المصدر: وكالة الأنباء المركزية
الكاتب: يولا هاشم
الخميس 4 تموز 2024 16:51:05
دخلت التحركات والمناورات السياسية في فرنسا مراحلها الأخيرة قبل الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية المقررة الأحد المقبل. وانسحب أكثر من 200 مرشح من اليسار أو من معسكر الرئيس إيمانويل ماكرون لصالح منافسيهم من التيار الآخر لقطع الطريق أمام حزب التجمع الوطني ومنعه من الحصول على الأغلبية المطلقة. فيما يبقى السؤال المطروح عن الأطراف السياسية التي ستنجح في التحالف لتشكيل حكومة.
ويتخوف مراقبون سياسيون من ان وصول اليمين المتطرف بزعامة مارين لوبان الى السلطة في فرنسا سيعقبه مطالبة بالخروج من الاتحاد الاوروبي لان الفرنسيين يدفعون الضرائب في حين تستفيد منها شعوب غير فرنسية في دول الاتحاد ودول اخرى، مشيرين الى وجود صراع اساسي حول الخيار السياسي لفرنسا ومشروعها الخارجي والميل إلى عدم اعتماد سياسة التبعية في السياسة الخارجية لواشنطن، معتبرين ان فرنسا بعد هذه الانتخابات لن تكون كما قبلها. فكيف تبدو الصورة عشية الدورة الثانية للانتخابات؟
المرشح عن فرنسيي الخارج جوزف مكرزل، الذي اجتاز المرحلة الاولى عن الوسط الفرنسي يؤكد لـ"المركزية" ان "خروج فرنسا من اوروبا صعب، لكنها ستشهد تغييرات كبيرة لجهة القوانين التي ستُصاغ والمتعلقة بالسيادة الفرنسية، وتغيير في طريقة التعامل والتقبّل للقوانين الاوروبية في بعض الامور التي تتعلق بالصناعة والزراعة والبيئة وغيرها. بمعنى أصحّ سيصبح هناك تشدد أكبر أو مطالبة بسيادة اكبر لفرنسا بالنسبة لهم".
وهل تشدد اليمين المتطرف مع المهاجرين هو الحلّ، يجيب: "نعرف عبر العصور خطورة التقوقع وخطورة السيادة في غير محلها، اي ان تدفعنا المطالبة بسيادة أكبر الى التقوقع ورفض الآخرين. هذا الرفض يؤدي إجمالاً إلى مشاكل كبيرة مع المحيط. الخطر الأكبر الذي يهدد فرنسا في حال وصول اليمين المتطرف –لكنني لا أعتقد أنه سيصل- وحصوله على الغالبية المطلقة في البرلمان الفرنسي، أنه سيتشدد مع حاملي الجنسيات الأخرى او من يحمل جنسية فرنسية وأخرى أجنبية، وسيكون هناك تقييد أكبر لحرياتهم، او الاعتراف بهم كمواطنين فرنسيين كاملي الحقوق، ويمكنهم تبوؤ كل المناصب والمراكز. وهذا ما يطرح الكثير من علامات الاستفهام.
أما بالنسبة للفرنسيين الذين يحملون جنسيتين ويعيشون خارج فرنسا، فمن الممكن ان تُطبَّق عليهم قوانين موجودة في دول أخرى مثل انكلترا، بأن الاولاد الذين يولدون خارج فرنسا من الممكن ألا يتمكنوا من الحصول على الجنسية. سيصبح هناك الكثير من القيود، او بالاحرى سيكون هناك فرنسيون درجة اولى وآخرون درجة ثانية".
ألا يدلّ نجاح اليمين المتطرف في الدورة الاولى على رغبة الفرنسيين في التغيير؟ "الرغبة في التغيير طبيعية. لكن هل يعي الفرنسيون ماهية هذا التغيير؟ يمكن القول ان هناك فرنسيين أصبحوا أكثر فئوية او عنصرية، لكن ما يفاجئني ان الكثير من الجنسيات من المغرب والجزائر وتونس ولبنان الذين يحملون جنسيتين، عربية وافريقية، صوّتوا أيضاً لليمين المتطرف. اعتقد ان البعض لم يفهم بشكل صحيح ما هدف اليمين المتطرف، او ان هناك خللا بمكان ما في فهم او تفهم او قبول ما هو اليمين المتطرف بشكل صحيح. ويعتبرون بأن هذه الامور تُطبَّق على الآخرين وليس عليهم. وكأن القوانين التي ستُصاغ ستشمل استثناءات للبنانيين مثلاً. هناك "يوتوبيا" معينة لا أفهمها شخصيا".
