المصدر: الديار
الكاتب: شانتال عاصي
الخميس 30 تشرين الأول 2025 08:12:13
في ظل تزايد الاعتماد على المولدات الكهربائية الخاصة في العديد من المناطق، برزت مشكلة التلوث الهوائي والضوضائي الناجم عن هذه المولدات، كأحد أبرز التحديات البيئية والصحية في البلاد وذلك من أكثر من 30 عاماً. إذ تنتج المولدات القديمة انبعاثات خطيرة من الغازات السامة والجسيمات الدقيقة، تؤثر بشكل مباشر على جهازنا التنفسي والقلب، وتلحق أضرارا بالبيئة المحيطة، بينما تسبّب ضوضاؤها المستمرة اضطرابات نفسية وصحية للسكان.
استجابة لهذه المخاطر، أصدر رئيس مجلس الوزراء نواف سلام تعميما صارما يلزم جميع أصحاب المولدات باستخدام التعرفة الرسمية الصادرة عن وزارة الطاقة والمياه، وتركيب العدادات الإلكترونية المعتمدة، واستعمال الفلاتر لتقليل الانبعاثات، والحصول على التصاريح اللازمة لتشغيل المولدات. وتأتي هذه الإجراءات في إطار حماية الصحة العامة والحد من التأثيرات البيئية الخطيرة، وضمان التزام أصحاب المولدات بالمعايير القانونية والبيئية.
الانبعاثات وتأثيرها البيئي والصحي
تلعب مولدات الكهرباء دورا حيويا في تأمين الطاقة للأحياء والمرافق الحيوية، خصوصا في المناطق التي تعاني من انقطاع التيار الكهربائي المتكرر. ومع ذلك، فإنها تمثل مصدرا رئيسيا للانبعاثات الضارة التي تؤثر على الصحة العامة والبيئة بشكل مباشر. تشمل هذه الانبعاثات أول أكسيد الكربون، وثاني أكسيد الكبريت، وأكسيدات النيتروجين، والجسيمات الدقيقة (PM2.5)، إضافة إلى مركبات عضوية متطايرة.
تؤدي هذه الغازات إلى تدهور جودة الهواء وزيادة مستويات التلوث، وهو ما يرفع خطر الإصابة بـ أمراض الجهاز التنفسي مثل الربو والتهاب الشعب الهوائية، كما يزيد من احتمالية الإصابة بأمراض القلب والشرايين نتيجة التعرض الطويل للجسيمات الدقيقة. ليس هذا فحسب، بل إن الانبعاثات السامة تؤثر على النباتات والحياة البرية، حيث يمكن أن تسبب تدهورًا في الغطاء النباتي، تقليل إنتاج المحاصيل، واضطرابات في النظام البيئي المحلي.
وتصبح المشكلة أكثر خطورة في المولدات القديمة التي تفتقر إلى أنظمة فلترة متطورة، حيث يتم إطلاق الانبعاثات مباشرة إلى الجو دون أي معالجة أو احتواء. هذا يؤدي إلى تركز الملوثات في الهواء المحيط وزيادة أضرارها على السكان والمجتمعات المحلية، خصوصًا في المناطق المكتظة بالسكان. علاوة على ذلك، يمكن أن تتسبب الانبعاثات المستمرة في تسريع ظاهرة الاحتباس الحراري من خلال إطلاق غازات مثل أكاسيد النيتروجين، مما يجعل مولدات الكهرباء القديمة عاملًا مساهمًا في التغير المناخي العالمي.
رقابة حكومية صارمة
هذا وتشير الدراسات العلمية إلى أن الانبعاثات الناتجة عن مولدات الكهرباء، وخصوصا القديمة منها، تحتوي على جسيمات دقيقة PM2.5، أكاسيد النيتروجين، وثاني أكسيد الكبريت، وهي مواد ثبت ارتباطها بزيادة خطر الإصابة بأمراض الرئة والقلب، وأحيانًا بعض أنواع السرطان مثل سرطان الرئة والمجاري التنفسية العليا.
في لبنان، حيث يزداد الاعتماد على المولدات الخاصة بسبب الانقطاعات الكهربائية المتكررة، يمكن أن يسهم التعرض المستمر لهذه الانبعاثات في ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة والسرطان. وتشير الإحصاءات الوطنية إلى أرقام مرتفعة للسرطان مقارنة بالدول المجاورة، مما يسلط الضوء على الحاجة الماسة إلى تقليل الانبعاثات من خلال الفلاتر الحديثة، المولدات الجديدة، والرقابة الحكومية الصارمة، كخطوات ضرورية للحد من التأثيرات الصحية الخطيرة وحماية المجتمع اللبناني.
