المصدر: المدن
الكاتب: وليد حسين
السبت 20 تموز 2024 21:52:03
كتب وليد حسين في المدن:
منذ شهرين نشرت وزارة التربية على موقعها الإلكتروني خبراً يقول إن "وزير التربية والتعليم العالي الدكتور عباس الحلبي رعى اللقاء مع الخبراء الذين سوف يختارون من بين المرشحين للجان كتابة مناهج المواد التعليمية". رسمياً حتى الساعة لم تشكل لجان كتابة المواد، ذاك أن اللجان التي تشكلت سابقاً هدفها اختيار المرشحين من بين الذين تقدموا بسيرهم الذاتية لتأليف لجان المواد. لكن عملياً يبدو أن اللجان تشكلت ومن دون قرار رسمي وبدأت بكتابة المواد حتى، وفق ما تؤكد مصادر مطلعة لـ"المدن". ما يشكل مخالفة قانونية وفضيحة تربوية تضاف إلى كل ملابسات ومخالفات وسوء الإدارة في كيفية وضع مناهج جديدة للبنان، التي بدأت منذ سنوات عدة. فلم يكد ينسى لبنان كيفية وضع "الإطار العام لمناهج التعليم ما قبل الجامعي"، الذي تغير خمس مرات، حتى أتت قضية لجان كتابة المواد.
تدريب وكتابة مواد
المصادر الرسمية في المركز التربوي للبحوث والإنماء تؤكد أن لجان المواد لم تُشكّل بل يتم العمل عليها حالياً. ونفت المصادر وجود أي لجنة مشكلة تعمل على كتابة أي مادة. فرسمياً لا يمكن تشكيل اللجنة إلا بعد أخذ موافقة الهيئة العليا للمناهج وبعدها تُعرض اللجان المقترحة على وزير التربية عباس الحلبي لإصدار قرارات التعيين. وتلي هذه المرحلة مرحلة تدريب اللجان المشكلة رسمياً، لتعود وتنكب الأخيرة على كتابة المواد.
لكن في مقابل هذا النفي الرسمي لما هو حاصل في أروقة المركز التربوي تفيد مصادر مطلعة لـ"المدن" أن لجنة الموسيقى، مثلاً، ليس فقط لم تُشكل بل كتبت محتويات المادة أيضاً! ما يعني أن اللجنة تعمل حتى قبل صدور قرار تشكيلها رسمياً.
إلى هذه اللجنة علمت "المدن" من مصادر خاصة أن المركز الفرنسي في بيروت استقدم منذ مدة خبيراً في كتابة مادة التاريخ له باع طويل في هذا المضمار ودرب لجنة كتابة التاريخ عارضاً إشكاليات دول عدة مشابهة للبنان لناحية كتابة التاريخ. فمن المعروف في لبنان أنه لا توافق على وضع كتب تاريخ موحدة لمرحلة الحرب الأهلية. وكان دور هذا الخبير المساعدة على كيفية تخطي العقبات. بمعنى آخر، هذه الوقائع تثبت أن لجان المواد، إذا لم تكن كلها فعلى الأقل جزء منها، تشكّل ويتلقى التدريبات. أما رسمياً فلم تتشكل اللجان بعد ولم يصدر أي قرار رسمي فيها عن وزير التربية!
الإطار العام وأوراقه المساندة
السؤال الذي يطرحه متابعون للملف هو: كيف يتم تشكيل لجان للمواد قبل نشر الأوراق العشرة المساندة "للإطار العام لمناهج التعليم ما قبل الجامعي"؟ فهذه الأوراق أساسية لأنها تتضمن الهيكلية العامة للمناهج. فملابسات وضع "الإطار" أفضت إلى تغييره خمس مرات، ودفع لبنان عليه أموالاً طائلة من قرض البنك الدولي. وأتت النسخة الخامسة "مجرد انشاء" واحتاجت إلى كتابة عشرة أوراق بحثية مساندة، كان يفترض نشرها علناً.
