الميلاد بلبنان... زينة بالملايين للأغنياء و650 ألف أسرة بلا عيد

هكذا بدا المشهد في معظم المناطق اللبنانية المحتفلة بالأعياد ونهاية العام، زينة وملايين، مقابل فتات يحاول الفقراء التقاطها. فعيد الأغنياء ليس نفسه عيد الفقراء، عيد الأغنياء ضوضاء، فيما عيد الفقراء محاولة لاستجداء بعض منافع الضوضاء الذي يحدثه الأغنياء بأموالهم.

هم يشترون هدايا وثيابًا غالية ويضيئون الشجرة احتفالاً بالعيد في بيوتهم وفي الساحات العامة... والفقراء يلتقطون الصور قرب الشجرة الكبيرة ذاتها، لعلّهم بذلك يحصّلون بعض الفخر والفرح. هم ينظمون النشاطات والاحتفالات ويجلسون على طاولات شرفها، فيما يحاول الفقراء بيع وردة على الباب أو لفت نظر أحد أصحاب البزات حتى إذا شاء يعطيه بعض النقود "عيديّة" أو يشتري منه علكة بضعفي سعرها، يا للحظ!

هكذا كشفت الأعياد تلك الفجوة الهائلة بين لبنانَين: الأول للأغنياء والآخر للفقراء، وما بينهما طبقة وسطى تناضل حتى لا تندثر وتفتتها حجارة الفجوة.

بحسب الباحث محمد شمس الدين، تلك الفجوة تواصل التوسع: "الطبقة الوسطى التي كانت تمثل 70 في المئة من اللبنانيين تقلصت إلى حوالى 30 في المئة، أما طبقة الأثرياء فتمثل نحو 5 في المئة من اللبنانيين، أما الأغلبية الساحقة فهي من الفقراء".

وبحسابات بسيطة يقول شمس الدين لـ "نداء الوطن": "إذا كان لدينا 4 ملايين لبناني، أي نحو مليون أسرة، فإن 50 ألف أسرة من تلك الأسر تمتعت بعيد فاحش الثراء، فيما استطاع نحو 300 ألف أسرة وضع شجرة والتمتع بشكل مقبول، أما البقية، فتعاني الأمرّين في العيد، وهم 650 ألف أسرة".

ويتابع: "مع الانهيار المالي، فقد الناس القدرة على الادخار المصرفي وتراجعت قدراتهم الشرائية لا سيما مع العجز عن التصرف بودائعهم. صحيح أن الأمور تحسنت مقارنة بالـ 2021 والـ 2022، ولكن الفجوة الاجتماعية بين الطبقات ما زالت مقلقة جداً".

أقل من 8 دولارات

في السياق، كشف البنك الدولي في تقرير حول الآفاق الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن معدلات الفقر في لبنان ارتفعت بسبب فقدان الأسر قدراتها الشرائية خلال فترة الأزمة الاقتصادية.

وبالأرقام، فإن نسبة السكان الذين يعيشون دون خط الفقر إلى ارتفاع دائم، حيث ارتفعت نسبة الأفراد الذين يكسبون أقل من 3.0 دولارات يوميًا من 0.1 في المئة عام 2013 إلى 5.9 في المئة عام 2023، بينما ارتفعت نسبة الأفراد الذين يكسبون أقل من 4.2 دولارات يوميًا من 0.3 إلى 16.0 في المئة، ونسبة الذين يكسبون أقل من 8.3 دولارات يوميًا من 5.5 إلى 50.7 في المئة خلال الفترة نفسها. ما يعني أن أكثر من 50.7 في المئة من الشعب اللبناني يعيشون بأقل من 8 دولارات يوميًا، وهي نسبة قابلة للازدياد.

وفي السياق ذاته، يشير الخبير الاقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة إلى أن "كل المجتمعات تتألف من 3 طبقات: فقراء، أغنياء وطبقة متوسطة، لكن الأخيرة يجب أن تكون طاغية وعندما يصيبها خلل تلقائيًا تكبر الطبقتان الأخريان، وهذا ليس مؤشرًا جيدًا".

ويتابع لـ"نداء الوطن": "الأزمة التي أصابت لبنان أعدمت الطبقة الوسطى وكان النزوح هائلاً نحو الطبقة الفقيرة أو الغنية"، معتبرًا أن "هذا المشهد هو نتيجة فشل السياسات الاقتصادية في حماية المواطن وتأمين احتياجاته البسيطة حتى يعيش بكرامته".

ويلفت إلى التضخم الذي أصاب طبقة الأغنياء وطبقة الفقراء لا سيما بعد أزمة عام 2019، محذرًا من أن "الفقر المدقع ارتفع إلى مستويات غير مقبولة، وهذا مؤسف في بلد كلبنان صُنف عام 1963 كرابع دولة لناحية الازدهار الاقتصادي".

ويرى عجاقة أن "الحكومات المتعاقبة اعتمدت سياسات غير ناجحة، أطاحت بالطبقة الوسطى. والمطلوب الآن، هو مكافحة هذه الفجوة بين الأغنياء والفقراء، عبر تشغيل الماكينة الاقتصادية والاستثمارات وتأمين وظائف للناس، ليس عن طريق القطاع العام إنما عبر خلق جو مناسب للاستثمار".

في مقابل مشهد الفقر القاتم، فقد شملت قائمة فوربس لأثرياء العالم للعام 2025، 6 لبنانيين من بين 3028 شخصًا حول العالم، بينهم رئيس الحكومة اللبناني السابق نجيب ميقاتي وشقيقه طه بثروة قُدرت بـ3.1 مليارات دولار لكل منهما وهما الأغنى لبنانيًا.

قرب شجرة الميلاد في زحلة والشارع المضاء بألوان الفرح، تحتشد يوميًا طيلة فترة الأعياد مئات العائلات التي تبدو فقيرة بما يكفي، حتى تكتفي بصورة قرب شجرة. وقالت إحدى الطفلات لصديقتها أثناء جولة لـ "نداء الوطن"، "يا ريت فيي آخد الشجرة عالبيت، بس بيتنا أوضة ما بيساع".