الوفد الدرزي في دمشق... مديح ورسالة غير بريئة

رأس رئيس الحزب الديموقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان وفدًا درزياً إلى دمشق، أراده أن يكون كبيراً، فأجرى اتصالات مكثفة لضم مشايخ "أرسلانيين" وعدد وفير من أشخاص وأفراد يدورون في فلكه أو فلك الوزير وئام وهاب، ولكل منهما طموح ما. زار هذا الوفد الرئيس السوري بشار الأسد الذي استقبلهم بحفاوة أراد عبرها تعزيز أوراقه الداخلية والخارجية على قاعدة أنّ نظامه المتهاوي لا يزال مرجعية للطائفة التوحيدية في الشام ولبنان.

زيارة استفزت كثيرين من أهل التوحيد في لبنان الذين يرفضون إقحام رجال الدين بالسياسة لتسجيل أهداف معينة وتحقيق مكاسب. في الشكل، يتذرّع أرسلان بأنّ زيارته ذات رسالة واحدة مفادها التأكيد أنّ دروز لبنان كدروز سوريا يرفضون تحالف الأقليات الذي لا يخدم الا اسرائيل. موقفٌ هو لسان حال وليد جنبلاط الذي رفع هذا الشعار منذ بدء حياته السياسية ليؤكد أن طائفة المسلمين الموحدين الدروز لن تكون أبداً ضحية مخططات الكيان الاسرائيلي الذي يرغب بتحويل المنطقة الى دول تحكمها جماعات. هذا الموقف استلهمه وليد جنبلاط من أبيه كمال جنبلاط الذي كان أول من حذّر ووقف بوجه المشاريع التقسيمية وإقامة ما يعرف بـ"nation states"، موقف كلَّفه حياته حينما تقاطعت المصالح السورية - الاسرائيلية. وعليه، يعتبر التسويق لهذه الزيارة على أساس أنّها نابعة من الحرص على نبذ تحالف الأقليات غير منطقي، فليس ثمة داع لهذه العراضة وسط إقتناع المرجعيات الدرزية التي يأتي جنبلاط على رأسها بأنّ التقسيم خطرٌ على الدروز ودول المنطقة. وفي الوقت عينه، كيف لهذا الوفد إرسال رسالة رفض التقسيم وتحالف الاقليات من قصر المهاجرين الذي يكاد يكون الرقعة الوحيدة التي يسيطر عليها بشار الأسد الذي قبل بتقسيم بلده بين قوى إقليمية ودولية كرمى لبقائه على كرسي الرئاسة؟ يرقص فوق جثث أبناء بلده الذين هجَّر نصفهم وقتل ما قتل منهم.

بحسب المعلومات، أخذ الوزير وئام وهاب في الزيارة قليلاً من وهج طلال أرسلان من حيث تبجيل "سيادة الرئيس الدكتور" بشار الأسد. إذ تسابقا على تعزيز أوراق اعتمادهما لدى الرئيس السوري فصارت المنافسة على مدح البلاط، وكانت تغريدة وهاب التي تلت الزيارة والتي وصف فيها الأسد "بالرئيس الصامد الذي لا تتزحزح ثقته بالنصر".

أتت هذه الزيارة في وقت تُرجَّح فيه كفة الميزان لصالح المحور الإيراني - السوري ولا سيّما بعد دخول القوات الروسية الى درعا آخر معاقل الثورة السورية. لذا أتت لتقول للأسد إن الوفد معك وما تركك وقد آن أوان قطف ثمار هذا الوفاء عبر مكاسب بعضها في سوريا وأبرزها في لبنان داخل البيت الدرزي الذي يحلم أرسلان بأن يمثله بكتلة وازنة.

يُراهن هذا الوفد على لعبة الامم التي يفهمها وليد جنبلاط جيّداً لكنّه لا يُعوِّل على فصولها. وحتى هذه الساعة لم يصدر إثر هذه الزيارة أي موقف من جنبلاط، إنما صدر حديث حزبي أكد التباين المبدئي بالمواقف من النظام السوري بين جنبلاط وأرسلان. لكنَّ الأكيد أن وليد جنبلاط يستطيع استثمار هذه الزيارة داخليا للإرتياح من عدة "تنازلات"، أبرزها أحد بنود لقاء خلدة الأخير المتعلق بتوحيد مشيخة العقل في الطائفة الدرزية.

ربما لم تستفز هذه العراضة وليد جنبلاط بقدر ما استفزت قسماً كبيراً من أبناء الطائفة الدرزية الذين يشعرون بتدخل "حزب الله" وسوريا في شؤونهم الداخلية عبر تعويم أسماء وشخصيات تبوأت مناصب وزارية في غفلة من الزمن. كما أنّ هذا القسم من الدروز يقرأ بوضوح كيف أن إعلام هذا المحور لا يزال يستثمر حادثة شويا لتقويمهم وتخوينهم وتقسيم الطائفة الى "صنفين".

ستكون الأيام المقبلة كفيلة بإظهار قراءة جنبلاط لهذه الزيارة "غير البريئة" لا بالشكل ولا بالتوقيت ولا بالرسالة.