المصدر: المدن
الكاتب: وليد حسين
الخميس 20 نيسان 2023 15:40:52
المركز التربوي للإنماء والبحوث في وضع لا يحسد عليه. فعلى عاتقه تقع مسؤولية مستوى الشهادة الرسمية في الامتحانات الرسمية المنوي إجراؤها في الأسبوع الأول من تموز.
هو في الأساس تقع على عاتقه وضع خطة للنهوض بالقطاع التربوي، وليس تثبيت مستوى الشهادة فحسب، طالما أنه العقل المدبر للتربية. لكن هذا الدور الاستراتيجي ربما بات يعتبر بمثابة ترف حيال المعضلة الأساسية التي تعني أهالي الطلاب في الوقت الراهن، في كيفية انهاء أولادهم الامتحانات الرسمية. فإجراء الامتحانات الرسمية في وقت لم يتعلم غالبية طلاب صفوف الثانوي في القطاع الرسمي بمثابة ظلم لهم، وعدم إجرائها يظلم غالبية طلاب المدارس الخاصة. أما تخفيض المناهج لتتناسب مع ما تعلمه طلاب المدارس الرسمية، فيؤدي إلى ضرب مستوى الشهادة. وأي خطوة يتخذها المركز ستكون سيئاتها أكثر من حسناتها.
دوره بات شكلياً
لكن هذا العبء الكبير، الذي يفترض أن يقض مضاجع المركز التربوي، لرفع توصية تعدل بين الطلاب، حتى لو اقتضى الأمر منحهم الإفادات، أزيل عن كاهله. فمن يقرر مصير الامتحانات، لناحية المواد والمحاور التي سيمتحن بها الطلاب، هي مديريات وزارة التربية، وتحديداً المديرية العامة، وجهاز الإرشاد والتوجيه ودائرة الامتحانات. فحضور المركز التربوي بات شكلياً بهذا الشأن، رغم أن دوره يجب أن يكون أساسياً، تقول مصادر مطلعة.
وتضيف المصادر أن التقليص الحالي للمناهج يتم تحت سقف المركز، بالمعنى المكاني، لكن حضور المركز بالمعنى الأكاديمي والتربوي والفني، هو شكلي. فالمركز تحول من مؤسسة عامة مستقلة إلى مجرد إدارة ملحقة بوزارة التربية. ويقرر وزير التربية ومستشاروه وبعض الموظفين كل التفاصيل التي تقع في صلب مهام المركز.
وتشرح المصادر أنه جرت قوننة ضرب استقلالية المركز من خلال القرار الذي حمل الرقم 12، لرفع الحد الأدنى للأجور لموظفي المركز، وتحول بموجبه المركز التربوي إلى مجرد إدارة تابعة للمديرية العامة للتربية. فمن خلال تحديد سلسلة الرتب والرواتب ألغى مجلس الوزراء، بمعية الوزير، الوظائف الفنية في المركز، وحول الموظفين الفنيين، أي التربويون والأكاديميون، إلى موظفين إداريين، يحضرون إلى مراكزهم لتأدية دوام العمل، مثلهم مثل موظفي الوزارة. ليس هذا فحسب، بل أن بعض الموظفين المحظيين رتبوا وضعهم بعقود عمل مع مشروع البنك الدولي في المركز، للحصول على رواتب بالدولار النقدي أو تم تعيينهم في اللجان المتعددة التي يتقاضون لقاء حضور جلساتها أتعاباً بالدولار. فمشروع البنك الدولي S2R2 بين الهبات والقروض مربح، طالما أن الموظفين أو المتعاقدين فيه، يحصلون على رواتب تتراوح نسبة الدولار النقدي فيها بين 25 و75 بالمئة.
تلقيص مواد الامتحانات
ووفق المصادر، الحديث عن استقلالية المركز التربوي كمؤسسة عامة ربما بات مجرد ترف في لبنان، حيال الأزمة الوجودية التي تعصف بالقطاع التربوي. لكن إقصاء المركز عن وظيفته الأساسية ساهم بما وصلت إليه الأمور. فوظيفة المركز هي أن يكون العقل المدبر للتربية لوضع خطة وطنية للنهوض بالقطاع الرسمي وللنهوض بالتربية، بعد أربع سنوات من أزمة تربوية قضت على مستوى الشهادة. ووظيفته كمؤسسة مستقلة ليس في وضع خطط أكاديمية للخروج من الأمّيّة التي سيصل إليها لبنان في السنوات المقبلة فحسب، بل إصدار توصيات لازمة لوزارة التربية لكيفية معالجة الأزمة الوجودية، التي لا تهدد التعليم الرسمي بل التربية في لبنان.
