المغرب يبكي "الصوت الإستثنائي"...وفاة سيّدة الطرب!

لا يختلف المغاربة كثيرا حول قيمة عدد من الفنانين والرياضيين الذين طبعوا العقود الأخيرة من تاريخهم المعاصر. المطربة نعيمة سميح، التي توفيت، ليلة الجمعة -السبت، عن عمر يناهز 71سنة، وذلك بعد صراع طويل مع المرض، تبقى في مقدمة الأسماء التي تزين هذه اللائحة. لذلك كان عاديا أن يثير خبر رحيلها، موجة من الحزن ويخلف العشرات من عبارات الأسى في فقدان "الأيقونة" ورحيل "الأسطورة" و"سيدة الطرب المغربي العزيزة التي لن تنسى"، كما جاءت في تدوينة للفنانة لطيفة رأفت.

عبارات الحزن التي قابل بها المغاربة خبر رحيل أسطورتهم الغنائية، لخصها الشاعر عبد الرحيم الخصار، بحديثه عن رحيل "صوت الأصوات"، و"البحة المغربية الفريدة والنخوة المغربية الرفيعة". بالنسبة للخصار: "الأصواتُ العظيمة فريدة جداً، والكاريزما هي العملة النادرة. أما حين يرفع الصوتُ الشجنَ إلى مقام اللذة، جارفاً معه الحنينَ والحب والفرحَ والألم، فتلك حالة لا يصل إليها إلا الذين وهبتهم السماء أسرارها. نعيمة سميح صوتُ الأصوات في أرض المغرب وسمائه، صوتٌ عميق في التاريخ، وشاسع في الجغرافيا. كأنه يجري مع أنهار البلاد، ويسري مع نسيمها، يهطل مع الثلج والمطر، ويتناغم مع تغاريد الطيور في أعشاشها. صوت عميق وواضح وصادق. إنه الصوت الذي يشبهنا ويقولُنا ويترجم ما يعتمل بدواخلنا، الصوت الذي يحافظ على سطوته سواء وهو ينبعث من قصر أو ينساب من مذياع صغير في بيتٍ بالحي القديم. الصوتُ الذي نتبعه بحثاً عن فرحٍ مستعاد، وعن بهجة تصير مع السيدة نعيمة سميح غيرَ مستحيلة".

من جهته، استعان الكاتب والشاعر والصحفي عبد الحميد جماهري بمعجمه الشعري ليبرز خسارة الفقد، بحديثه عن صوت "تكدست فيه ندف الثلج"، و"الصوت والبصمة"، وأضاف: "كأنما أمة في بحتك انصهرت. كأنما هي خبرة جينية لا بد منها للكشف عن صدق الأحاسيس المغربية. رحمك الله يا ابنة أعماقنا.. يا فنانة في صوتها يفتش كل واحد منا عن قلبه وكل واحدة عن قلبها!.. وحدتْ حول نبرتها القمة والقاعدة، الملوك وبائعات الورد والخبز في الطرقات".

وكتبت المطربة سمير سعيد: "اليوم فقدت صديقة الطفولة، جزء كبير من ذكرياتي، ووجهاً كان دائماً مشرقاً بالحياة والتلقائية. نعيمة لم تكن فقط صوتاً استثنائياً، بل كانت إنسانة دافئة، كريمة في مشاعرها، تملأ الدنيا بضحكتها وروحها الطيبة. منذ طفولتنا، كنت أنا الطفلة المشاغبة وهي الفطرية التي تتصرف بعفوية نادرة. قربها من العائلة جعلها جزءاً من حياتي، وحبها سيظل محفوراً في قلبي. رحلتِ، لكن حضورك لن يغيب أبداً. رحمك الله يا نعيمة".

من جهته، كتب الأديب أحمد المديني: "وداعًا نعيمة سميح سيدة الغناء المغربي. الصوت الجريح الطروب، أنشد أفراحنا وأحزاننا منذ السبعينات إلى اليوم. سكنت قلوب المغاربة نساءً ورجالًا على امتداد السنين، أحبوك واحترموك وفنك؛ كنت صوتهم الشجيَّ الأمين، بالشدو والحب والأنين، بحنجرتك ذات البحّة الأطلسية ترسل أعذب أغنية، يردد معك المغاربة المجروحين قاطبة أنت في مهجتهم مغناة دائمة: "ياك أجرحي جريت وجاريت/ حتى شي ما عزيتو فيك" .. نامي بسلام يا المحبوبة جرحنا النازف وأطلقي صوتك في الأبدية".

