المسنّات يدخلن عالم السرقة: يتوسلن "توصيلة" بالسيارة

الأربعاء، 28 كانون الأول 2022، قرابة الساعة الخامسة عصراً، كانت السيدة العجوز السبعينية، حسب ما يوحي شكلها، متوقفة على جانب الطريق في منطقة الشرحبيل، تحاول الحصول على "توصيلة"، يقول أنجيلو الذي شعر بحرقة القلب عندما شاهدها محنية الظهر، تمدّ يدها إلى السيارات العابرة طلباً لإيصالها إلى مقصدها.

توقف أنجيلو وصعدت بسيارته. "إنهالت علي بالتمنيات السعيدة والعبارات المنمقة والأدعية لتوصيلها إلى بيتها في آخر الطلعة، لأُصدم عند وصولي بشابين مسلحين متوجهين نحوي، خيّراني ببساطة بين سلامتي أو تسليم كل ما أملك"، يقول الشاب الذي دفع ثمن طيبته. ويضيف لـ"المدن"، أنه تقبّل ما حصل له ولم يتقدم بشكوى، لعلمه بأنها ستنهكه ولن تصل إلى نتيجة، فاكتفى بإبلاغ البلدية.

أفكار جهنمية للسرقة!
يلجأ السارقون في لبنان إلى ابتكار أساليب جديدة لاستدراج الضحايا وتهديدهم. البعض ينصب الكمائن على الطرقات السريعة في ساعات الليل المتأخرة من أجل إرباك السائق بعد رشق السيارات بالحجارة من أماكن مخفية، ما يجبره على التوقف للكشف عما حصل، فيقتربون منه حاملين أسلحتهم لإتمام عملية السلب. في حالات أخرى، باتت العصابات "تستثمر" العنصر النسائي، الصغير في السنّ والمسن أيضاً من أجل استدراج الضحايا وإبعاد الشبهات.

ما حصل مع أنجيلو يتكرر يومياً. ففي تشرين الثاني الماضي، خلال ساعات الليل الأولى، وقعت ريما ضحية صبية توسلتها لإبعادها عن منطقة عين المريسة حيث كانتا، بحجة أن شابين يلاحقانها وتريد الحماية. استجابت ريما وأصطحبتها معها. وما إن انطلقت السيارة حتى سحبت السارقة سكينا من جيبها. "تحت التهديد، طلبت مني التوجه إلى منطقة خلدة"، تقول ريما عبر "المدن"، وتضيف: "خفت، فجاريتها بما طلبت. وما إن وصلنا إلى منطقة يحيطها الظلام، خالية من الناس، طلبت مني إيقاف السيارة. فدفعتني خارجاً واستولت على السيارة وهربت".

أرقام مقلقة
يكشف الباحث في "الدولية للمعلومات"، محمد شمس الدين، أنه في العام 2018، أي قبل الأزمة اللبنانية الاقتصادية، بلغ عدد حوادث السرقة 1391. ارتفع العدد في العام 2019 مع بداية الأزمة إلى 1610، وفي العام 2020 وصل إلى 2536 سرقة، وبلغ ذروته في العام 2021. إذ وصل إلى 5940 سرقة، إلى أن عاد وانخفض العدد مجدداً في العام 2022 وبلغ 4769.

الخلاصة أن الجرائم بين الأعوام 2018 و2022 ارتفعت بمقدار 3378 جريمة، أي بنسبة 243%.

يلفت الباحث في "الدولية للمعلومات" إلى أن "ارتفاع نسبة جرائم السرقة نتيجة عدة عوامل، تبدأ أولاً من الترهل الذي أصاب الدولة، والشعور بأن الناس ممكن أن تفلت من العقاب. ثانياً بسبب حالة البطالة والفقر التي أدت إلى وجود عصابات تمتهن هذا الأمر. ثالثاً، تواجد الأموال والمجوهرات في البيوت وبين الناس عندما تم سحبها من البنوك".

أما عن تراجع أعداد السرقات عام 2022، فيشير شمس الدين إلى أن الحذر والإجراءات الاحترازية والوقائية التي اتبعها الناس، مثل استئجار خزائن بالمصارف والانتباه عند ركن السيارة، كلها أمور ساهمت بتقليص الأعداد، بالإضافة إلى إنكشاف وإلقاء القبض على بعض العصابات من قبل القوى الأمنية.

الأجهزة الأمنية غير عاجزة
"يجد السارقون دائما أساليب جديدة ومبتكرة يفاجئون فيها ضحاياهم والأجهزة الأمنية على حدّ سواء"، حسب قول رئيس شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي، العقيد جوزف مسلم، الذي يضيف عبر "المدن" إلى أن "أبرزالأساليب اليوم باتت تتم عبر افتعال حوادث اصطدام، من ثم النزول مع عدد من الشبان والاعتداء على الضحية وسرقة سيارته أو دراجته النارية وكل ما يحمله، وهذا الأسلوب بات متكرراً. كذلك ارتفعت حالات السرقة عبر عمليات التصريف، حيث يوهم السارق ضحاياه بأنه صرّاف في السوق السوداء فيستدرج ضحيته إلى مكان يناسبه، ليقوم بسلبهم أموالهم بالدولار أو الليرة".

وفي هذا السياق تؤكد مصادر أمنية، أن الأجهزة "ليست في حالة عجز، بل انتشار الجريمة يصعّب عمل الأجهزة"، مشيرة إلى أنه في السابق كانت تتم مراقبة أنماط معينة في مناطق محددة، تشير إلى وجود طرف واحد مسؤول عنها، وفي أغلبها تكون عصابات ناشطة محلياً يمكن التركيز عليها ومراقبتها. ولكن اليوم باتت الحالات منتشرة ومتعددة بعضها فردي وبعضها منظم، مما يصعب المهمة أكثر".

وتلفت المصادر إلى أن "إنعكاس الأزمة الاقتصادية على الأجهزة الأمنية وأدائها ليس سراً، وقد تحدث عن ذلك كل من قائد الجيش ووزير الداخلية، إذ انخفضت محفزات العمل لدى العناصر والضباط بعدما تراجعت قيمة رواتبهم ومخصصاتهم بشكل هائل، أضف إلى كل ذلك الاستنزاف الذي تعيشه كافة القطعات الأمنية والعسكرية بسبب الوضع الأمني الآخذ بالانفلات أكثر فأكثر في الشارع، ومع ذلك فإنها تعمل بقدراتها القصوى وما زالت مسيطرة على الحالة الأمنية العامة في البلاد وتقوم بواجباتها كاملة".