الموقف الأعنف للراعي من "حكم الدويكا" وإقصاء الموارنة... وهذا السبب الاساسي

مع ان تصاعد المخاوف من اتساع المواجهات الميدانية الجارية على الحدود اللبنانية الإسرائيلية مقترنا بتصعيد التهديدات بحرب على لبنان و"حزب الله" ظل يحتل الصدارة في المشهد اللبناني العام ، الا ان الاحتفال بمناسبة عيد مار مارون دفع بالاعتمال الماروني واللبناني الأعم المتفاقم على خلفية تمادي ازمة الفراغ الرئاسي الى تجاوز كل الملفات والتوقف عند التداعيات . المناسبة بذاتها ، أي الاحتفال بعيد شفيع الموارنة ، كانت كافية لتثير إمكانات توقع مواقف ذات نبرة عالية من مرجعيات الموارنة بعد مرور سنة وأربعة اشهر على الفراغ الرئاسي . ولكن النبرة التي طبعت العظة التي القاها البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في كاتدرائية مار جرجس المارونية في وسط بيروت اكتسبت طابعا استثنائيا بالكامل اذ تضمنت الموقف الذي يمكن اعتباره الأشد عنفا والأخطر في دلالاته لجهة نظرة بكركي الى تمادي الفراغ وتعاملها مع واقع السلطة ورئاستي مجلس النواب والشركاء المسلمين قاطبة .

البطريرك الراعي ذهب البارحة الى حيث لم يبلغه موقفه من قبل خصوصا لجهة تفجيره الاتهام باقصاء مبرمج للموارنة عن الدولة كما لجهة رفضه الصارخ "حكم الدويكا" أي رئاستي مجلس النواب والحكومة في غياب رئيس الجمهورية ، ومن غير المستبعد ان يكون من الأسباب الضمنية التي ساهمت في اطلاق الراعي موقفه الصارم هذا اقدام الحكومة على تمرير تعيين رئيس لأركان الجيش بالطريقة التي تعتبر مخالفة دستورية ناهيك عن احباط الراعي المتعاظم من انعدام أي مؤشر لتبديل جوهري في مواقف القوى التي تعطل انتخابات رئاسية حرة ودستورية فيما تخاض حرب مع إسرائيل قررها فريق معروف من دون اخذه في الاعتبار وجود دولة او شركآء اخرين يخالفونه التفرد بالرأي .

وكان البطريرك الراعي ترأس امس قداس عيد مار مارون في كاتدرائية مار جرجس المارونية بيروت وسط حضور ديبلوماسي وسياسي ونيابي ورسمي وشعبي حاشد. والقى الراعي خلال القداس عظة عرض فيها لتاريخ مار مارون والموارنة وقال : "أمّا اليوم فنرانا أمام عمليّة إقصاء مبرمج للموارنة عن الدولة بدءا من عدم إنتخاب رئيس للجمهوريّة، وإقفال القصر الجمهوريّ والعودة إلى ممارسة حكم الدويكا بالشكل الواضح للعيان، وغير المقبول. وما القول عن إقصائهم وسائر المسيحيّين من الوزارات والإدارات العامّة؟ والكلّ بانتهاك الدستور عبر بدعة "الضرورة" التي يعتمدها مجلس النوّاب ليشرّع عن غير حقّ، ومجلس الوزراء ليجري التعيينات وكلّ ما يفوق تصريف الأعمال العاديّة، عن غير حقّ أيضًا. ففي غياب الرئيس يُستباح الدستور كما نرى، ولا من سلطة تصلح وتوقف هذا الواقع الشواذ. فهل أصبحنا في دولة نظامها استبداديّ يحلّ محلّ النظام المعلن في مقدّمة الدستور: "أنّ لبنان جمهوريّة ديمقراطيّة برلمانيّة" (بند ج)؟.

يقولون أنّ لبنان بحاجة إلى رئيس لا يستفزّ هذا أو ذاك من الأفرقاء. فعلّق أحد المحلّلين السياسيين كاتبًا: "واقعُ البلادِ يَستلزمُ رئيسًا لا يَستفِزُّ أحدًا، ولا يتحدّى أحدًا... لكنَّ 1) إنقاذُ البلادِ يَستدعي رئيسًا يَتحدّى كلَّ من يُعطِّلُ الدستورَ ويُطيحُ الميثاقَ الوطنيَّ فيَضرِبُ صيغةَ الشراكةِ والمودة. 2) إنقاذُ البلادِ يَستدعي رئيسًا يَضعُ حدًّا لحكوماتِ الوِحدةِ الوطنيّةِ الزائفةِ ويُحيي اللُعبةَ البرلمانيّةَ في النظامِ الديمقراطيِّ اللبناني. 3) إنقاذُ البلادِ يَستدعي رئيسًا يرفض كلَّ سلاحٍ غيرِ شرعيٍ. 4) إنقاذُ البلادِ يَستدعي رئيسًا يَتحدّى كلَّ من يتطاولُ على السيادةِ والاستقلالِ لئلا يُمسيَ لبنانُ دولةَ التبعيّةِ والاحتلال. 5) إنقاذُ البلادِ يَستدعي رئيسًا يَتحدّى أولئك الَّذين يمنعون إغلاقَ الحدودِ السائبة بين لبنان وسوريا بقصدِ إبقاءِ علاقاتِ لبنان مع أصدقائِه منهارةً ومع أخصامِه مزدَهرة. 6) إنقاذُ البلادِ يَستدعي رئيسًا يَتحدّى الدولَ التي تَعملُ على توطينِ اللاجئين الفِلسطينيّين والنازحين السوريّين. 7) إنقاذُ البلادِ يَستدعي رئيسًا يَتحدّى جميعَ الشواذاتِ المنتشرةِ في الدولةِ اللبنانيّة ومؤسّساتِها ومجتمعِها الإنسانيّ. إذا لم يَستَفِز رئيسُ الجُمهوريّةِ الجديدُ جميعَ هذه الفئاتِ الخارجةِ على الشرعيّةِ، ويَتحَدَّ جميعَ هذه التجاوزات القاتلةِ، فسيَتحدّاه الجميعُ ويَستفِزُّونه. ليس لبنانُ بحاجةٍ إلى رئيسٍ يَستفِزُّ أو يُستَفَزُّ لئلّا نَدخلَ في دَوّامةِ صراعٍ مفتوحِ" .