الوكالات الحصرية: إلغاء جزئي ضمن تسوية

منذ العام 2004 يحاول بعض المشرّعين إقرار قانون يلغي حماية الدولة للوكالات الحصرية، وكانت هناك محاولات عدّة على مرّ السنوات باءت جميعها بالفشل. ولغاية اليوم لا يزال قانون المنافسة مدار بحث ودراسة وسجالات بسبب المادة الخامسة منه المتعلقة بالوكالات الحصرية، حيث أقرّته ​اللجان النيابية المشتركة​ مؤخراً، مع تعليق المادّة الخامسة وترحيلها إلى الهيئة العامة للمجلس النيابي.

عادت المطالبة اليوم بإلحاح بقانون المنافسة وتحديدا إلغاء الوكالات الحصرية، نتيجة الارتفاعات الكبيرة التي تشهدها اسعار السلع وتحكّم وتلاعب التجار بها، من دون اي سلطة وقدرة للدولة على حماية المستهلك بشكل فعّال. وبما انه من المعلوم ان الوكالات الحصرية تعطي صاحبها الحق في تحديد أسعار السلع منفردا من دون وجود منافس آخر له يستطيع استيراد السلعة نفسها وتوزيعها في السوق والمنافسة بها على الاسعار، يبدو ان حماية اصحاب الوكالات الحصرية لا تزال أولوية لدى الكتل النيابية، لأن اقتراح فتح باب الاستيراد أمام الجميع بغض النظر عمّا إذا كان المنتج المستورد قد سبق أن تم حصر استيراده أو بيعه أو توزيعه أو تسويقه أو ترويجه بوكيل حصري في لبنان، لم يحصل على توافق النواب في اللجنة الفرعية.

يبلغ عدد الوكالات الحصرية، وفقا لوزارة الاقتصاد، 3330 وكالة تجارية حصرية مسجلة منذ العام 1999 ولغاية 2021، منها 316 وكالة شرعية يقوم أصحابها بتجديدها ودفع رسومها السنوية، و314 وكالة مسجّلة في السجل التجاري لكنّ أصحابها لا يدفعون الرسوم السنوية ولم يجدّدوا العقود، أي ان هناك 3014 وكالة لم تُسدّد رسومها السنوية ولم تدفع ولم تجدّد عقودها وتعمل من دون ان يكون لديها وكالة حصرية، ويقوم أصحابها بتسعير السلع التابعة لها وبيعها بـ 3 او 4 أضعاف عن سعرها في بلد المنشأ.

كانت الهيئات الاقتصادية قد قدمت اقتراحا الى اللجان ينص على اعتبار الوكالات الحصرية التي لا تتجاوز حصتها السوقية 40 في المئة، غير مخلّة بالمنافسة ولا يجب الغاؤها، بالاضافة الى اقتراح وزير الاقتصاد والتجارة الذي يفتح باب استيراد أي منتج أجنبي وبيعه وتسويقه، بعد عامين من اقرار القانون، وذلك لإفساح المجال امام أصحاب الوكالات الحصرية لـ «تصفية أعمالهم مع موكليهم من الشركات الأجنبية»

اما الاقتراح الرابع الذي قدمه النائب سمير الجسر، فهو يفتح باب الاستيراد بغض النظر عن وجود وكيل حصري شرط الاستيراد مباشرة من بلد تصنيع المنتج مع إبراز شهادة المنشأ.

في هذا الاطار، أوضح النائب ياسين جابر لـ«الجمهورية» ان هناك شبه اتفاق على المادة الخامسة من قانون المنافسة، وانه تم التوافق مبدئياً على إلغاء حماية الدولة للوكالات الحصرية أي ان الاستيراد الشخصي والتجاري للسلع التي يوجد لها وكيل حصري في لبنان سيصبح متاحا، باستثناء السلع التي تحتاج الى خدمة الصيانة بعد البيع. شارحاً ان مبدأ الوكالة الحصرية هو عقد اتفاق بين الوكيل والمنتج او المصنع، وبالتالي في حال وجود وكالة حصرية فإنّ الشركة المصنعة لن تورّد سوى لوكيلها الحصري. اما المغالطة التي كانت قائمة، فهي حماية الدولة اللبنانية للوكيل الحصري، ومنع تخليص اي بضائع تصل المرفأ ولها وكيل حصري في لبنان، «وهذا ما سيتم إلغاؤه»، حيث سيصبح في امكان التاجر الذي يستطيع استيراد اي منتج او سلعة يوجد لها وكيل حصري، ان يدخلها الى لبنان، من دون ان تعترضه الجمارك، وبالتالي لن تتدخل الدولة بين التاجر والوكيل، بل تصبح علاقة الوكيل بالشركة المصنّعة وبقدرته على منافسة التجار الآخرين.

وأشار جابر الى انه تمّ التوافق على تلك النقاط كافة، ولا يزال هناك خلاف حول نقطة واحدة متعلقة بالحق الذي تمنحه الدولة اللبنانية لصاحب وكالة حصرية حاصل على حكم قضائي بحق مصنع او منتج في الخارج، يخوّله منع دخول بضائع هذا المصنع الى لبنان، عن طريق تاجر آخر. حيث سيصار الى الغاء هذا الحق، ومطالبة الوكيل الحصري برفع دعوى قضائية في الخارج لتحصيل حقوقه من الشركة الام، وليس منع استيراد منتجاته الى لبنان كما هو الحال اليوم.

واكد جابر ان اقرار قانون المنافسة بمواده العديدة وليس فقط في ما يتعلق بالوكالات الحصرية، سيؤدّي حتما الى فتح باب المنافسة وبالتالي خفض الاسعار، مشددا على ضرورة ان يصار الى شطب الوكالات الحصرية المسجلة بالسجل التجاري والتي يبلغ عددها حوالى 3000 وكالة، والتي لم تعد صالحة او شرعية، لكنها ما زالت تستفيد من القانون لمنع اي تاجر آخر من استيراد السلع نفسها.