المصدر: المدن
الكاتب: فرح منصور
السبت 6 كانون الثاني 2024 10:10:37
لعلّ القضية الأكثر تداولًا بين أهل القضاء في الفترة الراهنة، هي اسم القاضي الذي سيحظى بـ"دعمٍ سياسيّ" وبمخرجٍ قانوني مُناسب، ليشغل منصب "المدعي العام التمييزي"، بعد إحالة القاضي غسان عويدات إلى التقاعد في الثاني والعشرين من شباط المقبل.
انقسام القضاة
وإن نجحت هذه القضية في شحذ اهتمام القضاة، إلا أنها أحدثت انقسامًا فيما بينهم، وبين أهل القانون أيضًا، حول الاسم والمذهب الديني والمرجعية السياسية للقاضي الذي سيشغل منصب رئيس كافة قضاة النيابات العامة في الجمهورية اللبنانية. والمعروف أن هذا المنصب من حصة الطائفة السنيّة عرفاً.
القضية اليوم تتخذ طابعًا طائفيًا وسياسيًا بشكل أساسي. وبالرغم من محاولة العديد من القضاة "لجم" هذا الصراع وعدم إظهاره إلى العلن، إلا أن رائحة "الخلافات" تسربت من داخل غُرفهم من دون إنذار.
تناولت "المدن" في تقرير سابق مجموعة من الأسماء المطروحة، والمُتداولة بين القضاة. من الناحية القانونيّة، يُكلف القاضي الأعلى درجة بين قضاة النيابة العامة التمييزية بهذا المركز، أي تُكلف القاضية ندى دكروب وهي محام عام تمييزي، وإبنة أخت رئيس مجلس النواب، نبيه برّي، وزوجة مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي. وهذا الطرح يُطبق في حال رفضت الحكومة اللبنانية عقد جلسة خاصة لتعيين مدعٍ عام أصيل. وهو الأمر المتوقع. علمًا أن هناك العديد من العوائق التي من الممكن أن تؤثر على توليها هذا المنصب، ومن ضمنها أنها ترأس معهد الدروس القضائية، ويتوجب عليها ترك هذا المنصب بعد توليها لمركز المدعي العام التمييزي.
في الأسابيع الماضية رفضت دكروب تولي هذا المنصب. وتم التداول داخل قصر عدل بيروت بأنها أبلغت رئيس مجلس النواب، نبيه برّي، بأنها لن تقبل تولي هذا المنصب. لكن "المدن" علمت من مصادر قضائية بارزة، أن دكروب تراجعت عن قرارها، وستكون جاهزة لتولي هذا المنصب بعد إحالة عويدات إلى التقاعد. ما يعني أن المعادلة قد تتغيّر. أي أن السيناريو المتوقع خلال الأسابيع المقبلة أن تحلّ قاضية من الطائفة الشيعية لمنصب المدعي العام التمييزي، السنّي عرفاً.
صراع مستمر
الحال، أن "بازار الأسماء" فُتح على مصراعيه منذ أسابيع، وظهرت المنافسة بشكل واضح داخل قصر عدل بيروت، عندما حاولت بعض المراجع القضائية "التسويق" لاسم القاضي الذي يرغبون بتوليه هذا المنصب، نسبةً لحساسية هذا المركز و"سخونة" الملفات التي تصل إلى أيدي النيابة العامة التمييزية. وانحصرت الأسماء مؤخرًا بالقاضية ندى دكروب (من الطائفة الشيعية)، النائب العام المالي علي إبراهيم (من الطائفة الشيعية)، رئيس غرفة بمحكمة التمييز جمال الحجّار (من الطائفة السنيّة)، والمحامي العام التمييزي، القاضي غسان خوري.
مسار آخر
من هنا، يجري الحديث بأن المدعي العام التمييزي الحالي، غسان عويدات، قد يتجه إلى تكليف أحد القضاة. بمعنى أن يتوقف عويدات عن العمل قبل 22 شباط، ويُكلف أحد القضاة للقيام بمهامه عوضًا عنه. وبالتالي، يستمر القاضي المُكلف بمهام المدعي العام التمييزي بعد إحالة عويدات إلى التقاعد. وهنا، توضح مصادر قضائية متابعة بأنه في حال قرر عويدات القيام بهذه الخطوة، فسترتكز إلى سابقة قضائية اعتمدها المدعي العام التمييزي السابق عدنان عضوم، حينما عّين وزيرًا للعدل في العام 2004، فانتدب القاضية ربيعة عماش للقيام بمهامه. وعليه، يجري الهمس داخل قاعات قصر عدل بيروت، بأن اسم القاضي المتوقع تكليفه من عويدات قبل 22 شباط من الممكن أن يكون القاضي غسان الخوري (علمًا أن مراجع قضائية رفيعة اعتبرت بأن اسم الخوري صار مستبعدّا خلال الفترة الراهنة)، أو النائب العام المالي، القاضي علي إبراهيم (المعروف داخل الأوساط القضائية بأنه يحظى بدعم سياسي من حركة أمل). هذا وسبق التداول باسم إبراهيم لكونه الأوفر حظًا، على اعتبار أن "النيابة العامة المالية تنشأ من ضمن النيابة العامة التمييزية حسب قانون أصول المحاكمات الجزائية".
وواقع الحال، أن النقاشات تنوعت حول قانونية هذه "السابقة القضائية"، وانقسمت آراء المراجع القضائية، ورفض بعضها السير بها، لأن وقائع السابقة في عهد عضوم كانت مختلفة إلى حد ما عن هذه الحالة. لذلك من الممكن اعتبارها "غير قانونية"، لسبب واحد أساسي وهو إحالة عويدات إلى التقاعد، وبالتالي يُلغى التكليف بعد 22 شباط.
لكن للآن لم تُحسم القضية بعد، والمؤكد أن الصراع القضائي سيتمدد خلال الأسابيع المقبلة، مسببًا أزمة مستجدة تؤججها مخاوف من تدخل سياسي يطيح بكل آمال أهل القضاء والمتقاضين.