وكتب محمد المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل:"بقلوب يملؤها الأسف والتأثر، تلقينا نبأ رحيل الفنانة الكبيرة نعيمة سميح، إحدى القامات الفنية التي تركت بصمة خالدة في الوجدان المغربي، بأعمالها التي عبرت الأجيال وستظل شاهدة على موهبتها وإبداعها. وبهذه المناسبة الحزينة، أتقدم باسمي الخاص ونيابة عن وزارة الشباب والثقافة والتواصل، بأصدق التعازي والمواساة إلى أسرة الفقيدة ومحبيها، وإلى كل أفراد الأسرة الفنية المغربية".

مسيرة حافلة

رأت نعيمة سميح النور في الدار البيضاء سنة 1954، وبدأت مسيرتها الفنية في سبعينات القرن الماضي ، بعد أن برزت موهبتها ومؤهلاتها خلال مشاركتها في برنامج المسابقات "مواهب"، الذي كان يقدمه عبد النبي الجيراري، وهو البرنامج الذي كان مشتلا للعديد من الأصوات المغربية المتميزة منذ نهاية الستينات، كسميرة بنسعيد وعزيزة جلال- قبل أن تفرض سريعاً قيمتها ويتعدى الإعجاب بها حدود المغرب، ليصل إلى باقي الدول العربية، وبين الجاليات المغاربية والعربية في المهجر؛ وذلك بفعل بحة صوتها وتميز أدائها واختيارها الموفق للكلمات والألحان.

وتلخص للمسيرة الفنية الناجحة التي بصمت عليها نعيمة سميح، عشرات الأغاني الشهيرة، من قبيل "جْريت وجاريت"، و"غاب عْليا الهلال"، و"البحارة"، و"جاري يا جاري"، و"جيت لبابك"،و"أمري لله"، و"وعدي"، و"عْلى غفلة، و"شفت الخاتم"، و"شْكونيْعمر هاذ الدار"، فضلاً عن تميزها في أداء أغاني بلهجات عربية، على غرار اللهجة الخليجية في أغنية "واقف على بابكم"، التي تعاملت فيها الملحن الكويتي يوسف مهنا.

بأغانيها الخالدة، من قبيل "ياك آجرحي" و"جاري يا جاري" و"واقف على بابكم"، تعدت شهرة نعيمة سميح حدود المغرب، فصارت من عناوين الطرب المغربي، الشيء الذي دفع عددا من الفنانين العرب إلى إعادة أداء أغاني الفنانة المغربية في حفلاتهم.

ملكان وأسطورة

في معرض تفاعله مع رحيل نعيمة سميح، تحدث جماهري عن فنانة "وحدتْ حول نبرتها القمة والقاعدة، الملوك وبائعات الورد والخبز في الطرقات".
ما تحدث عنه جواهري، هنا، يلخص للتوافق المغربي حول عدد من رموز فنهم ورياضتهم، على مدى العقود الأخيرة.

بالنسبة لنعيمة سميح، خلال حفلاتها اعتاد الجمهور المغربي أن يقابل أداءها وأغانيها وطلتها التي يزيدها القفطان المغربي نخوة، بهتاف خاص: "وا نعيمة.. وا المرضية"، تأكيدا للتقدير الكبير الذي يكنه لها عموم المغاربة، على اختلاف طبقاتهم وأطيافهم.

بالنسبة لعلاقتها بالملوك، في تعبير جماهري، هناك صورتان تلخصان للمكانة الرفيعة التي وصلتها هذه الفنانة الراحلة، إحداهما تظهرها رفقة الملك الراحل الحسن الثاني وهو يأخذ بيدها لمساعدتها على الالتحاق بالفرقة الموسيقية في إحدى المناسبات الوطنية بالقصر الملكي، أما الثانية فخلال توشيحها بوسام الكفاءة الوطنية سنة 2007، من يد الملك محمد السادس،تقديرا لمسيرتها الفنية الحافلة.