بينما يعاني قطاع الإعلام في لبنان من تراجع دوره على المستويين المحلي والعربي مع إغلاق صحف ومؤسسات إعلامية لبنانية عريقة، تخوض إذاعة "صوت لبنان" غمار تجربة التحول الرقمي والمرئي لتصبح "مؤسسة إعلامية" تضم، إضافة إلى الإذاعة المسموعة "صوت لبنان" 100.5/100.3، الموقع الالكتروني vdl.me والاذاعة المرئية vdl24 والتي تبث بالصوت والصورة عبر الانترنت، فتحتفظ المؤسسة بجمهورها الإذاعي، وتنفتح على جماهير جديدة في لبنان والعالم.
الأولى بـ"الأولى"
و"صوت لبنان -الأشرفية"، تلقب أيضاً بـ"الأولى بالأولى"، وهو لقب رددته إحدى السيدات خلال الجولة الميدانية في الإذاعة، في دلالة على رمزيتها التاريخية، فهي الإذاعة الخاصة الأولى في لبنان، الوحيدة التي كانت تبث خلال الحرب، وهي من الاذاعات القليلة التي حافظت على عراقتها وصدارتها حتى يومنا هذا.
يربط مارون تاريخ الاذاعة بثلاثة محطات أساسية: إنطلاقتها الأولى عام 1958 واستئناف بثها في 13 تشرين الأول/ أكتوبر العام 1975، وإطلاقها في 28 آذار / مارس 2022، بثاً مرئياً بالصوت والصورة على مدار الساعة، عبر موقعها الإلكتروني وتطبيقها الخاص على الاجهزة الخلوية وصفحاتها عبر الـSocial media، في تجربة مختلفة ومتقدمة على المستويين اللبناني والعربي، لا تضمن الاستمرارية وحسب، بل تفتتح باباً جديداً للمنافسة الاعلامية.
الإذاعة ونهضة "حزب الكتائب"
في مكتبه الخاص في الإذاعة يشرح مارون عن التجربة، وإلى جانبه شاشة يراقب من خلالها البث المباشر للإذاعة المرئية، وخلفه صورة لشهيد حزب "الكتائب"، النائب والوزير الراحل بيار الجميل. صورة تختصر محطات كثيرة، من تاريخ الحزب، وذاكرة الإذاعة.
ولطالما امتلكت الأحزاب مؤسسات تلفزيونية في لبنان، أو أثرت على سياستها التحريرية، فيما لم يحظ حزب "الكتائب" بفرصة الوصول لـ"جماهير الصورة" سابقاً.
في السياق، يقرّ مارون بأنه أصبح للحزب اليوم مؤسسة إعلامية تغطي جماهير الصورة، مشدداً في الوقت نفسه على أن "صوت لبنان" ستحافظ على هويتها كمؤسسة إعلامية لبنانية وطنية جامعة منفتحة مضموناً وأسلوباً على شرائح المجتمع كافة، فاتحة منبرها أمام الرأي والرأي الآخر، في إشارة إلى التوازن في تغطية الخبر ونقل المعلومة.
وعن كون "صوت لبنان" سباقة في التكيف مع متغيرات المهنة، كما حزب "الكتائب" كان سباقا في التكيف مع التطور المجتمعي والسياسي اللبناني، يشدد على أنه "كان لا بد من أن تواكب الإذاعة نهضة حزب الكتائب الذي سجّل تقدماً نوعياً على الساحة السياسية اللبنانية، لتتطور بدورها وتوازي هذا التقدم".
إضافة الى مواكبة نهضة الحزب، واكبت "صوت لبنان" تحديات المهنة. إذ "ما كان بوسعنا البقاء كما نحن في عصر الصورة والفضاءات المفتوحة"، يقول مارون. "بات لزاماً على الإذاعة التحول من الصوت الى الصوت والصورة، ونجحنا في هذا التحول مع إمكانات تقنية ذكية -بالحد الأدنى- وعمل دؤوب ومهني، وإلمام بأدق تفاصيل التجربة".
وليس إلمام مارون بأدق تفاصيل الأنظمة المشغلة للتجربة الرقمية، وغرف التحكم واستوديوهات الإذاعة المرئية التي جالت كاميرا "المدن" فيها، سوى أحد عوامل نجاح التجربة. فهو الآتي من خلفية تلفزيونية عمرها عقود، أتاحت له تلك الخبرة أن يقود ويشرف ويلم، بهذه النقلة النوعية.
