الهوس بـ"عصابات خطف الفتيات": خوف من سائقي الأجرة... وعنصرية ضدّ السوريين

مع كلّ حالة اختفاءٍ لفتاة، تعود «خبرية» عصابة خطف الفتيات لتتردّد على الألسن مجدّداً، رغم نفي القوى الأمنية وجود عصابات كهذه على الأراضي اللبنانية، وتأكيدها أن حالات خطف الفتيات التي تحصل خلفياتها عائلية.

فكثيرون يفضّلون على الرواية الرسمية، تصديق أن هؤلاء اختفين بعد خطفهن من سيارات أجرة ونُقِلن إلى سوريا، لطلب فدية مالية، أو اغتصابهن وتشغيلهن في الدعارة، أو بيع أعضائهن... أو لاعتبارات سياسية - طائفية ربطاً بالتطورات بعد سقوط النظام السابق.

وإن كان تداول هذه الروايات في الصالونات النسائية والمقاهي ومجموعات «الواتساب»، والتي تُضاف إليها غالباً «البهارات» لتصير أكثر تشويقاً، هدفه التسلية، فهي تحوّلت لدى كثيرين إلى هاجس يؤرق يومياتهم. فباتوا يكيّفون حياتهم مع فرضية أنهم لا يعيشون في بيئة آمنة، ما يستدعي التيقّظ الدائم لاحتمال التعرض لعمليات خطف.

أفلام من نسج الخيال

بدأت القضية قبل أشهر عندما تداولت مواقع التواصل الاجتماعي قصة اختفاء الشابة ن. س. (22 عاماً) وهي في سيارة أجرة استقلّتها من «الجامعة اللبنانية» - الحدت إلى منزلها في حارة الناعمة، ومن ثمّ تلقّي والدها عشرات الاتصالات من أرقام سورية، يسأله المتصلون فيها إن كان هو والدها، قبل «انفجارهم بالضحك» وإنهائهم الاتصال معه.

بدأت بعدها «حفلة مزايدات» بين روّاد مواقع التواصل الاجتماعي، لتنتشر روايات عن حالات خطف أخرى، بلغ عدد ضحاياها 40 فتاة وامرأة لبنانية. ولم يكد الناس ينسون الخبر حتى فجّر الصحافي حسن عجمي قبل أيام «قنبلة» جديدة، إذ روى أن قريبته (18 عاماً) اختُطفت على طريق المطار بعد ركوبها سيارة أجرة أيضاً، ونُقلت إلى جهة مجهولة حيث تعرّضت للضرب، قبل نجاتها وكشفها ما حصل معها.

ونقل عجمي عنها أنها «سمعت أصوات فتيات أخريات يتعرّضن للتعذيب، وأحد الخاطفين تحدّث عن ضرورة نقل المخطوفات إلى سوريا فوراً».

انتشرت هذه القصة كالنار في الهشيم، وبدت مُقنِعة للعموم لأنها خرجت من فم صحافي. حتى إن عجمي نفسه وجدها برهاناً على كلام لطالما ردّده: «لقد قلت لكم إنّ هناك عصابات خطف، والقوى الأمنية تُكذِّب الخبر».

القصة نقلتها عدة مواقع إلكترونية، قبل أن يعتذر عجمي عن «الفيلم» الذي أخرجته قريبته ونشره على صفحته، إذ تبيّن أنه من نسج خيالها. لكنّ المواقع الإخبارية لم تجد في طمأنة الناس مادة تستحقّ النشر، واكتفت بمحو الخبر من دون أن تُلحِقه بخبر توضيحي أو تصحيحي. هكذا بقيت في مُخيّلة الناس قصة خطف جديدة تُضاف إلى سلسلة قصص مشابهة، كانت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي قد أكّدت أنها تعود بمعظمها إلى مشاكل وخلافات عائلية ولا علاقة لها بعمليات خطف لدوافع إجرامية أو مالية. لكنّ الناس يرفضون تصديق ذلك، تحت عنوان أن «الدولة تخفي الحقيقة حتى لا تنشر الذعر بين الناس»، وأن «لا دخان بلا نار».
وسواء كانت القصص حقيقية أو لا، فالنتيجة واحدة: انتشر الذعر بين الناس.