وتسأل المصادر: لماذا لم تنشر الأوراق؟ ولماذا لا يتم مناقشة هذه الأوراق مع الهيئات التربوية كافة في البلد؟ ولماذا اقتصر أمر النقاشات على اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة والمكاتب التربوية للأحزاب، التي عينت أعضاءً في كل اللجان؟ وهل صحيح أن الأوراق العشرة، التي يفترض أن تشكل الهيكلية العامة للمناهج، بحاجة إلى أوراق أخرى؟ وهل عدم نشرها سببه أن هناك ملاحظات كثيرة عليها وبحاجة لتعديل؟ وإذا كان الأمر كذلك لماذا تشكل لجان المواد؟
وتشرح المصادر أن الهيكلية العامة للمناهج في الأوراق العشرة أساسية لكتابة المناهج فهي تحدد المواد كافة وعدد الصفوف وساعات التدريس والمراحل التعليمية. وهي التي تحدد إذا كان لبنان سيستمر في نظام البروفيه من عدمه، والحد الفاصل بين التعليم المهني والتعليم الأكاديمي، ولأي مرحلة سيكون التعليم الأكاديمي إلزامياً؟ وهي التي تحدد نوعية نظام البكالوريا الذي سيعتمد وإذا كان سيبقى بفروع أربعة أم لا، وإذا ما كان سيعتمد نظام المواد الاختيارية بما يشبه البكالوريا الدولية أو الفرنسية. بمعنى أوضح، لا يمكن تشكيل لجنة لأي مادة قبل نشر هذه الأوراق ومعرفة إذا كانت بحاجة لتعديلات.
المصادر الرسمية في المركز التربوي تعتبر أن لا علاقة لنشر الأوراق بتشكيل اللجان. فالسلم التعليمي والمدى والتتابع والتفريعات شيء وتشكيل لجان المواد شيء آخر! فلدى "المركز التربوي" تصور ومفاهيم لكل مادة ومن أي مرحلة يتم تدريسها وعلى هذا الأساس تم اختيار اللجان المؤقتة. أما بما يتعلق بلجان كتابة المواد فليس بالضرورة أن تضم الأشخاص عينهم في اللجان المؤقتة. قد تضم بعضهم أو ربما لا.
إشكاليات تربوية ومهنية
تتحفظ مصادر "المدن" على ادعاءات المركز التربوي لأن كل العمل على المناهج اتسم بالسرية لإخفاء أمور عن الرأي العام والهيئات التربوية المعنية. والسرية تتناقض مع مبدأ وضع مناهج للبنان يفترض أن يكون جميع المعنيين في الأسرة التربوية على اطلاع بكل تفاصيلها.
وتلفت المصادر إلى إشكاليات تربوية ومهنية في كيفية تشكيل اللجان، هذا فضلاً عن وجود تضارب في المصالح في كيفية تعيين الأعضاء. فتربوياً تم اختيار أساتذة جامعيين كأعضاء في اللجان فيما المناهج هي للتعليم ما قبل الجامعي. أي أنها بحاجة لأساتذة يدرسون المواد للطلاب ما قبل التعليم الجامعي ولديهم خبرات تعليمية مختلفة جذرياً عن خبرة أساتذة الجامعة. ومهنياً تبين أن أعضاء اللجان الذين يجرون المقابلات مع المرشحين هم أقل شأناً وخبرة من المرشحين. وتبين أيضاً أن العديد من أعضاء اللجان كانوا طلاباً وتتلمذوا على أيدي أساتذتهم المرشحين. أما الطامة الكبرى فتكمن في تضارب المصالح، ذاك أن أفراد اللجان التي تجري المقابلات سيتم تعيينهم في لجان المواد، أي أنهم يختارون أنفسهم! فهل بهذه العشوائية والطرق الملتبسة يكتب لبنان مناهجه التربوية؟