الوساطات الدولية مؤجَّلة رئاسيّاً... وقوى المعارَضة لـ"تجنُّب الحرب"

غيّرت المعارك النارية المندلعة بين حركة "حماس" والجانب الإسرائيلي فحوى الاهتمامات اللبنانية المحلية والإقليمية الدولية على حدّ سواء. وخفت التحلّق الذي كان قائماً حول استحقاق رئاسة الجمهورية اللبنانية فيما بقيت تموضعات أوراق المعادلة الرئاسية من دون تحريك مع ترجيح قوى المعارضة استمرار حال التلبّد الظاهر في سماء انتخابات الرئاسة طالما أنها تلحظ أنّ ثمة فريقاً برلمانيّاً لبنانيّاً متمثلاً في نواب محور "الممانعة" لا يقبل الاحتكام إلى الحلول الداخلية، بل يرفض الالتزام في ما تنصّ عليه مندرجات الدستور اللبنانيّ لناحية ضرورة تفعيل الدورات الانتخابية المتتالية إنّما يصرّ على التمسّك بمرشّح أوحد للرئاسة الأولى من منطلق التشبّث في "السعي للغلبة" ورفض الانتقال إلى مربّع ترشيحيّ آخر. وفي غضون ذلك، تلقّفت التكتلات السيادية المتموضعة في خانة المعارضة معطيات تشير إليها "النهار" لناحية تجميد التحرّك الدولي الذي برز بوتيرة متصاعدة في الأسابيع الماضية على نطاق دول "الاجتماع الخماسيّ" لإنهاء الشغور القائم في موقع رئاسة الجمهورية، والمتجسّد في المساعي الفرنسية والقطرية التي حاولت التوصّل إلى نتيجة ممكنة قبل أن تطرأ مستجدات تفجّر الأوضاع بين حركة "حماس" والجانب الإسرائيلي ما أدّى إلى تحوّل الأنظار والاهتمامات الدولية وتحلّقها في اتجاه ما يحصل من اندلاع للمعارك العسكرية.

ولا تتردّد أوساط سياسية بارزة في "القوات اللبنانية" التأكيد على مضامين قراءة مماثلة بمعطياتها اللافتة إلى انحسار نسبة متابعة مجريات الأوضاع اللبنانية على المستوى الدولي فيما لم يعد لبنان يشكّل أولوية حالية بالنسبة إلى المجتمع الدولي من ناحية انتخابات الرئاسة الأولى، بحسب ما تعكسه الاجتماعات الديبلوماسية المرتكزة على متابعة تطوّرات الصراع الناشب بما في ذلك المناوشات الحاصلة على الحدود اللبنانية الجنوبية. وهذا ما جرى ملاحظته في غضون الأيام الماضية من قوى المعارضة مع ترجيحها استمرار واقع الشغور الرئاسي والبحث في مضامين هذا الاستحقاق حتى انتهاء الحرب المندلعة حديثاً في قطاع غزّة. ويُرجَّح هكذا احتمال بالنسبة إلى مقاربة قوى المعارضة في اعتبارها أن القدرة على التوصّل إلى خروقات رئاسية بمثابة مسألة لن تكون سهلة مع استمرار تمسّك فريق "الممانعة" في أدائه الانقلابيّ على الدستور اللبناني، رغم تفاقم وتيرة الأزمات الاقتصادية والمجتمعية وغياب الانتظام في عمل مؤسسات الدولة. ولا يغيب عن انطباعات المعارضة الإشارة إلى صعوبة انبثاق خرق رئاسيّ قريب و"لا يمكن فعل الكثير طالما أنّ هناك فريقاً يربط الاستحقاق الرئاسي بالقرار الإيراني".

وإذا كانت قوى المعارضة تقرأ أنّ الجزء الأكبر من الأزمة الرئاسية إقليمية الطابع لناحية ارتباطها بالمنحى الإيرانيّ، فإن الحلّ الممكن ينحصر تالياً في تفاوض إحدى دول "الاجتماع الخماسيّ" مع إيران وهذا ما كانت شخصيات سياسية لبنانية معارضة اقترحته على الموفد القطري جاسم آل ثاني، في إشارتها إلى أنّ أسباب الشغور الرئاسي مرتبطة في عدم تنازل إيران عن الورقة اللبنانية في ما يخصّ انتخابات الرئاسة تحديداً في مقابل سعيها إلى أثمان سياسية قد تكون مرتبطة بالمفاوضات النووية. وفي الاستمرار على قارعة الترقّب، باتت اهتمامات التكتلات النيابية اللبنانية المعارضة مرتكزة أولاً على ضرورة تحييد لبنان عن التداعيات الامنية للحرب المندلعة في غزّة لئلا انزلاق البلاد إلى العصر الحجري في غياب الضمانات الممنوحة أو القائمة من جانبي محور "الممانعة" أو الجهة الإسرائيلية بعدم تمدّد الحرب. ومن هنا، تسعى قوى المعارضة للاضطلاع بدور يجنّب توريط لبنان في مواجهات عسكرية علماً أنّ ما يضاعف قلقها يتمثّل في غياب الوجود الفعلي للدولة اللبنانية في مقابل احتكار "حزب الله" للقرارات الأمنية تحديداً.

ومن هذا المنطلق، برزت التوصيات الصادرة في بيان عن نواب المعارضة ما شمل حزب الكتائب وتكتل "الجمهورية القوية" وكتلة "تجدّد" وبعض النواب المستقلين والتغييريين، والتي تَرَكَّز فحواها الأساسي على الانطلاق من عنوان السعي للحفاظ على السيادة اللبنانية خصوصاً في ظلّ هشاشة الأوضاع في البلاد نتيجة الأزمات المتراكمة السياسية والاقتصادية والمالية على حدّ سواء. وأكّدت التوصيات على ضرورة تحصين الداخل اللبناني عبر المسارعة إلى انتخاب رئيس للجمهورية يجمع اللبنانيين حول مشروع الدولة، ويمنع زجّ البلاد في حروب تأخذ القرار حيالها قوى خارجة عن الشرعية مع أهمية إعادة تكوين السلطة القادرة على مواجهة التحديات. ولم تغفل مضامين توصيات نواب المعارضة التأكيد على دعم قضية الشعب الفلسطيني لكن لا يعني ذلك استباحة قرار لبنان وسيادته من محور "الممانعة".