المستشفيات الحكومية والخاصة تنهار: مشاريع الإقفال والدمج

لم يعد مشهد الوقوف لساعات أمام المستشفيات أمراً مستغرباً، خصوصاً بعدما اتجهت العديد منها إلى تقليص نسبة استقبال المرضى، بسبب انعكاس الأوضاع الاقتصادية الحالية على أداء المستشفيات، وقدرتها على تأمين العلاجات الأساسية.

تنتظر نادين نعيم (28 عاماً) ساعات طويلة قبل بدء جلسات غسيل الكلى في إحدى المستشفيات الحكومية، في العاصمة بيروت. تقول لـ المدن": "اعتدت منذ سنوات زيارة المستشفى في أوقات محددة، لكن منذ عام تقريباً، بدأت المعاناة، إذ اضطر للانتظار لأكثر من يوم كامل حتى أتمكن من تلقي العلاج".

المشكلة بالنسبة لنعيم، وغيرها من مرضى الكلى، أن المستشفيات الخاصة لم تعد قادرة على استيعاب الأعداد كالسابق، من دون تسديد الرسوم بالفريش دولار، وهو أمر صعب بالنسبة لفئات كثيرة من اللبنانيين. ولذا عليهم الانتظار لساعات وحتى أيام، ليتمكنوا من الحصول على علاجهم.

مشكلة أساسية
تواترت في الفترة الماضية أحاديث عن انخفاض نسبة الإشغال في المستشفيات لأكثر من 40 في المئة. وعلى الرغم من غياب أي أرقام أو إحصاءات فعلية أو دقيقة، إلا أن بسام عاكوم، رئيس لجنة موظفي مستشفى رفيق الحريري الحكومي، لم ينف صحة الأرقام، ويعتقد بأن الأوضاع الاقتصادية الحالية تترك تأثيرات جوهرية على أداء المستشفيات سواء الحكومية أو الخاصة. يقول عاكوم لـ"المدن": "تواجه المستشفيات الحكومية سلسلة من التحديات، أبرزها ارتفاع نسبة الإقبال بعد قرار المستشفيات الخاصة التسعير بالدولار. وهو ما يفرض عليها أعباء إضافية قد لا تتمكن من مواجهتها".

يضيف عاكوم: "في مستشفى رفيق الحريري الجامعي، تم دمج بعض الأقسام، بسبب غياب اليد العاملة من جهة، وارتفاع التكاليف من جهة ثانية. فعلى سبيل المثال، تضم المستشفى ثلاثة أقسام لمرضى السرطان بالإضافة إلى قسم سرطان الأطفال، تم دمجها جميعاً في قسم واحد، وإقفال باقي الأقسام. وهو ما يعني أن عدد الأسرة لاستقبال مرضى السرطان تقلص إلى الثلث تقريباً. لا يختلف الأمر بالنسبة إلى أقسام غسيل الكلى. إذ ينتظر المريض لساعات حتى يتمكن من حجز مكان له لتلقي العلاج.

إقفال نهائي
لا يوجد إحصائيات حول عدد المستشفيات التي دمجت أقسامها الداخلية، أو حتى تلك التي استحوذت على المستشفيات الصغيرة، كما حصل في حالة الدمج ما بين مستشفى "أوتيل ديو" و"سان شارل"و"القرطباوي". لكن فكرة الدمج هذه، لا تعني انتهاء أزمة القطاع الاستشفائي. إذ لا يستبعد عدد كبير من الأطباء، من أن تتجه العديد من المستشفيات إلى الإقفال النهائي. يقول نائب نقيب أطباء طرابلس الدكتور سليم أبي عاصي لـ"المدن": "الحديث عن انخفاض نسبة تشغيل المستشفيات إلى 40 في المئة، أمر صحيح، وقد تكون النسبة أعلى من ذلك. إذ لم يعد بإمكان المستشفيات استقبال المرضى كالسابق". 

لا يخفي أبي صالح إمكانية الاتجاه نحو إقفال العديد من المستشفيات في الفترة المقبلة، عازياً ذلك إلى عدة أسباب رئيسية. فمن جهة، لم تعد المستشفيات قادرة على إدارة شؤون المرضى، أو تأمين العلاجات سواء للأمراض المزمنة، أو حتى الحوادث الطارئة، خصوصاً وأن الجهات الضامنة لم تعد قادرة على تسديد أكثر من 10 في المئة من قيمة الفواتير الطبية، أضف إلى ذلك، فإن غياب الكوادر الطبية يطرح تحدياً كبيراً لاستمرار عملها. فقد هاجر أكثر من 60 في المئة من الأطباء من لبنان. أما ثالث الأسباب، فيتعلق بكلفة المستلزمات الطبية والتي يتم تسعيرها بالدولار، الأمر الذي تعجز الكثير من المستشفيات عن تأمينه.

يثني عاكوم على حديث أبي صالح، بالإشارة إلى أنه ومنذ بداية العام 2023، هاجر ما لايقل عن 75 ممرضاً وممرضة مستشفى بيروت الحكومي وحده، ليصبح عدد المهاجرين منذ العام الماضي أكثر من 105 ممرضين وممرضات. وهو ما يطرح علامات استفهام عن قدرة المستشفى على استقبال المرضى.

يضيف بدوره عاكوم مشكلة إضافية قد تجبرها إلى اتخاذ قرار الإقفال والإغلاق، فالمستشفيات الحكومية مهددة في تأدية دورها على صعيد صيانة وتشغيل الأدوات الطبية، بعدما وصل سعر الصرف إلى أكثر من 100 ألف ليرة في مقابل الرسوم التي تتقاضها المستشفيات وفق سعر 15 ألف ليرة. وهو ما يؤدي إلى حدوث عجز كبير يفوق 80 في المئة من ميزانية المستشفى. وفق عاكوم، فإن العديد من الأدوات الطبية لم تعد صالحة للعمل لعدم صيانتها، فقد توقفت نحو 20 في المئة من أدوات التصوير الشعاعي، لإنها تحتاج إلى صيانة دورية، وهو ما يترك المرضى أمام خيارات صعبة.

الحلقة الأضعف
صحيح ان الانتظار لأيام أو حتى ساعات للحصول على العلاج أمر مرهق ومتعب بالنسبة إلى المرضى، ولكن في المقابل، فإن عدداً كبيراً من الأطباء والموظفين، لم يعد بإمكانهم تأدية عملهم، وسط تآكل رواتبهم، ما قد يجعل أكثر من 70 في المئة من اللبنانيين، غير قادرين للوصول إلى حقهم الأساسي بالطبابة ، خصوصاً إن أقفلت المستشفيات والمراكز الصحية في المناطق النائية بعيداً عن العاصمة. حينها قد تصبح المعادلة إما الاستشفاء مقابل الفريش دولار، أو انتظار المصير البائس.