المصدر: النهار
الكاتب: سلوى بعلبكي
الخميس 19 كانون الاول 2024 07:46:57
في الوقت الذي يستجدي فيه لبنان من الدول الصديقة والمؤسسات الدولية ويفتش بـ"السراج والفتيلة" عن باب للحصول على قروض ومساعدات، تهمل الدولة كل ما يمكن أن يدرّ على خزينتها من أموال قد تغنيها عن مدّ يدها إلى الخارج للحصول على حفنة متواضعة من الأموال تسند فيها "خابيتها" من الإفلاس.
ولعل أهم الإيرادات الفائتة هي تلك الناجمة عن إهمال ملف زراعة القنّب الهندي، بدليل أن التقرير الذي أصدرته شركة "ماكنزي أند كومباني" عن السياسة الاقتصادية اللبنانية بعنوان "رؤية لبنان الاقتصادية" تضمّن تقديرات بأن إيرادات زراعة هذه النبتة قد تناهز 4 مليارات دولار من المبيعات السنوية.
بدأ لبنان بزراعة القنّب الهندي عام 1930. ولكن نتيجة للفوضى التي سادت إبان الحرب الأهلية، انتشرت هذه الزراعة بالتزامن مع انتشار زراعة الأفيون إلى أن بلغت مساحة الأرض المزروعة بالحشيشة في لبنان عام 1981 نحو 30 ألف هكتار أي ما يوازي 300 ألف دونم. أما في البقاع تحديداً فتقدر مساحة الأرض المزروعة حشيشة في البقاع بـ3700 دونم أي ما يوازي 3.7 ملايين متر مربع، فيما ينتج الدونم الواحد ما بين 60 إلى 80 كيلوغراماً.
يؤكد وزير الزراعة عباس الحاج حسن لـ"النهار" أن "الزراعات الممنوعة في منطقة بعلبك موجودة في لبنان منذ أيام الرومانيين، وعكفت الدولة اللبنانية على محاربتها منذ عام 1945 حتى وصلنا إلى عام 1990 حيث اتخذ قرار في الحكومة بتلف زراعة المخدّرات (أفيون وحشيشة)، توازياً مع تعاونها مع الأمم المتحدة لتشجيع الزراعات البديلة. ولكن التطبيق بقي حبراً على ورق، ولم يتغيّر أيّ شيء على أرض الواقع، فبقيت زراعة الممنوعات ناشطة على الرغم من إدراك الجميع أنها مضرّة وتفتك بأهلنا".
قبل أيام، أوصت لجنة الزراعة والسياحة بأهمية الإسراع في إطلاق الهيئة الناظمة لزراعة القنّب الهندي، وهي ترجمة للجهود التي يقوم بها وزير الزراعة في هذا الإطار لاقتناعه بأهمية هذه الزراعة ومردودها على الاقتصاد اللبناني. ويؤكد الحاج حسن أن منطقة الهرمل بعلبك في حاجة إلى بدائل عن زراعة الممنوعات، لذا كان التوجه بقوننة ما يعرف بالقنّب الهندي الصناعي، فأقرّ قانون ترخيص زراعة نبتة القنّب لأغراض طبّية وصناعية في الحادي والعشرين من شهر نيسان 2020. ولكن على الرغم من نفاذ القانون، لم تعيّن حتى الآن هيئة ناظمة لإدارة القطاع، علماً بأنه عندما تشكلت الحكومة في 2021، كان أول ملفّ رفعته إلى مجلس الوزراء هو ملف القنّب الصناعي والسير بالهيئة الناظمة التي وضعت تفاصيل عملها مع الأسماء من كافة الوزارات المعنيّة".
ويشير إلى تقرير شركة ماكينزي عن كيفية النهوض بالاقتصاد اللبناني، إذ "وجدت أن من أبواب الإنقاذ التوجّه نحو زراعة القنّب الهندي لكونها تدرّ على خزينة الدولة ملياراً و500 مليون دولار سنوياً. وهذا يعني أن إهمالنا لملفّ هذه الزراعة فوّت على لبنان أرباحاً منذ 3 أعوام ونصف نحو 4.5 مليارات دولار، فيما نحن نقاتل ونصارع للحصول على قرض بنحو 3 مليارات دولار من صندوق النقدي الدولي". من هنا يأتي سؤال وزير الزراعة لمعرقلي إنشاء الهيئة الناظمة، عن مبرراتهم لعدم تسهيل إنشائها؟ هل هو سبب سياسي أم طائفي أم ديني؟ لافتاً إلى أن "منطقة بعلبك الهرمل تضم كل الأطياف والطوائف، وتالياً فإن المردود الاقتصادي من قوننة زراعة القنّب سيكون للاقتصاد الوطني".
اليوم ومع الاندفاعة الإيجابية في البلاد والتحضير لانتخاب رئيس للجمهورية في كانون الثاني المقبل، يتمنى الحاج حسن أن يترافق الأمر مع ولادة الهيئة الناظمة، مع التأكيد أن دورها تقني وليس سياسياً وأعضاءها من الوزارات المعنية بما يعني أنها لن تكلف الدولة أي أعباء مالية".
ورداً على ما يشيعه البعض أن لا جدوى اقتصادية من زراعة القنّب للاستخدام الطبي، أوضح الحاج حسن "القنّب الهندي له استخدامات صناعية كثيرة أخرى مثل الأنسجة المخصصة للاستخدام الصناعي، ومستحضرات التجميل، والزيوت، والمستخلصات النباتية، والمركبات الطبية والدوائية والصناعية"، كاشفاً أنه "عندما طرح الملف جدياً قبل نحو عامين أبدى الكثير من الشركات اللبنانية في الولايات المتحدة وكندا استعدادها لإنشاء مصانع، ولكن الاستثمارات بحاجة إلى قاعدة قانونية صلبة خصوصاً أن رأس المال جبان".
استناداً إلى مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC)، فإن لبنان هو ثالث أكبر مصدّر للقنّب على الصعيد العالمي، فيما بيّنت بعض الدراسات التي أجريت على القنّب في غالبية المناطق اللبنانية أن أصناف القنّب المزروعة في المناطق اللبنانية من أكثر الأصناف العالمية جودة. ويشير الحاج حسن إلى أن ايرادات دونم الحشيشة تقدر ما بين 350 و400 دولار، فيما تشير التقديرات إلى أن دونم القنّب الهندي قد يدرّ بين 800 و1200 دولار، مع الأخذ في الاعتبار أن نبتة القنّب "لا تحتاج إلى الكثير من الريّ، ولا تصاب بأنواع البكتيريا، وتالياً فإن الاعتناء بها أسهل بكثير من الزراعات التقليدية".
ولا بد من الاشارة إلى أن ثمة اختلافاً كبيراً بين بذرة القنّب الهندي الصناعي و"حشيشة الكيف" التي تحارب زراعتها الدولة اللبنانية، ويستند الحاج حسن إلى دراسة أجرتها إحدى المنظمات الدولية عن الجدوى الاقتصادية للقنّب الهندي الصناعي، بيّنت "علمياً"، "أنه كلما وسّعنا مساحات زراعة القنّب تقلصت زراعة الحشيشة تلقائياً، على اعتبار أنه عندما تتلقح نبتة القنّب وتتزواج فإنها تقتل نبتة الحشيشة".