المصدر: المدن
الكاتب: وليد حسين
الاثنين 8 أيار 2023 16:46:31
أسبوع ثانٍ من شهر أيار ينقضي (آخر شهر في العام الدراسي لطلاب صفوف الشهادات الرسمية)، وما زالت أكبر ثلاث ثانويات رسمية في طرابلس مقفلة أمام الطلاب. ورغم وجود ثانويات عدّة في مختلف المناطق يقتصر فيها تعليم الطلاب على ضروريات اجتياز الامتحان الرسمي، إلا أن طرابلس كشفت الإشكالية التي وقعت فيها وزارة التربية في إجراء الامتحانات الرسمية، التي ستأتي على حساب نحو 400 طالب وطالبة في صفوف الثالث ثانوي، لم يتعلموا في المدينة منذ مطلع السنة الحالية، كما على حساب آلاف الطلاب في التعليم الرسمي لم يتعلموا منذ ثلاث سنوات.
تهديدات يتعرض لها الأساتذة
رغم كل الضغوط التي مارستها وزارة التربية، ما زال ما لا يقل عن 550 أستاذاً ومعلّمة ممتنعين عن التعليم في مختلف المناطق، والثقل الأكبر منهم في طرابلس، حيث يرفض المدراء التبليغ عن الأساتذة الممتنعين كما تطالب وزارة التربية. لا بل إن المدراء والأساتذة والطلاب تداعوا لتنظيم اعتصام يوم الأربعاء المقبل أمام المنطقة التربوية في طرابلس، لرفع الصوت ضد "الظلم" اللاحق بالمدينة، كما أكد الأساتذة.
في الأثناء، يحاول مدراء الضغط على الأساتذة المضربين من خلال تهديدات مبطنة بأنهم ملزمون بالتبليغ عنهم ليصار إلى معاقبتهم. وفيما سرت شائعات بين الأساتذة عن أن وزير التربية ضغط شخصياً لإعداد تقرير مفصل بالأساتذة الذين يحرضون على الإضراب، لمعاقبتهم، أكدت مصادر مطلعة أن جل ما حصل هو طلب مديرية التعليم الثانوي من المدراء إعداد تقرير أسبوعي بالأساتذة الممتنعين عن التعليم، لسد الثغرات.
لكن الشائعات التي انتشرت بين الأساتذة عن وجود لائحة من 125 استاذاً ومعلمة معرضون للتأديب، لم تأت من فراغ. فقد جرى الحديث عن معاقبة الأساتذة المحرضين على الإضراب، لكن لم يتخذ أي قرار بهذا الشأن، لأنه سيحول وزارة التربية إلى محكمة تفتيش. وبالتالي، طلبت الوزارة تسجيل أسماء الممتنعين كلهم، وقد بالغ مدراء في التعامل مع بعض الأساتذة، من خلال الإيهام لهم أن "رؤوسهم مطلوبة".
التخبط بالقرارات والتعاميم
تخبط الوزارة في قراراتها لمحاولة إعادة الأساتذة إلى التعليم اتضح من خلال إصدار تعميم على المدراء لاستخدام آلة البصم الإلكترونية، لمحاولة ضبط دوامات العمل في المدارس والثانويات، والتأكد من حضور الأساتذة. فقد تبين أن مدراء لا يسجلون أسماء أساتذة ممتنعين عن التعليم أو أساتذة لا يحضرون أربعة أيام بالأسبوع. ما أدى إلى زيادة الأعباء بما يتعلق باحتساب بدلات الإنتاجية، التي خصصت لمن يداوم بما لا يقل عن عشرة أيام بالشهر. لكن مدراء وصفوا التعميم بأنه عشوائي وينم عن عدم دراية بأبسط التفاصيل على الأرض. وعلى حد قول بعض المدراء، لا تدرك وزارة التربية أن ليس جميع المدارس مجهزة بالبصمة الإلكترونية وأن آلة البصم إما تعطلت سابقاً أو لا يوجد تيار كهربائي في المدارس.
رفض المشاركة بفلكلور الامتحانات
ورغم كل الضغوط، ما زال موقف الأساتذة الممتنعين، كما يؤكد عضو لجنة انتفاضة الكرامة صادق الحجيري، هو مواصلة الإضراب ورفض المشاركة في فلكور الامتحانات الرسمية. فتفكير المسؤولين في الوزارة منكب على الامتحانات كما لو أن التعليم ليس عملية تراكمية. لا يسألون كيف ينجح طالب من الأول ثانوي والثاني ثانوي من دون حصوله على الكفايات اللازمة للانتقال في مراحله التعليمية؟ لا يسألون عن ترفيع طالب إلى الصف الثالث ثانوي العام المقبل لم يتعلم أسس المواد، كحال الرياضيات، التي يدّرسها في عرسال منذ 28 عاماً، كما يقول.
ويشرح الحجيري أن الطلاب لم يتعلموا أسس المواد ولا يمكنهم الانتقال إلى الصف الأعلى من دون تعويض جدي. أما حلول التي تقدم عليها الوزارة فهي مدارس صيفية لا يشارك فيها الطلاب، كما حصل العام الفائت. بل جل ما حصل هو تسجيل أسماء طلاب في مشاريع وهمية، لاستقدام التمويل الدولي.
ويضيف الحجيري، الوزارة تريد منا التضحية وتعليم الطلاب ما تبقى من العام الدراسي، كما لو أن المشكلة بأن الأستاذ جاحد ولا يضحي. بينما مشكلة الأساتذة ليست في التضحية بل بمستقبل التربية. فالأساتذة لن يضحوا كي ينعم مسؤولون ينحصر همهم في كيفية تطبيق مشاريع وهمية لاستقطاب التمويل الدولي. هم يضحون تجاه طلابهم ويساعدونهم عندما يتواصلون معهم لشرح الدروس المطلوبة للامتحانات. لكنهم يرفضون أن يصبحوا شهود زور على ضرب التعليم الرسمي.
ويلفت الحجيري إلى أن الوزارة تهدد الأساتذة بإجراءات تأديبية وبحسم رواتبهم، فيما من يجب أن يحاسب هم المسؤولون أنفسهم على إيصال الأمور إلى الوضع الحالي. هم يهددون أن الطلاب سينزحون إلى التعليم الخاص العام المقبل، كما لو أن لا وجود للأستاذ في المعادلة التربوية. فالوزارة لم تسأل عن خسارة مئات الأساتذة الذين تركوا البلد للبحث عن فرص عمل لتأمين عيشهم. وتظن أن الأساتذة سيقبلون بكل شيء، غير مدركة أن عدد الأساتذة الذين سيتركون التعليم العام المقبل سيكون مضاعفاً.