"المناطق الآمنة" للنازحين فحوى طرح الحكومة..

يكثر الحديث عن أهمية اتّخاذ قرارات تنفيذيّة تخفّض منسوب الإشكاليات الخاصّة بملفّ النزوح السوريّ، كلّما استجدّت أزمة مجتمعيّة أو سياسيّة احتاجت بحثاً سريعاً عن حلولٍ تنهي الحالة الفوضويّة وغياب الانضباط.

وكانت الحكومات اللبنانية المتعاقبة قد حاولت التوصّل لاقتراحات تطلق خطوات نوعيّة تنظيماً لسكّة حلّ ترجع النازحين الماكثين في المخيمات المعوزة إلى بلدهم، لكنّها لم تستطع تنقيح الطروحات التي وضعتها رغم كلّ المشاورات والمحاولات التي بقيت حبراً على ورق في أدراج الوزارات المختصّة.

ولم تكد حكومة تصريف الأعمال تُعلن عن منطلقات تسعى لاتّخاذها حاليّاً مع انتظار انعقاد "جلسة جدّية" بهدف متابعة قضية النزوح بعد جريمة قتل منسّق حزب "القوات اللبنانية" في جبيل باسكال سليمان، حتّى طُرحَت استفهامات حول القدرة على بلورة نتائج أو أنّ جولة أخرى من المباحثات الوزارية لن تغيّر في "الملفّ الجليديّ".

في التفاصيل، أخذ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على عاتقه الإعلان عن "حلٍّ يحصل العمل عليه" في ملفّ النزوح، على أن يبدأ أيّ حلّ من ترحيل النازحين إلى مناطق آمنة داخل سوريا عند تبلورها مع الاعتراف الدوليّ بها. لكن، لا يزال من المبكر الإغراق في الترجيحات الممهّدة لانطلاق "قطار النازحين" نحو سوريا في مرحلة حالية. وتقلّل غالبية القوى السياسية اللبنانية من القدرة على تحقيق تطوّرات في القضية، طالما أنّ المساعي على تنوّعها تحتاج قراراً تنفيذياً لم تخفت العراقيل أمامه.

يقلّص رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع من المحتوى الممكن أن تبلوره حكومة تصريف الأعمال لإيجاد حلول خاصّة بملفّ النزوح، مع الإشارة إلى أنّ معراب لم يسبق أن رفضت الخطط الحكومية لإرجاع النازحين لكنّها تسأل عن اتّخاذ قرار في الملفّ يضعه على سكّة الحلّ، فيما لا يحتاج لبنان طروحات إضافية إنّما البدء في ترحيل النازحين الماكثين بطريقة غير قانونية. ولا ضرورة لأن تبحث الحكومة عن مخطّطات أخرى، بحسب ملاحظات "القوات اللبنانية"، فيما يكفي الإيعاز للأجهزة الأمنية والبلدية باتّخاذ خطوات تنظيمية وترحيلية، على أن تطلب الحكومة اللبنانية من الهيئات والدول المانحة منح المساعدات للسوريين في المناطق المناسبة داخل بلدهم.

 

 

يختصر عضو تكتل "الجمهورية القوية" النائب سعيد الأسمر المشكلة التي تحول من دون التوصّل لحلّ في ملفّ النزوح لـ"النهار"، في قوله إنّ "القرارات التنفيذية غائبة، فهل تحتاج الحدود اللبنانية طرح اقتراحات لضبطتها أو أنّها تحتاج اتخاذ قرار ضبط الحدود؟ إذ كانت المساعدات الدولية قد وصلت للأجهزة الأمنية بهدف ضبط الحدود، لكن يتضح ألّا استطاعة للحكومة في اتّخاذ قرار يمنع التجارة الحدودية غير الشرعية، فيما لا تزال الدولة العميقة هي نفسها في لبنان". وماذا عن تركيز الحكومة على مصطلح "المناطق الآمنة داخل سوريا" لإعادة النازحين؟ يقول النائب "القواتيّ" إنّ "هذه المسألة ليست خاصّة باللبنانيين، وعلى الأمم المتحدة البحث عن مناطق آمنة بعدما أصبحت سوريا مقسّمة، فهناك مناطق آمنة خارجة عن سيطرة النظام السوريّ بالنسبة للمضطهدين، لكنّ المشكلة تكمن في وجود سوريين داخل لبنان يتبعون للنظام السوريّ. إنّ النازحين الذين يزورون سوريا ليسوا في حاجة إلى المناطق الآمنة". ويردف سعيد الأسمر أنّ "القرار التنفيذيّ في يد الحكومة اللبنانية كسلطة تنفيذية ولا بدّ أن تعمل على التشدد في تطبيق القوانين والتوصيات الصادرة عن وزارة الداخلية مع مواكبة من الأجهزة الأمنية التي لا بدّ أن تكون على جهوزية لترحيل السوريين الماكثين بطريقة غير قانونية".

