المصدر: نداء الوطن
الكاتب: أنطوان مراد
الجمعة 24 كانون الثاني 2025 06:54:44
ما لم يكن في الحسبان عبارة تحققت مرات عدة وبوتيرة سريعة وصادمة، من الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة واغتيال أبرز قادة حماس وكوادرها وسقوط شريحة كبيرة من مقاتليها، مروراً بفصول التصفيات الغادرة لقيادات "حزب الله" وكوادره، إن عبر المسيرات والصواريخ، أو عبر تفجير أجهزة "البايجر" و"التوكي ووكي"، وصولاً إلى اغتيال السيد حسن نصرالله، وبعدها انهيار النظام السوري في أيام معدودة.
ما لم يكن في الحسبان سياسياً، وبالطبع يصب ولو جزئياً في خانة تداعيات التطورات الميدانية، هو انتخاب جوزاف عون رئيساً للجمهورية في ظروف تداخلت فيها الالتباسات والتحولات والانقلابات الصغيرة، إلى درجة اتخذت معها شكل مفاجآت معبّرة، بعدما كان التجاذب في العشية يراوح بين أسماء عدة يطرحها فريقا المعارضة والممانعة، مع ميل لدى المعارضة لوصول عون إذا استعصى خيار الأسماء السياسية، وميل لدى الممانعة لاستبعاد قائد الجيش ما أمكن، انطلاقاً من الرهان على عجز المعارضة عن إيصال المرشح الذي تريد، وتالياً العودة إلى دائرة التعطيل.
وما لم يكن في الحسبان، نجاح المعارضة في الانتقال إلى خيار عون بالاتفاق مع قوى وشخصيات عدة، مقابل رفض "الثنائي" البحث في أسماء أخرى طرحها الفريق السيادي، ما دفع بالثنائي إلى التسليم بانتخاب عون، وتالياً تخفيف الأضرار المترتبة عليه بسبب التعطيل، من دون الأخذ باعتراض "التيار الوطني الحر" بشدة على انتخاب قائد الجيش واعتبار انتخابه مخالفة دستورية قابلة للطعن.
وما لم يكن في الحسبان أخيراً، أن تنقلب الأمور بين ليلة وضحاها فعلاً لا قولاً ومجازاً، لمصلحة القاضي والسفير نواف سلام، بعد ساعات ليلية طويلة أمضاها قادة المعارضة بحثاً عن خيار "ربّيح" يمكن أن يقف في وجه الجرافة التي كان واضحاً أن الرئيس نجيب ميقاتي آتٍ على متنها.
وكان الخيار بالانتقال فجراً من اسم فؤاد مخزومي إلى اسم نواف سلام، باعتبار أن بضعة عشر نائباً من التغييريين والمستقلين يؤيدونه، وأن "القوات اللبنانية" ترى فيه حصاناً أسودَ، وهي التي كانت أول من رشحته بل تفردت بتسميته لرئاسة الحكومة في السابق، كما أن حزب "الكتائب" طرح اسمه أكثر من مرة للتكليف.
تحقق ما لم يكن في الحسبان، وفهمت أكثر من كتلة ولا سيما ذات النبض السني أن ثمة رضى غير مباشر على سلام من المرجعية الروحية وما يعنيه ذلك، فضلاً عن انضمام جبران باسيل إلى تأييد سلام على قاعدة الرد على ما اعتبره خديعة من الثنائي بتسهيل انتخاب قائد الجيش، خلافاً للتوافق معهما على الحؤول دون وصوله إلى بعبدا.
والمفاجأة الكبرى، لم تكن للثنائي فحسب، بل أيضاً للدول الأعضاء في "اللجنة الخماسية"، التي كانت تراوح مواقفها بين عدم الممانعة في عودة ميقاتي إذا اختارته الأكثرية كأمر واقع، وبين من كان صراحة في جو تكليفه على غرار فرنسا. ولذلك التقت أوساط ميقاتي و"الثنائي" على تقدير وجود لعبة ما من الخماسية، لكن فرنسا وسواها أبدت بدورها استغراباً للانقلاب الذي حصل.
هذا الواقع ولّد ارتياحاً واسعاً لدى الفريق السيادي، يعبّر عنه أبرز رموزه في المجالس الخاصة، من خلال القول: "أيّاً كانت الحكومة التي سيشكلها نواف سلام، ستكون الأفضل من كل سابقاتها، والأكثر صفاء وطنياً ولبنانياً، على غرار "لبنانية" انتخاب عون وتكليف سلام، لذا لا رغبة لدينا في عرقلة انطلاقة العهد وحكومته الأولى، وإن كان لدينا بعض التحفظات والملاحظات على بعض ما يتم تداوله إعلامياً من ترجيحات وترشيحات، باعتبار أن الخلل يبدأ عندما يتم استرضاء فريق على حساب الآخرين، وهو ما ليس أساساً في قناعة رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، علماً أن الأولوية تبقى في الأسماء للكفاءة والنزاهة والجرأة في التمسك بالدستور والقانون، لذلك المتوقع أن يكون للخيار المحلي الكلمة الأولى والأخيرة في التشكيلة الحكومية، مع انعدام شبه كامل للتأثير الخارجي، علماً أن الخارج يراقب ويواكب، وكلمته تكون في مدى استعداده لمساعدة الحكومة العتيدة بعد الاطلاع على تركيبتها".
ومن هنا، إذا كان فريق الممانعة يمارس نوعاً من التعطيل الناعم عبر ما يطرح من شروط، فإن المعارضة مستعدة في المقابل للتسهيل ما أمكن ولكن مع سقف معين، حتى لا تتحوّل المسألة إلى استعادة للخلل السابق ولمرحلة الصيف والشتاء فوق سقف واحد.
لذلك لا تستبعد أوساط مراقبة إذا ما طالت المناورات والتجاذبات، أن ينتقل الرئيس سلام في لحظة معينة إلى تغيير معايير التشكيل بالتوافق مع رئيس الجمهورية لمصلحة حكومة من الشخصيات المستقلة والتي تلتقي مع المناخ الجديد الذي عبر عنه خطاب القسم وكلام الرئيس سلام بعد التكليف، وحينها سيكون الخاسر الأكبر هو فريق الممانعة الذي لا يملك حق الفيتو ولو من منظاره، طالما أنه تساوى مع جميع الفرقاء الآخرين، في استبعاد المرشحين القريبين من مختلف القوى والكتل السياسية على السواء.