ورغم أن الامتحانات الرسمية تعتبر مسألة عرضية حيال الأزمة الكبرى، بمعزل عن أنها تقلق أهالي الطلاب حالياً، غُيب المركز كمؤسسة مستقلة عنها، ولم يعد له الدور في كيفية إجراء الامتحانات الرسمية بالطرق الفضلى، تقول المصادر.
وتضيف، أجرت وحدات الوزارة، باسم المركز التربوي، إحصاء غب الطلب عن كيفية سير التعليم في المدارس الرسمية والخاصة بغية تقليص المناهج للامتحانات الرسمية. وكان الهدف منه معرفة المحاور التي تعلمها الطلاب في القطاعين، لوضع جداول بهذه المحاور، وبتلك التي تتصور وزارة التربية أن القطاع الرسمي سينجزها حتى انتهاء العام الدراسي. وقد تم تقليص المحاور بسرعة فائقة في اليومين المنصرمين لكل المواد. وأبلغ دليل على التسرع أنه عادة عندما يتم التقليص لا يكون من خلال شطب محاور بأكملها، بل من خلال التمحيص في كل فصل من فصول المحور، لمعرفة أي فصل يمكن شطبه وأي فصل يمكن تركه. ففي كل محور ثمة فصول تكون بمثابة متطلبات أساسية ومسبقة (prerequisite) يجب أن يكتسبها الطالب لتعلم المادة. بينما جرى حالياً شطب لمحاور بأكملها.
نواقص الإطار العام للمناهج
أما بما يتعلق بالمناهج المنوي اعتمادها في لبنان مستقبلاً، فالحديث فيه كارثي، كما أكدت المصادر. فبعد إطلاق النسخة الخامسة للإطار الوطني العام للمناهج في نهاية العام المنصرم، اكتشفت وزارة التربية أن هناك نواقص عدة في الإطار. لذا تم تشكيل لجان لوضع أوراق داعمة للإطار الوطني لسد الثغرات. والسبب أن الوزارة تسرعت في إطلاق الإطار العام نهاية العام المنصرم لعدم خسارة تمويل البنك الدولي. وهذا رغم أن النسخة التي أطلقت تعدلت خمسة مرات، وفي كل مرة تصل تكلفة التعديل إلى نحو مئة ألف دولار. علماً أن لجاناً أخرى شكلت أكثر من مرة سابقاً عندما بدأ العمل على الإطار. وكانت كلفة الإطار الأول عشرين ألف دولار. فقد عمل عليه عشرة أشخاص تقاضى كل واحد منهم ألفي دولار فقط، عندما كان لبنان في عز البذخ قبل الأزمة الحالية.
حسرة موظفي المركز
أما حالياً، وفي ظل إضراب أساتذة التعليم الثانوي احتجاجاً على تراجع قيمة رواتبهم، وبما أن غالبية موظفي المركز التربوي هم أساتذة ملحقون به، في ظل وقف التوظيف، فقد وصلت الأمور حد تحسر الموظفين على تصرفات رئيسة المركز الحالية بالتكليف هيام إسحاق. ووفق ما يقول موظفون خصصت إسحاق 70 دولاراً نقدياً لبعض السائقين في المركز لأنها تستخدمهم كسائقين شخصيين لها ولأولادها لنقلهم مساءً من مدرسة الجمهور إلى البيت، أو لنقلهم إلى النادي الرياضي في أيام العطل الرسمية. أما باقي السائقين (عدد سائقي المركز يزيد عن ستة أشخاص) فيتقاضون نحو أربعين دولاراً نقدياً، لأن راتبهم لا يتجاوز أربعة ملايين ليرة. هذا فيما مجموع رواتب أستاذ الثانوي (الراتب الأساسي ومساعدات الدولة) تصل إلى نحو 80 دولاراً بالشهر.
ليس هذا فحسب، بل وصل الأمر بموظفي المركز إطلاق وصف "أبن بطوطة" على إسحاق ومساعديها، لكثرة رحلات السفر التي تجريها للخارج. فيكاد لا يمر أسبوعان من دون رحلة سفر للمشاركة في مؤتمرات خارج لبنان. وعوضاً عن اختيار الدرجة الاقتصادية، طالما أن تمويل السفر يتم من مشروع البنك الدولي، أي أموال القروض المترتبة على الدولة اللبنانية، لا تسافر إلا بالدرجة الأولى. وبمعزل عن حاجة لبنان، أو عدم حاجته، للمشاركة في تلك المؤتمرات في الخارج، الأكيد أن المركز التربوي بحاجة ماسة لمكوث رئيسته في لبنان في ظل التقليص العشوائي للمناهج. إلا إذا كانت إسحاق قد تخلت عن دورها نهائياً وسلمت المركز لمديرات وزارة التربية، تقول المصادر.