"المركزي" يتريث في تعديل التعميم 151 في انتظار إقرار موازنة 2024

بين التمنيات والإمكانات تضيع أحيانا كثيرة الآمال المعقودة على قرار ما أو خطوة تؤدي إلى انفراج في طريق مقفل أو خرق في جدار أزمة.

مناسبة الكلام التريث الذي اعتمده مصرف لبنان في إصدار التعديل العتيد على التعميم 151، بعد لقائه وفد جمعية المصارف، والمداولات التي أفضت إلى قناعة بوجوب التمهل في وضع التعديل الذي يقضي بالسماح للمودعين الذين لا يستفيدون من مفاعيل التعميم 158، بسحب مبلغ 150 دولارا شهريا من حساباتهم "اللولارية" المحتجزة في المصارف، وكذلك في انتظار اقرار موازنة 2024 التي يمكن أن تلحظ بندا لسعر الدولار المصرفي بناء على تمنيات الحاكم بالانابة وسيم منصوري، فيما عُلم ان النواب لن يوافقوا على إدراج مثل هذا البند في الموازنة.

وفي انتظار التوافق مع المصارف التي عارضت التعديل في الوقت الراهن لعدم قدرتها على تأمين السيولة اللازمة لذلك، يعود الموضوع إلى المربع الأول، وتبقى حقوق السحب مقيّدة بسعر الصرف الرسمي 15 ألف ليرة للدولار الواحد، علما أن اقتراح التعديل كان يقضي بتحمّل الكلفة مناصفة بين مصرف لبنان والمصارف، في حين سرت تسريبات عن اقتراح تقدم به مصرفيون يطالبون بتعديل يتحمل فيه مصرف لبنان 75% والمصارف 25% فقط، لكن كلا الإقتراحين سقطا بعد تصاعد الإعتراضات، وآل الأمر إلى انتظار نتائج التصويت على الموازنة والتعديلات المقترحة على البنود ذات الصلة بسعر الصرف.

وفيما يعكف المجلس النيابي على مناقشة الموازنة هذا الأسبوع، ستكون العيون شاخصة الى التعديلات التي ستطاول سعر الصرف الرسمي، والى ما سيؤول إليه التوافق الضمني مع صندوق النقد الدولي حول توحيد جميع أسعار الصرف للضرائب والرسوم على 89500، ومصير سعر الدولار الرسمي (15000 ليرة) في ما إذا كان المجلس النيابي سيتبنى رفعه إلى 89500 أو سيرمي كرة نار الرفع في ملعب الحكومة.

ويتخوف المراقبون من إقدام الحكومة على رفع سعر الصرف الرسمي إلى 89500 ليرة، ما سيؤدي حتما إلى تهافت المودعين على المصارف وسحب "لولاراتهم" على السعر الجديد، وارتفاع السيولة بالليرة اللبنانية على نحو مطّرد في السوق ما سيضع الاقتصاد والإستقرار الساري مجدداً أمام خطر تنامي التضخم من جديد.

إقتراح تعديل التعميم 151، كان محاولة إصلاحية من مصرف لبنان للتخلص من تعدد أسعار الصرف من جهة، وإنصاف بسيط للمودعين خصوصاً الصغار منهم من جهة أخرى، لكن شاء ضعف مقدّرات وإمكانات بعض المصارف، وحرص "المركزي" على عدم تعريض القطاع المصرفي لحالات إفلاس، إلتزام التريث الذي يرجو الكثيرون ألّا يكون بعيداً جداً لما له من عائد إنساني واجتماعي واقتصادي على المودعين.

إذاً، كان من المفترض أن يصدر مصرف لبنان تعديلا للتعميم151 اليوم، ليشمل كل الحسابات في ما يتعلق بالسحوبات من الحسابات غير المؤهلة وفقاً للتعميم 158، والتي تنطبق على ما كان معمولا به وفقا للتعميم 151. لكن الهواجس التي أبداها بعض المصرفيين حيال التعميم خلال اجتماع جمعية المصارف مع الحاكم بالانابة أمس، معطوفة على تأجيل اجتماع المجلس المركزي، أجّلا موعد صدور التعميم في انتظار جلاء الصورة، خصوصا حيال ما يتعلق بإمكان لحظ موازنة 2024 تحديدا لسعر الدولار المصرفي.