 

من ناحيته، كان اقترح الحزب التقدمي الاشتراكي إقامة مخيّمات حدوديّة للنازحين لكنّ الطرح لم يؤخذ به. ويحرص التقدمي على تأكيد تعامله مع ملف النزوح من منطلقات وطنية مع أخذه المسألة الإنسانية في الاعتبار. وعن محاولة الحكومة تحريك ملف النازحين حالياً، يقول عضو كتلة "اللقاء الديموقراطي" النائب هادي أبو الحسن لـ"النهار"، إنّ "لا بدّ من إعطاء ضمانات للنازحين ثم التوصل إلى نتيجة مع المعنيين، لكن ما هي الضمانات الممكنة بادئ ذي بدء؟". ويضيف، "نعوّل على رئيس الحكومة اللبنانية والمبادرة التي يحاول القيام بها، لكنّنا لا ننتظر جديداً من النظام السوري. هناك مخاوف من قمع النظام السوري للنازحين إذا عادوا، ما يحتاج أداة دولية ضامنة وضابطة قبل أي شيء. إذا تبلور التدخل الدولي، قد يساعد ذلك في العمل على حلّ مسألة النزوح".

 

 

يعتمد "التيّار الوطنيّ الحرّ" على تفاصيل كان أعدّها في ملفّ النزوح قسّم على أساسها النازحين بين فئات: فئة العاملين القانونيين الذين يحوزون إجازة عمل ويسمح لهم القانون اللبنانيّ أن يعملوا في قطاعات محدّدة. فئة النازحين السياسيين. وفئة النازحين الاقتصاديين الذين يشكّلون في رأيه غالبية من الموجودين بنسبة تبلغ حوالي 95 في المئة، دخلوا خلسة بحثاً عن الدعم الاقتصادي من المنظمات غير الحكومية. ويثني "التيّار" على الطروحات التي كان وضعها قياديّوه لحلّ ملفّ النزوح. لكن، ماذا عن موقف "التيّار الوطنيّ الحرّ" حيال المساعي الحكومية بحثاً عن تحريك الركود في ملفّ النزوح؟ يوضح عضو تكتل "لبنان القوي" النائب سيزار أبي خليل لـ"النهار" أنّ "التكتل سيدرس الخطّة عند إعدادها، ثمّ يعطي انطباعاته حولها. إذا قامت الحكومة بما هو جيّد سيكون "التيّار الوطنيّ الحرّ" إيجابيّاً حيالها لأنّه يتحرّك انطلاقاً من المصلحة اللبنانية ويدعم إرجاع النازحين بطريقة آمنة وكريمة، مع الإشارة إلى أنّ غالبية من المناطق السورية باتت آمنة حالياً. ولا بدّ من إغلاق الحدود والعمل على إعادة النازحين الاقتصاديين الذين يشكّلون غالبية من الموجودين في لبنان". ويعتبر سيزار أبي خليل أنّ "التيّار الوطنيّ الحرّ" لن يقف في وجه الحكومة إذا قامت بخطوات في الاتّجاه الصحيح، لكنّ عملها لم يكن جيّداً في المرحلة السابقة. ولا بدّ أن يكمن الحلّ في العمل مع الجهات الدولية والمنظّمات غير الحكومية على توجيه التمويل داخل قرى النازحين الذين من حقّهم أن يعيشوا في بلدهم".

 

يعتقد عضو كتلة "التنمية والتحرير" النائب ميشال موسى في حديثه لـ"النهار" أنّ "ملفّ النازحين أكبر من قدرة لبنان على تحمّله وسط الانهيار الاقتصاديّ والحاجة إلى تخفيف العبء عن لبنان الذي احترم الاتفاقيات الدولية ولم يعرّض النازحين للخطر، لكنّ الملفّ بات يحتاج حلًّا بعدما تراكمت المشاكل فيما لا يستطيع البلد تحمّل اهتزازات. لا بدّ أن تحلّ المسألة تخفيفاً للعبء عن لبنان ضمن أطر الاتفاقيات الدولية مع حاجة لبلورة مقترحات وتقديمها للخارج بهدف إعادة النازحين". ويتابع أنّ "من الضروري إعداد الدولة اللبنانية لطرح واحد ومخاطبة المجتمع الدوليّ والدول الصديقة. إنّ حديث الحكومة عن المناطق الآمنة يعتبر منطقياً، لكن هناك صعوبة في إقناع المجتمع الدوليّ بالمسألة حتّى اللحظة ما يؤخّر رجوع النازحين، لكنّ العمل على المناطق الآمنة يمكن أن يساعد في الحلّ برعاية الأمم المتّحدة والتعاون مع الدولة السورية". ويستنتج ميشال موسى أنّ "الحلّ يتطلب حواراً جدّياً ومتابعة مع الدولة السورية والمجتمع الدوليّ، ويمكّن الأمم المتحدة أن تدفع الأموال للنازحين في الداخل السوريّ وسط أماكن لائقة بهم. ولبنانيّاً، لا بدّ من تعاون بين القوى السياسية اللبنانية بعيداً عن الخلافات، لدراسة الأفكار الممكنة حول ملفّ النزوح ثمّ العمل بغية الوصول للنتائج".