النازحون السوريون أقليّة في جنوب لبنان

يلقى ملفّ النزوح السوريّ متابعة حثيثة على النطاق اللبنانيّ، وإن كان لا يشكّل المستند الأكثر أهمية على طاولة الانشغالات في زحمة الاشتعال الحربيّ المتأجّج جنوب لبنان، لكن هناك استفهامات غير مغفلة حول التأثير الذي يمكن أن تتركه القنابل على أحوال النازحين السوريين، بخاصّة أنّ شعار حمايتهم في الداخل اللبنانيّ وخشية رجوعهم غير الطوعيّ وتأكيد التمسّك بأمنهم في أماكن مكوثهم، لم يعد يتناسب مع السماء المكفهرّة بقصف مناطق في الجنوب اللبناني، وهو ما يمكن أن ينذر باحتدام أكبر في أسابيع لاحقة. لم تتغيّر طريقة تعامل الوكالات المتخصصة في الأمم المتحدة مع قضية النازحين السوريين في لبنان جذريّاً حتى الآن، فيما يمكن الانطلاق من معطيات رسمية لبنانية واكبتها "النهار"، فحواها أنّ حركة النزوح السوريّ تواكب حالياً فرص العمل الموسمية في قطاع الزراعة المتداعي في الجنوب اللبنانيّ، وهو ما جعل فئات كثيرة من العاملين السوريين ترحل نحو مناطق زراعية بعيدة من المناوشات الحربية،  وبخاصة نحو الشمال اللبنانيّ. وتبيّن أنّ انتقال النازحين حصل في شكلّ أساسيّ نحو عكار بعد مرحلة تطبيق توجيهات الدولة اللبنانية لتنظيم النزوح، ثم الاحتدام القتاليّ جنوب لبنان، فأخذوا يتحرّكون في اتجاه مناطق لبنانية قادرة على استقبالهم، وخصوصاً تلك القريبة من سوريا والتي يمكن أن تبقيهم في منأى من الإشكاليات والتوترات على تنوّعها. "النهار" حصلت على إحصاءات رسمية تلخّص نسبة النازحين السوريين المسجلين في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون النازحين في لبنان، بحسب المناطق حتى منتصف سنة 2024، وبلغت نسبة الموجودين في مناطق الجنوب اللبناني 11.2% فقط، في موازاة 37.7% في محافظة البقاع، 28.3% شمال لبنان، و22.7% في بيروت وجبل لبنان.

انطلاقاً من ذلك، فإنّ النسبة المنخفضة للنازحين السوريين جنوباً تجعل من مسألة البحث في أحوالهم غير اضطرارية حالياً، إلا إذا نشبت الحرب الشاملة. فهل ثمة متغيّرات بدأت تظهر في النمط المتّخذ من مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان مع موضوع النزوح السوريّ بعد تفجّر المعارك جنوبا؟ وفق آخر المعطيات، لا تزال الطريقة المنتهجة على حالها في التعامل مع الملف لناحية تأكيد أهمية أن يرجعوا طوعاً من دون بلورة أي اتفاق مع الحكومة اللبنانية على نموذج مرحليّ لرجوعهم إلى مناطقهم في سوريا في غياب الحلّ السياسيّ. لا طروحات رسمية خاصّة حول كيفية التعامل مع ملفّ النزوح السوري إذا تحوّل الاضطرام حرباً شاملة، لكن هناك إعدادات تنظيمية بين مكتب الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة بالشراكة مع الحكومة اللبنانية حول كيفية تنظيم نزوح 250 ألف نازح على تنوّع انتماءاتهم، شمولاً باللبنانيين والسوريين نحو مناطق أكثر أماناً كمرحلة أساسية، وتنظيم نزوح مليون شخص إذا تمدّدت حرب شاملة نحو مناطق كثيرة. في موضوع النازحين السوريين خصوصاً، لا تتحمّل الحكومة اللبنانية مسؤوليات أساسية تجاه النازحين السوريين الذين لا تزال تتولى منظمات في الأمم المتحدة الإنفاق على حاجات أساسية لهم في بعض القطاعات. لكنها تعمل في شكلّ شموليّ على استجابة حالة الطوارئ جنوب لبنان بعد المناوشات الحربيّة، من دون أن تخصّص فئات محدّدة من السكان على أسس الانتماء.

في غضون ذلك، تفيد معطيات وزارية لبنانية واكبتها "النهار"، أن مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في سوريا حضّر تدابير للطوارئ في حال أي تدهور محتمل في لبنان، والتحسّب لأزمة لاحقة، مع الأخذ في الاعتبار تجربة حرب تموز 2006 التي انتقل خلالها مواطنون لبنانيون إلى مناطق سورية، فيما المهجّرون اللبنانيون هم من مناصري محور "الممانعة" في لبنان. ولا تنطوي هذه التحضيرات على ملفّ النزوح السوري الخاصّ بالداخل اللبناني والذي لم تتغيّر نقاطه لناحية تأكيد منظمات الأمم المتحدة أهمية التوصل لحلّ سياسيّ يتيح للنازحين السوريين الرجوع طوعاً نحو وطنهم.

والواقع أن توجّه الأمم المتحدة في ملف النازحين إلى الداخل اللبناني يمكن أن يتغيّر في مرحلة لاحقة إذا نشبت حرب شاملة على الأراضي اللبنانية، انطلاقاً من ترجيحات متابعة للأجواء الحكومية التي تواكب الموضوع، ولكن لم تُطرح أفكار للأمم المتحدة حول كيفية التعامل مع وضع النازحين حتى اللحظة، علما أنهم يتحركون بين المناطق اللبنانية، فيما حالهم حال المواطنين اللبنانيين الذين ينتقلون نحو مناطق أخرى في لبنان بعيداً من النشوب الحربيّ. لا يلغي ذلك تقديرات رسمية في أن يصبح ملف النازحين جزءا من قرارات خارجية تتحوّل من مشاورات لبنانية إلى مفاوضات دولية في حال نشبت حرب شاملة في لبنان.