المصدر: المدن
الكاتب: علي نور الدين
الاثنين 6 حزيران 2022 16:55:39
أظهرت أرقام ميزانيّة مصرف لبنان، التي تم نشرها في بداية الشهر الحالي، اضمحلال احتياطات المصرف المركزي من العملات الأجنبيّة بنحو 1.81 مليار دولار منذ بداية العام الحالي، لتقتصر على 11.71 مليار دولار في بداية هذا الشهر. وإذا أضفنا إلى هذه الاحتياطات قيمة سندات اليوروبوند التي يملكها مصرف لبنان، والتي تمثّل دين مستحق على الدولة بالعملات الأجنبيّة لمصلحة المصرف المركزي، يصبح إجمالي قيمة "الموجودات الخارجيّة" (احتياطات العملات الأجنبيّة مع السندات المقوّمة بالدولار المملوكة من المصرف) نحو 16.01 مليار دولار. مع الإشارة إلى أنّ قيمة احتياطات العملات الأجنبيّة، التي تمثّل آخر ما تبقى من موجودات سائلة وجاهزة بالعملة الصعبة، باتت توازي اليوم أقل من 7 في المئة من إجمالي ميزانيّة المركزي، بعد كل الاستنزاف الذي طال هذه الاحتياطات.
الفوائد تفوق السحب
في مقابل هذا الانخفاض في قيمة الاحتياطات، تشير أرقام مصرف لبنان نفسها إلى أنّ حجم الدولارات التي تم بيعها عبر منصّة تداول العملات الأجنبيّة، والتي يديرها مصرف لبنان، تجاوز حدود 5.17 مليار دولار أميركي. وبذلك، يتبيّن أن حجم الانخفاض في الاحتياطات، الذي جاء مدفوعًا بعمليّة ضخ الدولار عبر المنصّة، يوازي نحو 35 في المئة من قيمة عمليّات المنصّة الإجماليّة. بمعنى آخر، عمد مصرف لبنان منذ بداية العام إلى تأمين نحو ثلث الدولارات التي جرى بيعها عبر المنصّة من احتياطاته، فيما أمّن الثلثين الآخرين من مصادر أخرى، كشرائها من السوق السوداء أو مراكز تحويل الأموال (أو. أم. تي.).
في الوقت نفسه، أظهرت الميزانيّات أن التزامات المصرف المركزي حيال المصارف التجاريّة، والناشئة عن ودائع المصارف لديه، ارتفعت بنحو 2.93 في المئة لغاية شهر أيّار، بالرغم من السحوبات التي تقوم بها المصارف من مصرف لبنان لمصلحة عملائها (بالليرة اللبنانيّة أو الدولار حسب التعاميم المعتمدة). وبذلك، يصبح من الواضح أن كتلة الفوائد التي تتراكم على مصرف لبنان، نتيجة شهادات الإيداع التي اكتتبت بها المصارف لديه، باتت أكبر من عمليّات السحب التي تجري حسب سقوف محددة. وعلى أي حال، وبسبب استمرار تراكم هذه الالتزامات، نتيجة الفوائد، من المتوقّع أن تستمر كتلة خسائر المصرف المركزي بالارتفاع بمعزل عن كميّات السحب التي تؤمنها المصارف لعملائها (مع العلم أن هذه الخسائر تتمثّل في الفارق ما بين موجودات والتزامات المركزي بالعملات الأجنبيّة). وفي جميع الحالات، من المعلوم أن هناك مصادر أخرى للتزايد المستمر في هذه الخسائر، مثل السيولة التي يخسرها المركزي من احتياطاته للتدخل عبر المنصّة.
ارتفاع كتلة الخسائر
ارتفاع كتلة الخسائر السريع، يقودنا تلقائيًّا إلى البحث في بند الموجودات الأخرى في ميزانيّة المركزي، وهي تمثّل تحديدًا الخسائر المتراكمة التي لحقت بالموجودات، والتي لم يعترف بها المركزي، بل عمد إلى إخفائها عبر الإبقاء على تسجيلها كموجودات وهميّة. وهذا البند بالتحديد، ارتفعت قيمته بنحو 34.25 في المئة (أي أكثر من الثلث) لغاية أيّار 2022، حتّى بات يمثّل وحده نحو 41 في المئة من إجمالي الموجودات المسجّلة في الميزانيّات.
تجدر الإشارة إلى أن قيمة بند الموجودات الأخرى تجاوز حد 69 مليار دولار، وهو ما يتجاوز بهامش محدود حجم خسائر المصرف المركزي الإجماليّة التي قدّرتها الحكومة في خطّة التعافي المالي.
أخيرًا، سجلت ميزانيّة المركزي انخفاضًا طفيفًا بنسبة 2.8 في المئة في قيمة الذهب المملوك من مصرف لبنان، نتيجة التغيّرات التي لحقت بأسعار الذهب عالميًّا. وفي النتيجة، باتت قيمة مخزون الذهب الموجود لدى مصرف لبنان تقارب حدود 17.08 مليار دولار، وهو ما يوازي نحو 10.04 في المئة من قيمة الميزانيّة الإجماليّة. مع الإشارة إلى أن قيمة الذهب بالتحديد شهدت خلال الأسبوعين الماضيين ارتفاعات طفيفة، وهو ما بدأ بالتعويض عن انخفاضات سابقة لحقت بقيمته.