المصدر: Kataeb.org
الكاتب: بول ناصيف عكاري
الثلاثاء 14 شباط 2023 17:23:17
أحوال البلاد تؤكّد، بما لا لبس فيه، نظريّة إبن خلدون بأنّ عمر الدّولة هو مئة عام. لبنان الكبيرعلى مشارف النّهاية، ونشهد على آخر فصوله. لا بدّ أنّ دولة جديدة ستولد قريبًا. هل للموارنة المنكوبين أيّ دور رياديّ وفعّال، كعادتهم، في استنباط الدّولة المرجوّة؟
الموارنة عاصروا دولتين في القرنين الماضيين. الأولى، امتدّت من أيّام إبراهيم باشا لغاية سقوط الدّولة العثمانيّة، والّتي اتسمت بمجازر دمويّة بحقّهم، ترقى إلى مستوى الجرائم ضدّ الإنسانيّة، بتغطية ومساهمة فعّالة من الأتراك ومن والي دمشق تحديدًا. سياسيّا، تمخّضت تلك الأحداث عن إقامة نظام المتصرفيّة حيث نعم اللبنانيّون بنوع من الاستقرار وهناء العيش.
الطامّة أنّ الدّولة انتهت، بإبادة إنسانيّة لمجتمع بكامله من خلال جريمتين موصوفتين ضدّ الإنسانيّة؛ مجاعة ظالمة تسبّب فيها، عن سابق تصوّر وتصميم، حقد العثمانيّين وتعصّبهم الدينيّ، وساهم بها الأوروبيّون، إلى حدّ ما، بحصارهم البحريّ. هذه الدولة الطورانيّة الإرهابيّة المتعصّبة، أجادت وأمعنت في تعذيب وظلم وتجويع وترويع أهالي جبل لبنان الموارنة، حيث تمكّنت من إفناء ثلثهم. بالتّزامن، تمكّن الأتراك من سرقة أموال أهالي الجبل وجنى عمرهم، بالتّكافل والتّضامن مع المرابين والصّرّافين والفاسدين، والمحتكرين من تجّار المدن الأساسيّة. تمكّنوا من الأهالي من خلال قانون "الموراتوريوم"، والمساهمة في انهيار قيمة العملة الورقيّة للدّولة العثمانيّة، التي فقدت حوالي التّسعين بالمئة من قيمتها خلال سنتين. استُبدلت، بالقوّة والتعسّف والتّرهيب، مدّخرات أهالي الجبل من ذهب ومعادن بتلك العملة البالية، مترافقة مع قيام سوق سوداء للمتاجرة بالنّقد. ناهيك عن الجند الألمانيّ، الذي ساهم في ارتفاع أسعار الموادّ الغذائيّة وفقدانها من الأسواق. انتهت المتصرّفية وزالت السّلطنة! الأهمّ من كلّ ذلك، لولا وقوف الكنيسة ورهبانها مع شعبهم لكان الموارنة في خبر كان...
الثّانية، بدأت مع الانتداب الفرنسيّ وقيام "دولة التجّار". نعمت تلك الدولة اليافعة بحقبة قصيرة من الازدهار والبحبوحة ورغد العيش، في مرحلة عرفت بحقبة "المارونيّة السياسيّة". من ثمّ، توالى على هذه الدّولة الناصريّ والفلسطينيّ والسوريّ البعثيّ، وحاليّا الفارسيّ بالتعاون الوثيق مع اليهوديّ، بمعاونة خونة من عملاء ومرتزقة محليّين. من نتائج تلك الحروب العبثية، تنكيل اللبنانيّين بعضهم بالبعض الآخر من خلال أعمال شريرة وظالمة. ومن سخرية القدر، وكالعادة، دفع الموارنة الفاتورة، وخصوصًا أهالي الجبل من خلال المجازر (ضدّ الإنسانيّة) التي ارتكبت بحقّهم وتهجيرهم، وسرقة أرزاقهم، وتهديم منازلهم وكنائسهم.
واستكمالًا لإنهاء الدّولة، وعن سابق تصوّر وتصميم، تمكّنت، بعد أن تمسكنت، #المنظومة_المافياوية المؤلّفة من #عصابة_الستة، وبقيادة "الثّنائيّ الشّيعيّ"، وبتخاذل من أبناء الصبحا والسوالم، من الشّعب اللبنانيّ ودولته، من خلال جريمتين لم يشهد التّاريخ الإنسانيّ مثلهما. الأولى، تمثّلت في سرقة ونهب أموال اللّبنانيّين وجنى عمرهم وأرزاقهم ومشاعاتهم. بالتّوازيّ، أمعنت تلك المنظومة، في نهب الدّولة وتدمير مؤسّساتها، وتدمير الاقتصاد، وتهجير الآلاف المؤلّفة من المواطنين العزّل. انهارت العملة، وفقدت حوالي التّسعين بالمئة من قيمتها خلال السّنتين الأخيرتين. استعرت السوق السّوداء، فقد الدّواء واحتكرت الموادّ الغذائيّة، واضمحلّت الخدمات الأساسيّة، وأضحى الشّعب ذليلًا خانعًا راضيًا...
