الودائع المصرفية: كيف يخطّط مصرف لبنان لشطب 30 مليار دولار من الخسائر؟

بعد خمس سنوات على انفجار الأزمة المالية، تعود قضية الخسائر في القطاع المصرفي إلى الواجهة، مع مشروع قانون قيد البحث بين مصرف لبنان والحكومة، يهدف إلى «إعادة هيكلة مالية» وإيجاد صيغة لإعادة الودائع. وبحسب معلومات من دوائر مطلعة على المفاوضات، يقترح المشروع شطب نحو 30 مليار دولار من إجمالي الودائع المحتجزة في المصارف منذ تشرين الأول 2019.

خفض افتراضي جديد

وفق هذا الطرح، سينخفض حجم الودائع المطلوب تسويته من نحو 82 مليار دولار إلى ما بين 50 و52 ملياراً، يتم سدادها تدريجياً على فترة قد تصل إلى 15 عاماً، مع إعطاء الأولوية للودائع الصغيرة (حتى 100 ألف دولار). غير أن هذا المسار، برأي خبراء، يشكل عملياً «حسماً مقنّعاً» في ظل التضخم وخسارة العوائد التي كان يمكن أن يحققها المودعون لو لم تُجمّد أموالهم.

ودائع «غير شرعية» و«غير مؤهلة»

التفاصيل الأولية تشير إلى تصنيف ما بين 5 و7 مليارات دولار كودائع «غير شرعية» مرتبطة بعمليات فساد أو تهرب ضريبي أو تبييض أموال. كما يُعاد تصنيف نحو 13 مليار دولار كودائع «غير مؤهلة»، خصوصاً تلك التي حُوّلت من الليرة إلى الدولار بعد 17 تشرين الأول 2019 أو ارتبطت بتجارة الشيكات والفوائد المفرطة ومنصة «صيرفة». هذه المبالغ – وقيمتها الإجمالية 20 مليار دولار – ستُسدد عملياً بما يعادل 7 مليارات فقط وفق سعر صرف أدنى بكثير من السوق.

إلى ذلك، يُطرح إلغاء نحو 10 مليارات دولار من «الفوائد المفرطة» التي استفاد منها كبار المودعين والمصارف، خصوصاً بعد «الهندسات المالية» عام 2016. ويبرر معدّو الخطة هذه الخطوة باعتبار أن تلك الأرباح لم تكن قائمة على أساس مشروع وأنها ساهمت في تفاقم الانهيار.

اعتراضات حقوقية وشعبية

لكن هذه المقاربة تواجه انتقادات واسعة من هيئات المودعين وجمعيات حقوقية، التي تلوّح بالطعن أمام المجلس الدستوري إذا أُقرّ القانون. ويرى معارضون أن الهدف الفعلي هو تخفيف العبء عن المصارف ومصرف لبنان على حساب المودعين، الذين تكبدوا أصلاً «هيركات» وسحوبات مجتزأة منذ بداية الأزمة، في ظل غياب قانون واضح لضبط الرساميل.

قانونيون شددوا على أن العلاقة بين المصرف والعميل تقوم على قاعدة قانونية تجعل الوديعة ديناً يجب سداده كاملاً وفق العقد، ولا يحق تعديلها بقرارات إدارية. وأكدوا أن أي إعادة تصنيف للودائع على أنها «غير شرعية» بعد سنوات من دخولها النظام المصرفي يطرح علامات استفهام حول تقصير المصارف نفسها في تطبيق قواعد مكافحة تبييض الأموال.

كما انتقد خبراء فكرة إلغاء الفوائد بأثر رجعي، معتبرين أنها «حقوق مكتسبة» لا يمكن شطبها إلا بحكم قضائي. وأشاروا إلى أن الفوائد كانت تشكل دخلاً للمودعين، كما استفادت المصارف من هوامشها عبر شهادات إيداع مصرف لبنان.

مخاطر دستورية

الخطوة، بحسب معارضين، قد تُعرض المشروع للطعن الدستوري، لأنها تمسّ حقوقاً خاصة وتؤسس لتمييز بين المودعين من دون سند قانوني، خاصة أن التعميم 166 الصادر عام 2024 الذي صنّف بعض الودائع «مؤهلة» وأخرى «غير مؤهلة» لم يكن سوى إجراء تقني، ولا يرقى إلى مستوى القانون.

الخطة التي يدفع بها حاكم مصرف لبنان كريم سعيد ليست قطيعة مع السياسات السابقة بقدر ما هي محاولة لـ«تقنين» الشطب القسري لجزء من الودائع. أما النتيجة، فهي استمرار تحميل المودعين العبء الأكبر للأزمة، وسط غياب أي مساءلة حقيقية للجهات التي أدارت النظام المالي على مدى عقود.