المصدر: المدن
الكاتب: خضر حسان
السبت 23 آذار 2024 20:36:47
منذ تفجير مرفأ بيروت في العام 2020 عن طريق أطنان من مادة نيترات الأمونيوم، بات أي حديث عن مواد كيميائية مخزّنة في بقعة ما من لبنان، يثير المخاوف. ليس ذلك تضخيماً للأمور، بل هو شعور "طبيعي" في ظل واقع غير طبيعي أنتجته المنظومة الحاكمة على مدى عقود. فأصبح احتمال الخطر، خطراً حقيقياً في عيون الناس.
ولا تخرج قضية المواد الكيميائية الموجودة في معامل إنتاج الكهرباء أو في منشآت النفط، عن مسار هذا الخوف، رغم تطمينات مؤسسة كهرباء لبنان حيناً، وتأكيدات وزارة الطاقة سعيها لإزالة تلك المواد بالطرق القانونية والتقنية المطلوبة، حيناً آخر.
وآخر المخاوف، هو وجود مواد خطرة في معمل الزوق القديم، ومسارعة مؤسسة الكهرباء إلى البحث مع هيئة الشراء العام، آلية "شحن المواد الكيماوية القابلة للانفجار، إلى الخارج، بدون انتظار إجراء مناقصة".
بين الخطر والتطمين
تتضارب المعلومات المتناقَلة حول تلك المواد، بين مَن يرفع حدّة خطورتها على المعامل والمواطنين في حال انفجارها، وبين مَن يُطمئن مدعوماً بشواهد تقنية تستند إلى شركات عالمية ضليعة بهذا المجال.
بعض المصادر التقنية تشير إلى أن "الإبقاء على تلك المواد في المعامل، يعني الإبقاء على قنبلة موقوتة لا نعرف متى تنفجر، خصوصاً وأننا نعيش في ظل اعتداءات إسرائيلية لا نعرف إذا ما كانت ستستهدف المعامل أم لا". وفي المقلب الآخر، تؤكّد مصادر إدارية في معمل الزوق أن هذه المواد "ليست خطرة، وهي مواد كانت تُستَعمَل منذ سنوات في المعامل، لكن بات هناك موادَ أفضل على مستوى عالمي، ما حتَّمَ التخلّي عن استعمال المواد القديمة".
وتشرح المصادر في حديث لـ"المدن"، أن هذه المواد تُوضَع في المياه التي تدخل إلى توربينات المعامل لتعالجها من أي شوائب وتجعلها مياهاً نظيفة جداً، كي لا تُحدِث ضرراً للقلب النابض للمعامل. وهي مواد توصي بها الشركات التي صنَّعَت المعامل، وكانت مستخدَمة في السابق بإشراف الشركات. وما حدث هو اكتشاف مواد بديلة أفضل من القديمة".
وبما أنها باتت قديمة، يفترض شحنها إلى خارج المعمل وخارج لبنان طالما أن لا حاجة لها. وبالفعل، تقول المصادر أنه "في العام 2020 تم التعاقد مع إحدى الشركات لنقل المواد خارج لبنان، لكن بفعل تأخُّر إنجاز الإجراءات الإدارية، سيّما المناطة بموافقات وزارة البيئة يومها. وإدارة الجمارك في مرفأ بيروت لم تعطِ الإذن بتحميلها على السفينة بسبب عدم إتمام الإجراءات القانونية المطلوبة، فبقيت المواد في المعمل، وجرى توضيبها بالشكل الصحيح".
تضارب في المعلومات
تعدّد الآراء في هذا المجال ليس غِنى. فالمسألة لا تتعلّق بوجهات النظر، إذ لا يمكن اختبار مفاعيلها، فإن انفجرت نعدل من رأي لآخر. والأولوية في هذه الحالة، لاعتماد الرأي القائل بخطورتها، وإزالتها فوراً.
في الوقت عينه، من المستغرب تضارب المعلومات بين الأجهزة الرسمية المفترض بها ان تكون صاحبة رأي حاسم. فتقول المصادر أن "فرع المعلومات والجيش اللبناني كشفا على المواد في المعمل، وهناك تقارير خطية لدى مديرية الإنتاج في معمليّ الزوق، تؤكّد رأي الأجهزة الأمنية بعدم خطورة المواد. ومع ذلك، تعمل مؤسسة الكهرباء على إيجاد شركة تحمل المواد فوراً".
على الضفة الأخرى، علمت "المدن"، أن مدير عام مؤسسة كهرباء لبنان كمال حايك، تواصلَ مع رئيس هيئة الشراء العام جان العلية لبحث الآلية القانونية لإزالة المواد الكيماوية من المعمل، بصورة فورية. وأبلغ حايك العلية بأنه حصل على "إشعار من النيابة العامة التمييزية لشحن المواد الكيميائية القابلة للإنفجار في معمل الذوق إلى الخارج. ما يعني أن المواد خطرة ومن الواجب إزالتها من المعمل بأسرع وقت". وبالتالي، لم يكن أمام العلية سوى الاستناد إلى الفقرة 2 من المادة 46 من قانون الشراء العام، والتي تجيز البحث عن شركة والتعاقد معها فوراً بدون إجراء مناقصة "ففي الحالة الراهنة هناك خطر على السلامة العامة. وأي مناقصة ستحصل، ستستلزم بين 3 إلى 6 أشهر لإتمامها والتعاقد مع الشركة الفائزة، ولا يمكن الركون إلى كل هذا الوقت، فنحن لم ننسَ بعد ما حصل في مرفأ بيروت". ولذلك، أبلَغَ العلية حايك بما يلزم "ويفتَرَض أن تباشر المؤسسة فوراً بالتعاقد مع إحدى الشركات".
المعضلة التي قد تستجدّ، هي عدم توفُّر التمويل لإزالة المواد وشحنها. ومَن هي الشركة التي ستنفِّذ المهمة، وهل سيدخل الملف دائرة المحاصصة أم لا؟ هذه الأسئلة وغيرها لا تجد مَن يجيب عنها في هذا الوقت. ومع ذلك، فإن الحاجة للنظرة الإيجابية أمر مطلوب. وعليه، ينبغي إخراج المواد من المعمل، خصوصاً وأن جميع الجهات المعنية متّفقة على ضرورة إخلائها، والمسار القانوني متوفِّر، والغطاء الأمني كذلك.
وإلى حين "تنظيف" المعمل، لا يمكن للناس إلاّ أن تهلع. فمرفأ بيروت لم يصبح خارج الذاكرة بعد. ومَن تسبَّبَ بتفجيره، لم يُحاسَب، لذلك يصبح الخوف مزدوجاً حين يُحكى عن مواد كيماوية في مكان ما. خوفٌ من التفجير مرّة، ومن طمس الحقيقة مرّات.