بالتّزامن مع السّرقات والنّهب والفساد والنّصب والقتل، تمكّنت المنظومة الحقودة المتعصّبة المجرمة، والّتي تعتاش من مداخيل الجريمة المنظّمة والمعونات الإلهيّة، من تدمير نصف العاصمة من خلال مجزرة تفجير المرفأ ونكبة بيروت، والّتي تعتبر إبادة إنسانيّة لمجتمع بكامله وجريمة موصوفة ضدّ الإنسانيّة.
هذه المنظومة خلقت من رحم زواج إبليسيّ بين نظامي البعث والوليّ الفقيه. تستمدّ قوّتها الشيطانيّة من إله اخترع لهذه المهمّة، والّذي أغدق عليها السّلاح الطّاهر (نفس المفهوم اليهوديّ الكلاسيكيّ)، والأموال الطاهرة المطبوعة في الجنّة، ومن الفتاوى الّتي تبيح المحظورات، وهي طريقة فعّالة لخداع تعاليم الإله الحقيقي. بكلّ بساطة، هذه المنظومة تنتمي وتعمل لدى "جماعة المرابين العالميّين" وتنفّذ إملاءاتها خانعة خاضعة.
مع زوال الدّولة، نأمل زوال البعث والوليّ الفقيه! الأهمّ من كلّ ذلك، الكنيسة ورهبانها في خبر كان، والموارنة في أحلك أيّامهم لأنّ بعضًا من الموارنة "السّوالم"، بلّ معظمهم، تواطأوا مع المنظومة والممانعة على حساب شعبهم ووطنهم، من أجل هيكل كرسيّ مهترئ....
العبرة من هذه المقاربة، أنّ الموارنة يتعرّضون، كلّ مئة عام، إلى ما يقل عن ثلاثة أنواع من الجرائم المتوحّشة البشعة، من إبادة ومجاعة وتنكيل ونهب. على مرّ التّاريخ، لم يتعرّض أيّ شعب لما تعرّض له أبناء مارون. والمحزن، أنّ الذّاكرة الجماعيّة للموارنة ضعيفة جدًّا، ويعيشون في حالة نكران دائمة ومستمرّة. والمخزي، أنّهم لم يستفيدوا من عبر الماضي للمحافظة على كيانهم الانتروبولوجيّ اللّبنانيّ وتطويره. الكنيسة والرهبان كانوا على الدّوام صمّام الأمان لأمّتهم، والمثل الصالح في ترسيخ مفاهيم القداسة والقيم والتضامن الاجتماعيّ الإنسانيّ ضمن الرعيّة والوطن. ولكن، وبعد إخضاعه المؤسسة السياسيّة المسيحيّة، تمكّن "الثّنائيّ" البعثيّ الفارسيّ، بدهائه الشّرّير العبثيّ وتقيّته، من المؤسسة الدينيّة الفاقدة للحصانة الدينيّة والإنسانيّة، بإفسادها بالمعاصي والمحارم. أضحت فضائحها الماليّة والجنسيّة والدينيّة والثقافيّة والمؤسّساتيّة على كلّ لسان، وباتت تنحر ضمير الشعب المعتّر المسكين الّذي يتعرّض للمساءلة ولا يسأل. للتذكير، عندما يشرُد الراعي عن الرعيّة وينكفئ الجيش الأسود ويفشل في تحمّل مسؤولياته، يدخل الموارنة تلقائيّاً في الدرك الجهنّميّ...
يجب على الموارنة أن يحزموا أمرهم باستعادة دورهم الرّياديّ والوطنيّ من أجل الحفاظ على لبنان كوطن يجمع بينهم وبين الطّوائف الأخرى، ضامنًا مصالح كل طائفة ومؤمّنًا العيش الحرّ الكريم الإنسانيّ للجميع. بما أنّ المؤسّستين أثبتتا فشلهما في حماية شعبهم ووطنهم، فلا بدّ لهما أن تدفعا ثمن تقاعسهما، بالابتعاد طوعًا عن الحياة السياسيّة والوطنيّة والدينيّة وفقًا للتّالي: