النّازحون السّوريّون ومسار العودة... المنظومة تستمرّ بالتّضليل والشعبويّة مدمِّرة!

يتصاعد التّوتّر في لبنان جرّاء أزمة النّزوح السّوريّ بموازاة الإنهيارات الماليّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة المستمرّة. التّوتّر من اسبابه صراعٌ على الموارد، وخوف على الهويّة، وتفلّت من كلّ تنظيم، وإشتباك غير مُعلن بين السّلطة الحاكمة والمفوّضيّة العُليا لشؤون اللّاجئين، ناهيك عن تعطّل كامل لعَودة تدريجيّة كانت بدأت بين الأعوام 2018 و2020 قبل بدء جائحة كورونا. 

على وقع تصاعد التّوتّر برز خلاف عميق على الصّلاحيّات بين وزير الشؤون الاجتماعيّة ووزير المهجّرين، وأساسه حدود التّعاطي في ملف النّزوح، ليُقابِل ذلك رسالة أرسلها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى الأمين العام للأمم المتّحدة يسرُد فيها الهواجس والمخاطر المتراكمة جرّاء الأزمة، لينتهي بإعادة تكليف المدير العام للأمن العامّ عبّاس ابراهيم إحياء الخطوات العملانيّة لهذه القضيّة الدّقيقة، في إشارة إلى فضّ الإشتباك على الصّلاحيّات. 

في المحصّلة أزمة النّزوح تفرض أعباء ماليّة واقتصاديّة واجتماعيّة، لكنّها تفرض أيضاً محاذير ديموغرافيّة كيانيّة، في ظلّ تعثّر إنجاز حلّ سياسيّ في سوريا، ما يُعطّل عودة النّازحين. 

في هذا السّياق، يشير المدير التّنفيذيّ لـ"ملتقى التأثير المدنيّ" زياد الصّائغ في حديث لـ"المركزية"، الى أنّ "ما تقوم به المنظومة الحاكمة في قضيّة النّازحين كما في كلّ الملفّات ما زال يستند إلى الشّعبويّة، دون أيّ سياسة عامّة، وهو ينطلق من التّهويل والتّحريض والتسوّل، وإلّا لِمَ لَم يتمّ حتّى السّاعة توحيد الأرقام الإحصائيّة لأعداد النّازحين؟ ولِمَ لَم يتمّ التمييز بين العامل السّوريّ والنّازح السّوريّ؟ ولِمَ لَم توضع ضوابط للدّخول والخروج للنّازحين الذين يذهبون إلى سوريا ولهم موطئ قدم آمن هناك؟ ومَن منع إنشاء مراكز إيواء مؤقتّة حدوديّة أو في منطقة النومانز-لاند منذ العام 2012، وبأيّ حجّة؟ ولِمَ لَم يُسمَح حتّى السّاعة بعودة 400،000 نازح سوريّ إلى منطقة القلمون والزبداني والقُصَير؟ وماذا عن رفض توقيع بروتوكول تعاون بين المفوضيّة العليا لشؤون اللّاجئين يُنظّم عملها، وينطلق منها لبنان مع المفوّضيّة في تحديد مِن أين أتى هؤلاء وإلى أين يُمكن أن يعودوا، وما هي مسارات العودة؟ وما الذي يُعيق طلب الدّيبلوماسيّة اللّبنانيّة وضع ملف النّازحين على طاولة مفاوضات جنيف على أن يكون لبنان فيها عضواً مُراقِباً؟ وماذا عن دور مجموعة الدّعم الدّوليّة الخاصة بلبنان؟" 

ويسأل الصّائغ المنظومة "لِمَ تُصرّ على الديماغوجيا، والشعبويّة، والارتجال، والسّرديّات الإنشائيّة التّقليديّة؟ وبالتّالي تفتح الباب على توتّرات بين مجتمع النّازحين والمجتمع المُضيف، ما يُعرّض أمن لبنان القومي للخطر؟" 

وإذ يُقرّ الصّائغ بـ"فشل وتقصير المجتمع الدّوليّ في حلّ الأزمة، مع تقدير للدّعم الذي قدّمه للبنان خلال الـ11 عاماً الماضية"، لكنّه يُضيف: "مُفاجئ من يُلقي التُّهم فقط على المجتمع الدّوليّ فيما المنظومة الحاكمة وقوى الأمر الواقع ما وراء الحدود متورّطة في منع العودة وعدم تسهيلها لأهداف خبيثة باتت مكشوفة في ظلّ بروباغندا كاذبة تسعى إلى التعمية على الحقيقة". وبالتّالي يدعو الصّائغ  إلى "قراءة عقلانيّة في السّياسة العّامة لهذه الأزمة بعيداً عن أيّ روحيّة تحريض غير مفيدة". 

ويخلُص الصّائغ إلى القول: "العودة أولويّة ويُمكن إطلاقها حتماً. لكنّ هذه المنظومة تقوم بعكس ما تقول، والتّاريخ سيكشف حقائق مَهولة ستُلقي بظلالها سلباً على الذّاكرة اللّبنانيّة – السّوريّة المشتركة".