المزايدات الداخلية حول الاتفاقات مع إسرائيل في انتظار ساعة الحسم: غياب الرؤية لحل

مع مرور كل دقيقة وساعة، تتضاعف مشاعر القلق والخوف لدى اللبنانيين من ساعة صفر يُنتظر ان يحددها "حزب الله" حيال قراره الدخول في الحرب أو عدمه، باعتبار انه الطرف الوحيد الفاصل في هذا المسار المفصلي للبلاد والشعب، طالما ان قرار الحرب والسلم، وباعتراف رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، المرجع الاول للسلطة التنفيذية في غياب رئيس الجمهورية، ليس في يد الدولة اللبنانية!

ما يعكس الضبابية التي تسود المشهد الداخلي والعجز عن التعاطي مع الازمة الخطيرة المستجدة، برؤية أو استراتيجية واضحة، اذا لم يكن بهدف تحييد لبنان عن الحرب، فأقله من اجل الاستعداد لمرحلة مقبلة تنذر بخطر شديد على اللبنانيين الغارقين اساساً في جهنم انهيار مالي واقتصادي وتحلّل مؤسساتي، في الانتظار، تتوالى المواقف وردود الفعل المستمرة والشاملة على المآسي الحاصلة في غزة، من دون ان تترافق مع الأسف، مع اي خطة طوارىء داخلية تواكب اي تطور قد يدفع البلاد الى الدخول في الحرب، وما يرتبه قرار كهذا من انعكاسات كارثية انسانياً وامنياً واقتصادياً ومالياً. صحيح ان المستجدات طغت على اي حديث محلي آخر، على صعيد البحث عن توافق لانتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة قادرة على تولي زمام المسؤولية، علماً ان التطورات المتسارعة كان يجب ان تعجّل هذا المسار ولا تطويه، فإن الموقف الوحيد الذي يخرج عن سياق الازمة عبّر عنه رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل في اطلاقه معادلة كاريش مقابل قانا، في محاولة استقطاب غير مجدية، سيما وان معادلة كهذه لا يملك قرار فرضها إلا الحزب الذي كان وافق سابقاً على ترسيم الحدود وسار بالتسوية النفطية. واي خرق لهذه التسوية سيكون من جانب الحزب الذي يحتفظ حتى الساعة بالصمت حيال خططه للمرحلة المقبلة، علماً ان الملف النفطي المعلق حالياً يشهد ضبابية كاملة لجهة مصير التنقيب والنتائج التي خلصت اليها شركة "توتال"، والشكوك حول الاعلان عن عدم وجود نفط في الاعلام فقط من دون اي اعلان رسمي، ما يجعل مصيرهذا الملف مرتبطا في شكل وثيق بمصير الحرب الدائرة وموقف لبنان من دخولها او تحييد نفسه عنها.

في المقابل، قد يكون موقف رئيس مجلس النواب نبيه بري خلال الاجتماع الطارئ للدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي المنعقد في الجزائر للبحث في تداعيات الحرب على غزة، الوحيد الذي يخرق مشهد التضعضع الداخلي، عندما دعا الدول العربية التي طبّعت علاقاتها مع تل أبيب الى الغاء أو تجميد الاتفاقات مع إسرائيل كردٍّ على ما تقوم به من قصف متواصل وعنيف لقطاع غزة.

وقد أراد بري من خلال هذا الموقف ان يدعو الدول العربية التي دخلت في مرحلة التطبيع مع إسرائيل الى تعليق هذا المسار، في الحد الادنى، "من اجل ممارسة الضغط على الأخيرة لوقف استباحة الدم الفلسطيني"، على ما تقول اوساط رئيس المجلس، اقله بما يحفظ ماء الوجه لهذه الدول التي ذهبت بعيداً تحقيقاً لمصالحها، ولكنها باتت عاجزة او محرجة امام شعوبها المنتفضة على ما يحصل.

وقد ترافق موقف بري مع الغاء القمة الاميركية - الاردنية - المصرية - الفلسطينية التي كانت مقررة في عمّان، فيما تدفع البرازيل وفرنسا نحو استصدار قرار عن مجلس الامن لوقف الاعتداءات، لكنه لا يزال يقابل بالفيتو الاميركي. وقد بادرت روسيا والامارات العربية المتحدة في الموازاة الى الدعوة لاجتماع طارىء لمجلس الامن للغاية عينها.

أياً تكن التحركات الدولية التي لا تزال تدور في مربع المراوحة، فإن الاكيد حتى الآن ان الاتفاقات العربية الموقعة مع إسرائيل ستشهد تعليقاً اقله في المدى القريب، في انتظار بلورة ما ستؤول اليه هذه الحرب العبثية، واين ستتوقف حدودها. لكن ما ليس اكيداً بعد ويقضّ مضاجع اللبنانيين هو ان التحرك الرسمي لتحييد لبنان لا يرقى الى تحقيق هذا المطلب، وان الانظار ستظل في اتجاه "حزب الله"، ومن ورائه ايران التي توقّع وزير خارجيتها حسين امير عبد اللهيان قبل يومين ان يقوم محور المقاومة بعمل استباقي لمنع إسرائيل من اتخاذ اي اجراء في غزة من دون عواقب.