الياس خوري يقفل "باب الشمس"... ويرحل

اختار الروائي والكاتب اللبناني الياس خوري أن يقفل "باب الشمس" ويرحل في الزمن اللبناني الصعب حيث جنوب لبنان ليس أفضل حالاً من العاصمة الشاغرة من الحياة السياسية، هو الذي تناول في رواياته معاناة اللبناني والفلسطيني من الحرب الأهلية الى حياة الفلسطيني في بلاد اللجوء واختبارات الغربة والنزوح وسيطرة الميليشيات و"سلبطتها".
 
ولهذا، احتلت القضية الفلسطينية حيزاً كبيراً في أعماله. فلا يمكن أن نذكر فلسطين في الأدب من دون التوقف عند رائعة الياس خوري "باب الشمس" ومن ثم ثلاثية "أولاد الغيتو" التي جاءت بعدها بسنوات لتستكمل هذا التأريخ لهويةٍ لا يمكن أن تُمحى مهما حاول المحتلّون.  
 
ولد إلياس خوري عام 1948 في منطقة الأشرفية في بيروت، وكان أعسرًا، وفي سن الثامنة بدأ يستمتع بقراءات جرجي زيدان وتعلم منها الكثير . اهتم بقراءة ثلاثة أنواع وهي الأدب العربي الكلاسيكي، والنصوص الأدبية المرتبطة بالحداثة، والروايات الروسية لكتاب مختلفين مثل بوشكين وتشيخوف.
حصل على شهادة الثانوية العامة عام 1966 من ثانوية الرأي الصالح في بيروت، وفي 1967 سافر خوري البالغ من العمر 19 عامًا إلى الأردن وزار مخيمًا للاجئين الفلسطينيين والتحق بحركة فتح المنظمة المقاومة في منظمة التحرير الفلسطينية، وغادر الأردن بعد مقتل وطرد آلاف الفلسطينيين في أعقاب محاولة الانقلاب على الملك حسين في أيلول الأسود.

درس التاريخ في الجامعة اللبنانية وتخرج منها عام 1971، وفي العام التالي حصل على الدكتوراه في التاريخ الاجتماعي من جامعة باريس.
 
انضم إلى مجلة مواقف عام 1972، وأصبح عضواً في هيئة التحرير،  وخلال الفترة من 1975 إلى 1979 ترأس تحرير مجلة شؤون فلسطينية بالتعاون مع محمود درويش، وعمل محرر لسلسلة ذكريات الشعب الصادرة عن مؤسسة البحوث العربية في بيروت بين عامي 1980 و1985، وكان مدير تحرير مجلة الكرمل من 1981 إلى 1982، ومدير تحرير القسم الثقافي في صحيفة السفير من 1983 إلى 1990، وعمل أيضًا مدير فني لمسرح بيروت من 1992 إلى 1998، ومدير مشارك في مهرجان سبتمبر للفنون المعاصرة.

نشر روايته الأولى في 1975 بعنوان "لقاء الدائرة"، وكتب سيناريو فيلم "الجبل الصغير" في 1977، الذي تدور أحداثه خلال الحرب الأهلية اللبنانية، ومن أعماله الأخرى "رحلة غاندي الصغير" التي تدور حول مهاجر ريفي يعيش في بيروت خلال أحداث الحرب الأهلية.

كتب رواية باب الشمس التي تضمنت إعادة سرد ملحمية لحياة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان منذ نزوح الفلسطينيين عام 1948، وتناولت أيضًا أفكار الذاكرة والحقيقة ورواية القصص، وقد أُنتجت كفيلم سينمائي يحمل نفس الاسم للمخرج المصري يسري نصر الله في 2002.

نشر إلياس رواية "يالو" عام 2002، وترجمها بيتر ثيروكس إلى الإنكليزية في 2008، وصور فيها الراوي أحد أفراد الميليشيات السابق المتهم بارتكاب جرائم أثناء الحرب الأهلية في لبنان، وتحدث عن التعذيب في النظام القضائي اللبناني، وأشار في عنوانها إلى اسم قرية عربية فلسطينية هجرت إسرائيل سكانها واحتلتها في حرب 1967، ونزح مُعظم سكانها إلى الأردن.

تُرجمت أعماله ونشرت دوليًا باللغات الكاتالانية والهولندية والإنكليزية والفرنسية والألمانية والعبرية والإيطالية والبرتغالية والنرويجية والإسبانية.
 
الياس خوري كان أكاديميا، بجانب تجربته الإبداعية، فعمل أستاذاً في الجامعة اللبنانية، والجامعة اللبنانية الأميريكية، والجامعة الأميركية في بيروت، وعمل ايضا كأستاذ زائر في جامعة نيويورك. بجانب الرواية ،كتب ايضا ثلاث مسرحيات وله العديد من الكتابات النقدية، اضافة الى تجربة عمل كمدير فني في المسرح. 

يأتي خبر رحيل الياس خوري في وقتٍ تعيش فيه فلسطين نكبة جديدة وهو الذي كتب "النكبة المستمرة" معتبراً، كما يدلّ العنوان، أن النكبة الفلسطينيَّة لم تبدأ وتنتهِ في سنة 1948، وإنَّما هو مسارٌ بدأ في سنة 1948، ولا يزال مستمرًّا حتى الآن.
فالنكبة المستمرَّة، كما وصفها، تتَّخذ أشكالًا متعدِّدة، من التطهير العرقيّ إلى نظام الأبارتهايد، مرورا بمشروع محوٍ شاملٍ للهويَّة الفلسطينيَّة.

علّق كثيرون من الكتّاب والشعراء على خبر رحيله على أنه يوم حزين فقد فيه عالمنا العربي واحدا من أهم كتّابه المناضلين نصرةً لقضايا الانسان والفن والجمال. 
من أبرز أعمال الياس خوري نذكر: "أبواب المدينة"، "الوجود البيضاء"، "رحلة غاندي الصغير"، "باب الشمس"، "رائحة الصابون"، "يالو"، "سينالكول"، "أولاد الغيتو"