الهجوم على السفارة الاميركية لـ"ذئب منفرد" أو لبنان ساحة لتصفية الحسابات؟

من خارج السياق جاء اطلاق النار على السفارة الاميركية في عوكر، علما ان السفارة الاكبر في المنطقة لم تشهد أي اعتداء كبير منذ نحو اربعة عقود. فما تفسير الهجوم المسلح عليها في مرحلة التوتر التي تعيشها المنطقة؟

في انتظار اماطة اللثام عن الرواية الامنية الكاملة والدقيقة للهجوم على السفارة، فإن ما حدث صباح الاربعاء يعدّ سابقة في طريقة التنفيذ حيث لم يسجل حادث مماثل ضد اي سفارة في لبنان، وانما كان الاستهداف يتم من خلال تفجير آليات مفخخة على غرار التفجيرات التي تعرضت لها السفارة الاميركية مرتين عامي 1983 و1984.

تنفيذ الهجوم على السفارة كان بحسب بيان للجيش اللبناني من شخص واحد سوري الجنسية يدعى قيس الفراج، اظهرت الصور انه كان مزوداً جعبة فيها مماشط لبندقية كلاشنيكوف، ولم تظهر التحقيقات بعد ما اذا كان هناك اشخاص آخرون ساندوه او امّنوا له الغطاء خلال اطلاقه النار باتجاه السفارة والذي استمر لاكثر من 20 دقيقة قبل ان يتمكن الجيش اللبناني من اصابته ومن ثم توقيفه.

ولوحظ ان الأجهزة الامنية سارعت إلى توقيف شقيق الفراج في عملية خاطفة ونوعية في مجدل عنجر وذلك لتكوين صورة متكاملة عن الهجوم على السفارة الذي يرسم علامات استفهام كثيرة في هذه المرحلة، ولا سيما ان دولاً ومنظمات وحتى افرادا يحمّلون واشنطن المسؤولية عما يجري من عدوان متواصل على غزة منذ نحو تسعة اشهر.

ولكن هل يمكن لفرد ان ينفذ عملية رداً على تلك الاتهامات وان يقتصر الامر على اطلاق رصاص على السفارة؟ ومن جهة ثانية من المعروف ان الولايات المتحدة الاميركية لاعب اساسي وحيوي على الساحة اللبنانية وبطبيعة الحال في المنطقة والعالم، وسفارتها في لبنان تكاد تكون الاكبر في العالم وقد تفوقت من حيث المساحة على السفارة في بغداد، وهذا يعكس صعوبة تنفيذ اعتداء جدي على السفارة في عوكر، لا بل تكون تلك الامكانية معدومة وغير قابلة للتحقق ما يطرح التساؤل عن أبعاد اطلاق النار وما اذا كان عملاً فردياً ام ان جهات تقف خلفه.

الهجوم على السفارة سيكون من دون ادنى شك مكان تمحيص ومتابعة حثيثة لكشف خيوطه والخروج بنتيجة واضحة تقطع الشك باليقين وبالتالي معرفة حقيقة ما جرى وما اذا كان ردّ فعل عاطفيا بسبب الابادة الجماعية التي ترتكبها تل ابيب في غزة، ام ان اطرافاً تريد ارسال رسالة الى واشنطن؟ عدا عن احتمال وقوف جهات ارهابية على شاكلة تنظيم "داعش" وجبهة "النصرة" وراء الهجوم.

تنفيذ ذاك الهجوم يعيد لبنان الى مرحلة سابقة كان يراد منها تحويله الى ناقل رسائل او على الاقل ممراً على طريق المواجهات الاقليمية والدولية، وفي السياق يؤكد وزير الداخلية سابقا زياد بارود لـ"النهار" انه "لا يجوز ان يبقى لبنان صندوق بريد وساحة لتصفية الحسابات". واذ يتمنى بارود ألا يكون ما حصل "بداية مسار إنحداري في الأمن الذي هو اصلا هش، على رغم جهود القوى العسكرية والامنية"، يؤكد ان "اي اعتداء على اي بعثة ديبلوماسية هو موضع شجب واستنكار".

في كلام بارود اشارة الى اعادة لبنان صندوق بريد على غرار ما شهده في ثمانينات وتسعينات القرن الفائت. لكن هل الاطراف المتصارعة تريد فعلاً اعادة لبنان الى تلك الفترة؟

دورية للجيش اللبناني

الى ذلك، لفتت مسارعة الجيش في الكشف عن جنسية مطلق النار وذلك ربما لقطع الطريق على اي تحليل او تحميل مسؤوليات في الفترة القصيرة الفاصلة بين اطلاق النار وكشف هوية الفاعل، ولا سيما ان الوضع الداخلي متوتر على خلفية ما يجري في الجنوب. الا انه لا بد من استعادة تحذير وزير شؤون المهجرين في حكومة تصريف الاعمال عصام شرف الدين عن آلاف المسلحين في مخيمات النازحين السوريين، وان ذلك التحذير ليس من فراغ.

وتشي الظروف المحيطة باطلاق النار على السفارة بأن ما حدث ليس اكثر من محاولة فردية لم تصل الى تحقيق هدفها، علماً ان الجماعات المسلحة في سوريا كانت غالباً ما تعتمد عليه في ذلك النوع من العمليات. من هنا تأتي خطورة ان تكون الخلايا الارهابية النائمة او الكامنة لا تزال موجودة في لبنان سواء على شاكلة مجموعات او افراد تابعين لتنظيمات ارهابية، مع العلم ان الاجهزة الامنية تتابع تلك الخلايا وبشكل حثيث وان كان نشاطها قد تراجع بشكل كبير في لبنان منذ اكثر من 4 سنوات.

تفجير السفارة مرتين واطلاق نار

يعدّ اطلاق النار على السفارة الاميركية امس الثاني من نوعه خلال اقل من عام حين اقدم عامل "ديليفري" في 20 ايلول الفائت على اطلاق 9 رصاصات في اتجاه جدار السفارة، بسبب خلاف مع احد الموظفين خلال توصيل طلبية في شهر تموز. وبحسب التحقيقات فإن ذلك الحادث لا خلفيات سياسية له.

وسبق ان تعرض مبنى السفارة في عوكر للتفجير في ايلول عام 1984 وذلك بعد تفجير مقر السفارة في عين المريسة في نيسان 1983.