"النحلة اللبنانية" في خطر: صراع للبقاء وتناقص العسل

"الأسوأ منذ 40 عاماً في لبنان"، هكذا يصف مزارعو النحل إنتاجهم من العسل في العام الحالي. ويعزو هؤلاء هذا التراجع إلى جملة عوامل، يأتي في مقدمها التقلبات المناخية، وحرارة الصيف غير المسبوقة التي سجلت مستويات قياسية تجاوزت أكثر من 30 درجة مئوية في المناطق الجبلية، الأمر الذي يسبب إجهاداً كبيراً للنحلة في حقول لبنان وبساتينه.

وتسود مخاوف جدية من استمرار هذا الوضع في المواسم المقبلة، وهو ما سيؤدي إلى تهديد ما تبقى من إنتاج العسل البلدي وفق المسار البيئي المعهود، ويفتح الباب واسعاً أمام العسل المصنع، وشتى أشكال الغش.

النحل المنهك

منذ 30 عاماً بدأ المزارع خضر دياب بتربية النحل في منزله الجبلي الذي يقع في منطقة مليئة بالأحراج في جبال الضنية شمال لبنان، ويعتمد في إنتاج الموسم الصيفي على "المرعى الطبيعي" لغاية نهاية أغسطس (آب)، مستفيداً من غنى المنطقة بنباتات الميرمية والزوباع والزعتر والختمية.

ورث طريقة تربية النحل وإنتاج العسل عن والده، وتعرف على أهمية ملاحظة العلاقة التفاعلية بين عناصر الطبيعة، واكتشف أن "كل شيء أفضل في أوانه"، وضرورة أن تسابق عملية الإنتاج نمو زهرة الطيون في أواخر الصيف، لأنها ذات طعم مر، وامتصاصها يؤثر سلباً في حلاوة طعم العسل.

يشير خضر إلى أن تربية النحل تحتاج المثابرة، فهي عملية مستمرة وفق دورة سنوية، وتحتاج إلى تكريس الوقت والجهد والمال من أجل الإنتاج، ومعالجة الأمراض، وصيانة الأجران، وتأمين التغذية الصحية خلال فترة المبيت الشتوي. يتحدث عن أهمية فصل الربيع في إنتاج العسل الطبيعي، ومرحلة نمو الأزهار، وتفريخ النحل بدءاً من فبراير (شباط)، مفضلاً تركه في الجرد، وعدم إنزاله إلى الساحل خشية تعرضه للسرقة، وعدم القدرة على مراقبته.

لكنه اليوم، وبعدما نشط في تفقد الأجران، لاحظ تراجعاً في حركة النحلات بسبب موجة الحر، وهو وضع لم يعهده خلال المواسم السابقة كلها.

تراجع إنتاج العسل

يشعر المزارعون بخطر يحيط بعملية إنتاج العسل في لبنان، ويقول خضر "للسنة الثانية على التوالي يعيش النحل في خطر بسبب موجات الحر الطويلة، ومن ثم تراجع الإنتاج إلى ما دون النصف بفعل العوامل الطبيعية، وحالة الإنهاك التي تصيب النحل لأنها كالإنسان تشعر بالتعب خلال موسم الحر".

ويكشف عن أن "النحلة تطير مسافة خمسة إلى سبعة كيلومترات، ومن ثم عليها العودة تحت أشعة الشمس الحارقة، وهو ما يعد نشاطاً مرتفعاً ومجهداً بالمقارنة مع المواسم الصيفية المعتدلة واللطيفة"، فيما يقدر الإنتاج بملعقة عسل واحدة، تنتجها كل نحلة، ناهيك بعمل فريق الخلية في بناء الخلايا والشمع، والتزاوج وضع البيوض، والتفريخ.

ينوه خضر إلى ضرورة التمييز بين من يعتمد في الإنتاج على الدورة الطبيعية، ويعطي الأولوية على جهد النحلة في التلقيح، وجمع الرحيق، وإنتاج عسل طبيعي خام 100 في المئة، وبين من يغذي النحل بالسكر الصناعي لدوافع تجارية، ويقول "الفئة الثانية لن تتأثر بالقدر نفسه، فمعيار التمييز بين العسل الخام والمغشوش هو ضمير التاجر، وخبرة الزبون وعدم وجود آثار جانبية على مرضى السكري، لأن العمليات التصنيعية والمخبرية في مسار تطوري".

الموسم تحت الصفر

شهد إنتاج العسل تراجعاً كبيراً على مستوى لبنان والمشرق العربي بفعل موجات الحر، والتقلبات المناخية الشديدة. يؤكد الرئيس السابق لتعاونية النحل عبدالناصر مصري أن "النحالين يعانون من لبنان وصولاً إلى العراق من تراجع الإنتاج، فهو ما دون الصفر، وإنتاج اليوم لا يوازي حتى الكلف"، ويأمل في أن تكون حالة استثنائية عابرة بسبب الظروف المناخية، لأنه في حال تكرارها سيتعرض كثير من مربي النحل للإفلاس على مستوى لبنان من الجنوب إلى عكار.

يضيف مصري الذي يركز عمله في منطقة المتن الأعلى في لبنان "اكتشفنا من خلال متابعة الملف مع النحالين أخيراً أن إنتاج العام الحالي يعادل سدس إنتاج الأعوام الماضية"، مشيراً "يقسم النحالون إنتاجهم إلى ثلاث نقاط مهمة وهي تغطية تكاليف، أجرة النحال والانتقال، ومن ثم تحصيل الربح. وفي هذا العام لن يبلغ مرحلة تغطية الكلفة".

ويؤكد أن هذا الوضع الصعب انعكس مباشرة على علاقة النحالين مع زبائنهم، ويكشف أنهم اتخذوا ضمن التعاونية قراراً من شأنه تقنين عملية توزيع العسل على الزبائن، لأنه "لا يمكن رفع السعر بما يتوافق مع الإنتاج، فقانون العرض والطلب من شأن أن يؤدي اعتماده إلى رفع سعر الكيلو من 25 دولاراً أميركياً، إلى قرابة 150 دولاراً، ولكن هذا الأمر مستحيل. ومن هنا، قررنا رفع سعر الكيلو بمعدل 10 دولارات لتقليل الخسارة في الكلف، وإعطاء الزبون كميات أقل، والعمل على منع الاحتكار".

الغش ممنوع

يكافح قطاع إنتاج "العسل الطبيعي" للبقاء في لبنان، ويفتح تراجع الإنتاج الطبيعي الباب أمام زيادة احتمالية التصنيع، والغش.