التلوث السمعي: تهديد صامت للصحة
إلى جانب الانبعاثات الغازية، تُصدر المولدات الكهربائية ضوضاء مستمرة وعالية تُعرف بالتلوث السمعي، الذي يُعد تهديدًا صامتًا للصحة العامة. فالتعرض المستمر لهذه الأصوات الصاخبة يؤدي إلى الإجهاد النفسي والتوتر المزمن، ويزيد من مستويات هرمون الكورتيزول في الجسم، ما يرفع خطر الإصابة بـ ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب.
ولا يقتصر التأثير على الجانب النفسي والصحي فحسب، بل يمتد أيضًا إلى نوعية النوم، حيث يعاني السكان القريبون من المولدات من اضطرابات النوم وعدم القدرة على الاسترخاء، مما يؤثر على الأداء الذهني والتركيز خلال اليوم. مع التعرض الطويل، يمكن أن يتسبب التلوث السمعي في ضعف السمع الدائم أو الصمم الجزئي، خصوصًا عند الأطفال وكبار السن الذين يكونون أكثر حساسية للصوت.
بالإضافة إلى ذلك، تتأثر جودة الحياة بشكل عام، إذ يؤدي الضجيج المستمر إلى انخفاض الإنتاجية، زيادة التوتر الاجتماعي، وتدهور الحالة المزاجية. وبذلك يصبح التلوث السمعي أحد العوامل البيئية الأكثر تأثيرًا على المجتمعات السكنية، خصوصًا في المناطق المكتظة حيث تكون المولدات قريبة من المنازل والمؤسسات التعليمية والمراكز الصحية، مما يجعل الحد منه أولوية بيئية وصحية عاجلة.
أهمية الفلاتر
تُعد الفلاتر من أهم الوسائل للحد من الانبعاثات الضارة الصادرة عن مولدات الكهرباء، لا سيما تلك القديمة التي تفتقر إلى أنظمة معالجة متطورة. تعمل الفلاتر على احتجاز الجسيمات الدقيقة، أكاسيد النيتروجين، وثاني أكسيد الكبريت، والمركبات العضوية المتطايرة قبل إطلاقها في الجو، مما يقلل بشكل كبير من تدهور جودة الهواء ويحمي السكان من المشكلات الصحية المرتبطة بالتلوث مثل أمراض الجهاز التنفسي والقلب.
بالإضافة إلى دورها في معالجة الغازات، تساعد الفلاتر أيضًا على تقليل التلوث السمعي بشكل غير مباشر، حيث تساهم بعض أنظمة الفلترة الحديثة في تحسين كفاءة التشغيل وتقليل الضوضاء الناتجة عن احتكاك الوقود ومحركات المولد.
أما المولدات الحديثة، فهي مجهزة بأنظمة فلترة متقدمة تشمل مرشحات جسيمات PM، محولات حفازة، وأنظمة معالجة غازات العادم، ما يجعلها قادرة على خفض الانبعاثات إلى مستويات مقبولة وفق المعايير البيئية العالمية. كما تساعد هذه الأنظمة في تحسين كفاءة استهلاك الوقود وتقليل التكاليف التشغيلية على المدى الطويل، ما يجعل المولد خيارًا أكثر صداقة للبيئة وأكثر أمانًا للصحة العامة، ويعزز استدامة تشغيل الطاقة في المناطق السكنية والصناعية على حد سواء.
أخيراً، تشكل مولدات الكهرباء، خصوصا القديمة منها، مصدرا خطيرا للجسيمات الدقيقة والغازات السامة، التي ثبت ارتباطها بزيادة خطر الإصابة بـ سرطان الرئة والمجاري التنفسية. في لبنان، حيث يعتمد الكثير من السكان على المولدات بسبب الانقطاعات الكهربائية، تساهم هذه الانبعاثات في ارتفاع معدلات السرطان مقارنة بالدول المجاورة.
لذلك، يمثل استخدام المولدات الحديثة والفلاتر المتقدمة والالتزام بالإجراءات الحكومية السبيل الأهم للحد من هذه المخاطر، وحماية الصحة العامة من تأثيرات الانبعاثات المميتة، والحد من تفاقم أعداد حالات السرطان.