المصدر: المدن
الأربعاء 9 تموز 2025 14:22:25
في بلد يعاني أزمة اقتصادية منذ العام 2019، تحولت المَحافِظ الإلكترونية إلى طوق نجاة للعديد من اللبنانيين الباحثين عن بديل أكثر مرونة وسرعة للنظام المصرفي التقليدي المنهار.
وبلمسة واحدة على شاشة الهاتف، من الممكن إنجاز المعاملات اليومية من تحويل الأموال إلى دفع الفواتير وحتى التسوق، لكن الانتقال السريع نحو الرقمنة المالية يترافق مع أسئلة مقلقة حول أمن البيانات، وغياب الإطار القانوني الفعال الذي يحمي المستخدمين.
فهل تتعامل الدولة والشركات مع حجم المسؤولية؟ وأين تخزن بيانات اللبنانيين فعلاً؟
بدأت فكرة المحافظ الإلكترونية في لبنان انتشارها في ظل السماح بالحصول على محفظة إلكترونية بشكل مرن، حتى لأولئك الذين لا يملكون حساباً مصرفياً.
وتعمل المَحافظ من طريق الربط بالحسابات المصرفية أو بطاقات الائتمان، أو من خلال تحميل الأموال مباشرة في التطبيق، ما يتيح للمستخدمين إجراء مجموعة متنوعة من المعاملات مثل التحويلات، ودفع الفواتير، والتسوق عبر الإنترنت.
وسهلت التحويلات النقدية الإلكترونية حياة اللبنانيين بشكل كبير، فلم يعد الفرد مضطراً لحمل المال النقدي أو القلق بشأن توافر "الفراطة" (الفكة) أو المبلغ المناسب، وبكبسة زر من الهاتف يمكنه اليوم دفع ثمن وجبته أو دليفري أو حتى شراء حاجياته اليومية، ما زاد من راحة المستخدم وسرّع عملية الشراء، وفتح مجالات أوسع أمام المطاعم والمتاجر لاعتماد أنظمة أكثر مرونة وتنظيماً في الدفع.
يقول نادر سرحان، أحد مستخدمي المحافظ الإلكترونية: "في السابق، كنت مضطراً للذهاب إلى كل مستأجر لتحصيل الإيجارات الشهرية، أما اليوم، فبكبسة زر تصلني الأموال من دون عناء".
وحتى آذار/مارس 2025، منح "مصرف لبنان" تراخيص لـ19 شركة مالية لإنشاء مَحافظ إلكترونية وطرحها في السوق، بحسب منظمة "سميكس" المعنية بحماية حقوق الإنسان في الفضاءات الرقمية.
لكن "مصرف لبنان" أصدر، في وقت سابق، التعميم الوسيط رقم 735، الذي علق فيه قبول طلبات جديدة للحصول على تراخيص لتقديم خدمات المحفظة الإلكترونية حتى إشعار آخر.
وفي السياق، أكد مصدر من "مصرف لبنان" لـ"المدن" أنه على صعيد البنية التحتية، تكمن أبرز التحديات في المجال، في الكلفة المرتفعة لتكنولوجيا المعلومات، تحديداً ما يتعلق بالبرمجيات، أنظمة الحماية، ومتطلبات التشغيل وغيرها. وعن البطاقات المستخدمة في لبنان، خصوصاً تلك الصادرة من شركات خارجية، يوضح المصدر أن أي شركة دولية ترغب في العمل داخل السوق اللبناني يجب أن تكون متعاقدة مع مصرف لبناني، والمصرف بدوره يقدم طلباً رسمياً للحصول على الموافقة من المصرف ليقوم بدروه بمتابعة الاجراءات.
وفي حديث مع "المدن"، يقول مدير برنامج الإعلام في "سميكس"، عبد قطايا، أن الإطار القانوني الناظم للقطاع مازال غير كاف.
فعلى الرغم من إقرار القانون رقم 81 العام 2018، والمعروف باسم "قانون المعاملات الإلكترونية والبيانات ذات الطابع الشخصي"، إلا أن التشريع "كان خطوة أولى مقبولة في وقتها، لكنه لا يرقى إلى مستوى التحديات الراهنة ولا يؤمن حماية كافية للبيانات الشخصية".
ويوضح قطايا أن القانون لا ينظم بشكل واضح كيفية تعامل الشركات مع بيانات المستخدمين، ولا يفرض معايير شفافة لمعالجتها أو الاستفادة منها في تقديم الخدمات الرقمية، مضيفاً: "ما نحتاجه اليوم هو قانون خصوصية شامل وحديث، يضع ضوابط واضحة لمكان تخزين البيانات، وآليات معالجتها، ويحدد الجهات المسؤولة قانونياً عن أي خرق أو سوء استخدام".
ويشير قطايا إلى عدد من التحديات الأساسية في هذا السياق، أولها غياب الشفافية بشأن مواقع تخزين البيانات، لأن "كل محفظة إلكترونية تعمل وفق بنية تقنية خاصة بها، ما يثير تساؤلات مشروعة: أين تخزن بيانات اللبنانيين؟ وهل هي مؤمنة فعلاً؟". والتحدي الثاني، يتمثل في طبيعة البيانات الحساسة التي تُجمع، والتي غالباً ما تشمل معلومات شخصية دقيقة مثل الأسماء الكاملة، العناوين، أرقام الهواتف، وحتى صور الهويات وجوازات السفر، بالإضافة إلى بيانات الاستخدام والتحويلات المالية، ويعتبر قطايا أن "هذه البيانات تتطلب حماية مشددة لا تتوافر اليوم بالشكل الكافي".
أما التحدي الثالث فهو ضعف أو غياب سياسات الخصوصية لدى معظم التطبيقات الرقمية المتداولة: "إما أنها غير موجودة أساساً، أو تُكتب بصيغ لا تستوفي الحد الأدنى من معايير حماية المستخدمين".
وعن ازدياد حوادث السرقة والاحتيال التي تستغل هذه التطبيقات، يرفض قطايا تحميل المستخدمين المسؤولية الكاملة: "لا يمكن الاكتفاء بالقول إن المستخدم لم يكن واعياً أو لم ينتبه.
المشكلة الحقيقية تكمن في غياب منظومة قانونية وتقنية تحميه من البداية"، مؤكداً أن المسؤولية تقع أولاً على الدولة، التي يفترض بها وضع قوانين واضحة وصارمة، وتفعيل آليات التحقيق في الجرائم الرقمية بجدية.
كما تتحمل الشركات بدورها مسؤولية كبرى، من خلال تأمين بيانات مستخدميها، وإغلاق الثغرات التقنية التي قد تفتح الباب أمام الانتهاكات.
ويختم قطايا بالتحذير من تداعيات هذا الواقع، قائلاً: "فقدان ثقة المستخدمين يشكل تهديداً مباشراً لاستقرار هذا السوق. حماية المستخدمين أصبحت ضرورة لضمان استمرارية ونمو الخدمات الرقمية في لبنان. لأنه كلما توسعت هذه الخدمات، زادت معها الهجمات والتحديات".