانون رقم 46/2017، وهذه القيمة لها تأثير مباشر في تحديد قيمة النفقات التشغيليّة للمدرسة التي يجب ألا تتعدى نسبة 35% من هذا المجموع، وهذا سيجعل قيمة القسط المدرسي موازيا للقيمة التي كان عليها في العام 2017، وهو أمر غير واقعي بتاتاً، لأنّ أفراد الهيئة التعليمية لم يعودوا يتقاضون رواتبهم القانونيّة، بل إنّ جزءاً كبيراً منها أصبح بالدولار الأميركي تستوفيه المدارس من الأهالي على شكل مساهمات من خارج الموازنة، وبصرف النظر عن مدى قانونيّة وصحة قيمة هذه المساهمات، فقد أصبحت جزءاً من القسط المدرسي، كما أصبح الجزء من الرواتب الذي يُدفع لأفراد الهيئة التعليميّة بالعملة الأجنبيّة جزءاً من نفقات المدرسة".
مخالفات المدارس الخاصة
واعتبرت حميّة "أنّ المسؤولية الأولى والمباشرة في هذه الفوضى الحاصلة، تقع على عاتق السلطة التشريعيّة التي لم تعالج هذا الخلل، ولم تصدر لغاية تاريخه أي قانون آخر جديد يواكب التطورات الحاصلة كي تلتزم به المدارس الخاصة"، ولفتت إلى أنّ " المدارس الخاصة بمعظمها قد استغلّت الأزمة الاقتصادية والفوضى العارمة في البلد، وغياب الرقابة الإدارية والقضائية المتمثّلة بالتعطيل المتعمّد لتشكيل المجالس التحكيميّة التربوية، للتفلّت أكثر من باقي أحكام القانون 515/96، بحيث تفرض أقساطاً مدرسية باهظة بالعملة الأجنبية من خارج الموازنة، وبشكل عشوائي غير قائم على أسس قانونية، كما تمنع لجان الأهل من ممارسة دورها الرقابي المسبق على الموازنات وتحديد الأقساط، وبخاصة على الجزء من القسط الذي تستوفيه بالعملة الأجنبيّة.
فمعظم المدارس الخاصة، على ما ذكرت حميّة، قد حدّدت سلفاً أقساطها للعام الدراسي الحالي قبل انتهاء العام الدراسي الفائت، وقد تراوحت نسبة الزيادة على الأقساط ما بين 40% إلى أكثر 120% ، وطلبت من الأهالي تسديد الدفعة الأولى من القسط قبل انتهاء هذا العام الدراسي الفائت، في حين أنّ جميع هذه الإجراءات مخالفة للقانون، لأنّ النصوص المتعلّقة بأصول وضـع الموازنة وتحديد الأقساط وكيفيّة استيفائها وتاريـخ تقديمها، ما زالت نافذة وصالحة للتطبيق، بحيث جعلت المدارس الخاصة من رسالتها التربوية مادة ربحيّة، وحوّلت التعليم إلى سلعة تجارية، حتى أصبح التعليم الخاص ترفاً وحُلماً غير متاح إلا للميسورين من الناس، أما ابناء الطبقة المتوسّطة التي تحولت الى الطبقة الفقيرة فلن يجدوا البديل للتحصيل العلمي حتى في قطاع التعليم الرسمي.
وختمت حميّة" "بأنّ هذا الخلل الكبير بين القانون والواقع، يفرض على المشرّع سنّ قانون جديد يواكب التطورات الحاصلة، ويضع أسساً جديدة واضحة وقابلة للتطبيق وغير معقدّة لتنظيم الموازنات وتحديد الأقساط المدرسيّة، على أن يراعي أولاً حق الطفل المقدّس في التعليم واستمراريّته، وينطلق من الأهداف الأساسيّة للتعليم، وينسجم مع الغاية من إنشاء المدارس الخاصة ورسالتها التربوية والأخلاقية، لكون إسدائها لخدمة التعليم يدخل في إطار الخدمة العامة، وفي نطاق الأنشطة التي لا تتوخى الربح، كما منسجماً مع الأسباب الموجبة لوضع هذا القانون والمتمثّلة بضمان تطبيق وتأمين الشفافية في إدارة حسابات المدرسة، والإبقاء على الرقابة الماليّة، وأخيراً لوقف التسرّب المدرسيّ وعمالة الأطفال، وحماية الأطفال في لبنان.