تقنيات ذكية
بحدّ أدنى من التقنيات الذكية، انفتحت "صوت لبنان" على جماهير جديدة، محولة قسماً من برامجها إلى "صوت وصورة" ومستحدثة برامج جديدة لإذاعتها المرئية ومبقية على برامج خاصة للإذاعة، لتغطي المواضيع كافة من سياسة الى اقتصاد ورياضة وفن وأفلام وثائقية.
هذه الديناميكية فرضت جدولتين للبرامج: واحدة للإذاعة وأخرى للإذاعة المرئية، فيما يكمن التحدي الأكبر بحسب مارون، بتنظيم التوقيت للبرامج المشتركة سيما وأن لكل منهما برمجتها الخاصة، وإعلاناتها.
ويعطي مثالاً بارزاً عن خصوصية كل إذاعة منهما، فالنشرة المرئية عبر vdl24 تتضمن صوراً وفيديوهات معبّرة، قد لا تحتاج تعليقاً من المذيع، على عكس النشرة المسموعة عبر إذاعة "صوت لبنان"، حيث لا يمكن للمذيع أن يصمت ولو لثوان معدودة، في ظل غياب الصورة، وهي دلالة على أنه ليس كل ما ينطبق على الاذاعة المسموعة يليق بالإذاعة المرئية والعكس صحيح.
من هنا، نجد غرفة أخبار واحدة وانتاجاً تحريرياً واحداً لكل نشرات الاخبار في مؤسسة "صوت لبنان" الإعلامية، لكن الاختلاف يبقى في التنفيذ، ما يحتم قراءة النشرة ذاتها في استوديوهين مختلفين، وعبر مذيعين اثنين.
التفاصيل الدقيقة
خلال الجولة على استوديوهات الإذاعة وغرف التحكم أو "الريجي"، يشرح الموظفون تفاصيل عملهم، فيما كان لافتا أنه لكل برنامج خلفيته والغرافيكس الخاصة به، ما يجعل الاستوديو الواحد، يتحول بمرونة الى استوديوهات متعددة، في اقتصاد بالكلفة من دون الانتقاص من حق كل برنامج بالتميز.
ويظهر اسم القناة vdl24 في أعلى الشاشة، وفي أسفلها يبرز الشريط الإخباري للأخبار العاجلة، وكذلك يعرض اسم الضيف المتحدث في البرنامج، إضافة الى عنوان الموضوع الذي يتحدث عنه، فضلاً عن الفواصل الإعلانية.
هذه الثورة الرقمية والمرئية في آن، تطلبت استحداث أقسام جديدة في صوت لبنان لـ"السوشال ميديا" و"الأرشيف" بهدف رقمنته واستخدامه، وكذلك للمونتاج، عدا عن توسيع عمل غرفة الأخبار والمراسلين، لتلبي متطلبات الإذاعة المرئية.
فرص عمل جديدة
والتطور على المستوى التقني، فرض تطوراً مماثلاً على مستوى الموارد البشرية لتواكب بدورها هذه التقنيات، ما تطلب الاستعانة بعدد من الخبراء والاختصاصيين سيما على المستوى التقني فتم توظيف قرابة 20 شخصاً، ليفتح المجال أمام طلاب الجامعات الذين "دربانهم تقنياً على خوض التجربة، وأصبحوا بدورهم مؤهلين لإدارة هذا العمل".
أما التحدي الأكبر فكان بتكييف العاملين في الإذاعة المسموعة على العمل المرئي. هنا، يتجلى ترشيق الموظفين في الإذاعة عبر صعيدين اثنين: الصعيد الأول هو الاستعانة بالتقنيات الذكية مثل الروبوت (كاميرا متحركة)، والمثبت في عدة زوايا من الاستوديو، بحيث لا حاجة لمصور يحرك الكاميرا.
أما الصعيد الثاني، فهو تطوير مهارات الموارد البشرية، عبر تكيف موظفي الإذاعة المسموعة بالعمل المرئي بالصوت والصورة، والذي يقدره مارون بـ80%.
وفي غرفة الماكياج، تم إخضاع المذيعين والمذيعات لتدريب على وضع الماكياج بأنفسهم، "فقد فكرنا بأدق التفاصيل عند إنجازنا هذا العمل، وهو ما مكننا من إنجاحه".
تحديات وفرص
نسأل مارون عن المغامرة بتجربة تزيد من ميزانية الإذاعة في وقت يعاني فيه الإعلام اللبناني من صعوبة التمويل، ليوضح أن الاعلانات لا تستطيع تغطية هذه التكلفة بالكامل، "فذهبنا إلى خيارات أخرى اعتمدناها منذ انكشاف الأزمة الاقتصادية عام 2019 وهي إنتاج برامج لمؤسسات اعلامية خارج لبنان، سيما على صعيد البودكاست".