وقد كان واضحا خلال الاجتماع انزعاج الحاكم بالانابة من الكتاب الذي كانت أرسلته الجمعية وابدت فيه عدم قدرتها على الالتزام بالتعميم 151، على خلفية انها مكلفة ويمكن أن تعرقل الحل الشامل للمودعين. فقد أبدى بعض اصحاب المصارف هواجسهم من عدم قدرتهم على سداد الدفعات الشهرية للمستفيدين من التعميم 151 وإنْ كانت ستسدده مناصفة مع مصرف لبنان، اي 75 دولارا شهريا (نصف دفعة الـ150 دولارا)، علما ان الآلية الجديدة لن تشمل جميع الحسابات، بل فقط الحسابات غير المشمولة بالتعميم 158 (أي الحسابات المشمولة بالتعميم 151، والتي لا تحصل اليوم على دفعات بالدولار النقدي).

وأكد الحاكم بالانابة للجمعية أنه اذا كانت بعض المصارف تعاني من عدم توافر السيولة، فإن ذلك لا يعني أن كل القطاع يعاني من المشكلة نفسها، وتاليا لا يمكن تعطيل الحلول والتعاميم المقترحة لمصلحة المودعين، ويجب على المصارف أن تلتزم التعاميم التي يصدرها مصرف لبنان. في المقابل، كان منصوري منفتحا على التعاون لإيجاد الحلول للمصارف غير القادرة على السير بالتعميم.

كذلك تركز النقاش الذي كان "حاميا" في بعض المسائل، على ضرورة أن تحدد الموازنة سعر الدولار المصرفي وعدم ابقائه على سعر 15 الف ليرة، بما يعالج مشكلة المبالغ الاضافية التي يطلبها المودع "قانونيا"، ويبعد المسؤولية عن مصرف لبنان والمصارف تجاه المودعين.

وأشارت مصادر مصرفية لـ"النهار"، الى أن 60 مليار دولار من أصل 90 مليار دولار ودائع يطبق عليها التعميم 158، و30 مليارا يطبق عليها التعميم 151، فيما الخطط المتداولة كانت تقضي بتسديد الودائع التي هي أقل من 100 ألف دولار، ونحو 40 مليار دولار وهي الودائع التي تتجاوز حد الـ 100 ألف دولار، سيصار إلى إرضائها بسندات صفرية (Coupon Bond Zero) أي أوراق مالية يمكن تداولها بقيمة الوديعة الأساسية من دون أن تنتج فوائد، على أن تسدد قيمة الوديعة بعد 30 أو 40 سنة. وسألت: "ماذا عن بقية الودائع التي تقدر قيمتها بنحو 30 مليار دولار؟ وكيف سيكون الحل النهائي؟".

وكانت مصادر مصرفية أكدت أن "تسديد الدولار النقدي للحسابات غير المؤهلة يخلّ بمبدأ التفريق بين الحسابات المؤهلة وتلك غير المؤهلة، والتي من المتوقع أن تبنى عليها الخطط المستقبلية الهادفة إلى الخروج من الأزمة مع المحافظة على القطاع المصرفي بعد إعادة هيكلته، فيما تخشى المصارف في حال دفع الدولار النقدي للذين اشتروا الدولار بعد الأزمة بسعر 1500 ليرة، وللذين اشتروا الشيكات وأودعوها في حساباتهم، أن يكون المصرف المركزي قد أرسل إشارة خاطئة اليهم ستؤثر سلبا على الخطط المقترحة حالياً لمعالجة الأزمة".

وأوضحت ان المصارف تحاول جاهدة في الوقت الحاضر تأمين السيولة اللازمة لتسديد المبالغ النقدية التي يفرضها التعميم 158، وتاليا فان صدور أي تعميم آخر يلزمها بدفع مبالغ إضافية بالدولار سيؤثر حتما على استمرارية القطاع المصرفي بكامله.

وأشارت المصادر الى أن "أي تدبير يجب أن يضع في أولوياته تحمّل الدولة مسؤولياتها، وان عدم القيام بذلك ينعكس حكماً على القطاع المصرفي واستمراريته، وتاليا على حقوق المودعين. كل ذلك في وقت تواصل الدولة التهرب من المسؤولية محاولة تحميلها للمصارف وحدها في إنكار مقصود لما تسببت به من أزمة نظامية غير مسبوقة".

وبعد الظهر، أصدرت جمعية المصارف بيانا أعلنت فيه أن "مجلس إدارة جمعية مصارف لبنان عقد اجتماعا مع حاكم مصرف لبنان بالإنابة الدكتور وسيم منصوري ونواب الحاكم بهدف التباحث حول افضل الحلول الممكنة لتأمين حقوق المودعين على المدى القريب في انتظار الحلول النهائية، مع المحافظة على استمرارية القطاع المصرفي في آن، مما ينعكس بالنتيجة ايجابا عليهم. وقد تم الاتفاق على استمرار التعاون ‏في عدد من المواضيع التي تتطلب دراسة أعمق بما يسمح بتحقيق هذه الاهداف في أسرع وقت ممكن".