المصدر: المدن
الكاتب: عزة حاج حسن
الأحد 2 تموز 2023 15:27:09
لم يُعلن مصرف لبنان رسمياً تعديل التعميم 158، بل اكتفى بتسريب معلومات عن أن المجلس المركزي عدّل التعميم في جلسته الأخيرة، بهدف "إنصاف المودعين ووقف الهيركات الذي يُمارس بحقهم". عبارة جرى الترويج لها في الأيام القليلة الماضية في محاولة جديدة لخداع المودعين وذر الرماد في عيونهم، وحرف أنظارهم عن أن ودائعهم لا تزال بين فكّي المصارف تتعرّض لشتى أنواع الاقتطاعات والتذويب.
التعميم 158 الذي جرى الحديث عن تعديله مؤخراً، حسب مصرفيين، متعلّق بالإجراءات الإستثنائية للسحوبات. وهو يخوّل المستفيدين منه سحب 400 دولار نقداً (fesh) شهرياً و400 دولار بالليرة اللبنانية على سعر صرف 15 ألف ليرة، نصفها نقداً ونصفها الآخر يتم إنفاقها من خلال البطاقة المصرفية في نقاط البيع.
وحسب التعديل المفترض للتعميم 158، يمكن للمستفيدين منه سحب 400 دولار نقداً شهرياً من دون أن يكون المستفيد مضطراً لسحب 400 دولار بالليرة اللبنانية. إلا أن أحد المصرفيين يؤكد أن التعديل المذكور ليس رسمياً حتى اللحظة، إنما جاء في إطار تداولات أعضاء المجلس المركزي لمصرف لبنان حول عدد من الإجراءات المصرفية المتعلّقة بالتعاميم 158 و161 و151، والتي سيُعلن عنها المركزي قريباً.
لا وقف للهيركات
الحديث عن تعديل التعميم 158 جدّي. إلا أن وقف عمليات سحب المودعين 400 دولار بالليرة اللبنانية على سعر صرف 15000 ليرة، لن يتم بهدف وقف الهيركات على ودائع المستفيدين من التعميم كما يتم الترويج له، إنما سيأتي في إطار سلة إجراءات تستهدف تقليص الكتلة النقدية بالليرة المتواجدة في السوق، وتالياً، ضبط سعر صرف الدولار في السوق السوداء.
وإذا كان مصرف لبنان بمجلسه المركزي يحرص على وقف استنزاف الودائع، ووضع حد لتذويبها كما يدّعي، فحريّاً به تعديل التعميم 151 المتعلق بالإجراءات الاستثنائية للسحوبات النقدية من الحسابات بالعملات الأجنبية، والذي أحرق مئات الملايين من الدولارات من ودائع اللبنانيين على سعر صرف 15 ألف ليرة، في وقت يبلغ فيه سعر صرف الدولار الحقيقي اليوم 93000 ليرة. ما يعني أن التعميم المذكور كان ولا يزال يمارس الهيركات على الودائع بقيمة تفوق 84 في المئة.
ومنذ بداية الأزمة المالية في لبنان، في خريف العام 2019، وحتى اليوم، استمرت عمليات تذويب الودائع من خلال تعاميم متنوعة لمصرف لبنان. فتدرّجت نسب الهيركات من الودائع إلى أن وصلت لأكثر من 84 في المئة، أي باحتساب كل دولار من الودائع المصرفية بقيمة تتراوح بين 10 سنتات و15 سنتاً فقط.
تذويب الودائع والقدرة المعيشية
وفي حين يستخف العديد من المصرفيين بفكرة تذويب الودائع، ويدّعون بأن عملية التذويب غير واقعية، يثبت مصرف لبنان خلاف ذلك، من خلال بيان سابق له يؤكد فيه أن التعميم 158 الذي أصدره في حزيران 2021 استفاد منه قرابة 181 الف عميل حتى نهاية شهر نيسان 2023. وبلغ مجموع ما تم سحبه من الودائع نحو مليار و800 مليون دولار. ما يعني أن 181 ألف عميل بالحد الأدنى تعرّضوا لعملية تذويب متعمّدة ومباشرة لودائعهم.
ولا ننسى الودائع التي تم تذويبها عن طريق التعميم 151. وهو أكثر التعاميم إجحافاً بحق المودعين. في المحصّلة، تراجع حجم الودائع بالعملات الأجنبية من 129 مليار دولار منتصف العام 2019 إلى قرابة 93 مليار دولار في آذار 2023. وذلك بفعل التعاميم المجحفة 151 و158 واقتطاعات أخرى غير معلنة، حيث تفرض المصارف عمولات واقتطاعات دورية من دون أي سند قانوني يخوّلها فرض عمولات جديدة على المودعين.
ولا تقتصر عملية الإجحاف المتعمّد بحق المودعين وعموم اللبنانيين على تذويب الودائع المصرفية، إنما أيضاً على ربط خدمات وتعرفات أساسية بدولار منصة صيرفة، الذي يفوق أضعاف الدولار المصرفي المحدد لسحب الودائع. ففواتير الكهرباء والاتصالات والإنترنت والعديد من الرسوم والضرائب والدولار الجمركي مسعّرة على أساس دولار منصة صيرفة البالغ اليوم 86200 ليرة، وهو ما يشكل استنزافاً مستمراً ليس فقط للودائع إنما لمداخيل اللبنانيين وقدراتهم المعيشية.
بمعنى آخر، يسحب المودع الدولار من المصرف بسعر 15 ألف ليرة، ويسدد فواتيره على سعر 86 ألف ليرة، ويشتري احتياجاته من السوق على سعر 93 ألف ليرة إن لم نقل 100 ألف ليرة، حسب كل تاجر.
كل ذلك ويستمر مصرف لبنان بادّعائه الحرص على أموال المودعين وحمايتها من الهيركات!