الهوس من الخطف

الشابة رشا، مثلاً، التي تسكن في صيدا وتتردّد إلى بيروت، ترى أن «إنكار الدولة وجود عصابة يشكّل عامل قلقٍ إضافيٍّ». لذا، تدرّبت جيداً للحظة التي سيأتي دورها في الخطف في سيارة الأجرة، و«تأخذ احتياطاتها». فـ«أدّعي أن شخصيتي قوية وليست سهلة الخطف، وأنتبه جيداً للشبابيك وأقفال الأبواب، وأراقب الطريق بحذر عبر خرائط الغوغل». كذلك راما، ابنة الـ 30 عاماً، تتجنّب مغادرة منزلها ليلاً، «حتى في النهار أختصر مشاويري». برأيها، «القتل أهون من الخطف». وتفكّر في الاحتمالات التي ستقع بعد الخطف، فتجد أن «كل احتمال مرعب أكثر من الآخر».

أمّا سلمى، فبات يحكمها «هوس من الخطف». لذا، لا تترك أولادها وحدهم في المنزل أبداً، وتطلب كل حاجاتها «دليفري»، وتوصل أولادها إلى المدرسة بالسيارة رغم أن المدرسة تبعد 5 دقائق مشياً. هذا «الهوس» انتقل إلى العائلة الكبيرة أيضاً، فأنشأت مجموعة على «واتساب»، بحيث ترسل كل فتاة وامرأة فيها توقيت خروجها من المنزل، ومواصفات سيارة الأجرة التي استقلّتها، وإذا تأخّرت واحدة منهن بالرّد على الاتصالات تنطلق عمليات «البحث والتحرّي» عنها.

ولا تتأثّر سلمى بالروايات التي تسمعها عن خطف الفتيات فحسب، بل لمحاولة أحدهم، قبل ثلاثة أشهر، خطف ابنتها (8 سنوات) أمام عينيها. وتروي أنها كانت في الضاحية الجنوبية، وبعدما أنزلت ابنتها الأولى من السيارة وانشغلت بحمل الابنة الثانية، «مرّت دراجة نارية، وقام سائقها بحمل الفتاة، لكنّ صراخ سيدة في الطريق شاهدت عملية الخطف دفعه إلى رميها والهرب».

كما تشير إلى «محاولة شاب سوري الدخول إلى منزل الجيران بالقوة، والتعدّي على ابنتهم صاحبة الـ 14 عاماً». اللافت أن «أفلام الخطف» جميعها تقوم على عنصرين: الأول هو «سائق الأجرة»، بطل الفيلم الذي يصطاد الفتيات، والعنصر الثاني هو هوية العصابة «السورية». رفع ذلك مستويَي الخوف والحذر من سائقي الأجرة والعنصرية ضدّ السوريين.

فلم تعد تستقلّ مروة، مثلاً، سيارة أجرة لا تعرف صاحبها، وتُصرُّ على والدها أن يوصلها إلى العمل. كذلك يتكفّل علي بتوصيل ابنته إلى الجامعة، رغم التأخر في عمله، لكنّ «سلامة ابنتي أهم». وهناك من يفضّلون الفانات على السرفيس، أو ينتقون سائقي الأجرة بعناية، إذ يشكو الشاب الثلاثيني محمد مثلاً، من «تفضيل الركاب السائقين الأكبر سناً». ويؤكّد «ضرورة ضبط كل حملات الترويج لعصابات الخطف، ومن يثير الرعب من استخدام السرفيس ويقطع برزقنا».
كلّ ذلك يستدعي وضع الأجهزة الأمنية حداً لهذه القضية، بتأمين الأمان للناس وإقناعهم بعدم وجود عصابات خطف، وملاحقة وسائل الإعلام والحسابات التي تنشر أخباراً غير صحيحة وتحريضية ضدّ السوريين.