وعن الرسالة التي يوجهها للفرنسيين خارج فرنسا يقول مكرزل: "في منطقتنا التي تضم لبنان والشرق الاوسط وافريقيا (ما عدا افريقيا الشمالية) نحن ضد اليسار المتطرف. رسالتي واضحة، ولن أتحدث عن مشاريع اليسار وتأثيرهم على الدور في فرنسا، لأنه سيكون لهم دور معين يلعبونه، لكن كفرنسيين خارج فرنسا، في منطقتنا او في مناطق أخرى، يتضمن برنامجهم فرض ضريبة على الفرنسيين الذين يعيشون خارج فرنسا، مثلهم مثل الفرنسي الذي يعيش على الاراضي الفرنسية. يدفع ضريبة في البلد المقيم فيها وأخرى فرنسية، والتي تطبقها بعض البلدان كالولايات المتحدة الاميركية. وبصراحة لا أعلم هذا الكمّ الذي صوّت لليسار في مناطقنا، وهل هم أنفسهم الذين يسألوننا كلما التقينا بهم عما إذا كان هذا القانون سيُطبّق؟ نقول لهم بأننا ضد هذا القانون. لكن اذا وصل اليسار فهو سيطبقه لأنه ضمن برنامجه. والامر ينطبق أيضاً على الفرنسيين من اصول عربية الذين يصوتون لليمين المتطرف".
ويضيف: "في بقية مناطق العالم كأميركا وغيرها، اعتقد ان اليمين المتطرف لن يصل الى السلطة إلا في بعض الاماكن المعينة. الصورة غير واضحة بعد. لكن يمكن للفرنسيين الذين يعيشون في الخارج ان يفكروا بأن القانون يطبق على الجميع إلا علينا، وهذا غير صحيح. اما بالنسبة للفرنسيين الأصيلين المقيمين في الاغتراب، الذين لا يحملون جنسيتين فهنا الموضوع مختلف، لأنهم يريدون تغييرا جذريا في فرنسا. جرَّبوا اليمين كما اليسار والوسط، ووجدوا ان هناك خللا ما، فقالوا لنجرّب التطرف، لكن هذه لعبة خطرة برأيي، لأن التغيير للتغيير امر خطير جدا لكل بلدان العالم، ونحن نعلم كم تكلفنا غاليا هذه الامور".
دعا الرئيس ماكرون لمواجهة اليمين المتطرف، فهل سينجح؟ "الصورة غير واضحة كلياً، لكن مع انسحاب البعض من الانتخابات، سيؤدي الى تغيير في التوازن بالنسبة لوصول اليمين المتطرف. اتصور ان الوسطيين سيحصلون على الغالبية، قد لا تكون مطلقة لكن غالبية في البرلمان مع تحالفات، وهذا الامر ديمقراطي، تُبعِد إمكانية استحواذ طرف واحد على الغالبية المطلقة والحكم بشكل مطلق في فرنسا. أرجح حصول تحالفات ككل بلدان العالم، وهذه التحالفات ستؤدي الى وصول غالبية معينة الى الحكم، لكن ليس من حزب واحد، ربما ما يشبه "حكومة الوحدة الوطنية" في لبنان".
ودعا مكرزل "كل الفرنسيين المقيمين في لبنان وفرنسيي الاغتراب للتصويت بكثافة. لا نحصل على ديمقراطية صحيحة اذا كانت النسبة 20 في المئة، بل يجب ان تتخطى الخمسين في المئة كي يكون التمثيل حقيقيا وديمقراطيا وصحيحا. بقي لديهم حتى السادسة من مساء اليوم للتصويت اونلاين. هناك مشاكل في التصويت الاونلاين لكن ادعوهم ألا ييأسوا وان يحاولوا أكثر من مرة، وإذا لم يستطيعوا فليتوجهوا الى السفارة الفرنسية او الى الليسيه الفرنسية في بيروت ويصوتوا في لبنان، وايضا في الدول الاخرى خارج لبنان التوجه الى المراكز والتصويت. المهم ان نعبّر عن أصواتنا الى اي جهة انتمينا، حتى لو بورقة بيضاء، كي نُبيّن ان فرنسيي الاغتراب مهتمون بالشأن الفرنسي وبسياسة فرنسا".