انسحاب الوزراء الشيعة لم يُعطّل "تتمة" القرار الحاسم... مجلس الوزراء يقر أهداف ورقة برّاك ربطاً بخطة الجيش

لعل كثيرين لم يفاجأوا بكل المجريات التي شهدتها الجلسة الثانية لمجلس الوزراء التي عقدت أمس استكمالاً لجلسة اتخاذ القرار المفصلي الجراحي بحصرية السلاح بيد الدولة، والتي كان مقرراً أن تقر ورقة الموفد الأميركي توم برّاك أهدافاً ومراحل تنفيذية إيذاناً بمرحلة جديدة من شأنها تثبيت بسط سلطة الدولة وسيادتها، ووقف الأعمال العدائية وإنهاء كل وجود مسلّح غير شرعي، وانسحاب إسرائيل من النقاط الخمس وإعادة الجنوبيين إلى أراضيهم، وترسيم الحدود بين لبنان وكل من إسرائيل وسوريا.    

 

ذلك أن الجلسة الثانية أثبتت مرة جديدة أن ما كتب قد كتب دولياً وداخلياً، ولو كلفت الرحلة الشاقة لإقرار الخطط التنفيذية في مجلس الوزراء وبعدها على الأرض مواجهة تعقيدات من مثل ما حصل أمس عبر انسحاب الوزراء الشيعة التابعين للثنائي "أمل "و"حزب الله"، وكذلك الوزير الشيعي المستقل فادي مكي. ومع أن وتيرة التعبئة التي تولاها "حزب الله" ضد الرئيس نواف سلام بلغت ذروة الاحتدام قبيل الجلسة الثانية والاندفاع نحو جعل مجلس الوزراء يعلّق أي موقف إيجابي من ورقة برّاك، فإنها لم تنجح في تعطيل المسار المقرر، ومقاطعة الوزراء الشيعة لم يحل دون إقرار أهداف الورقة وترك البنود التنفيذية إلى ما بعد تقديم قيادة الجيش الخطة التنفيذية التي طلبها مجلس الوزراء. وبذلك جاء القرار الثاني لمجلس الوزراء متمماً للأول بصفته الجراحية المفصلية. ولعل العلامة الفارقة المواكبة لهذه التطورات والتي يتعيّن التوقف عندها، تتمثل في الفارق البارز في تصرف "الثنائي الشيعي" بالتعبير عن اعتراضه في الجلستين المتعاقبتين لمجلس الوزراء. فعلى رغم المناخ الساخن والمتوتر الذي طبع موقف الثنائي من قرار حصرية السلاح ومن ثم ورقة برّاك، لم يذهب الثنائي هذه المرة إلى تجربة خروجه واستقالة وزرائه من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة عام 2006 بل اكتفى بالاعتراض والانسحاب حصراً من الجلستين دون التسبب بأزمة حكومية.    

 

وقد حضر وزراء الثنائي الجلسة أمس التي انعقدت في القصر الجمهوري برئاسة رئيس الجمهورية جوزف عون وحضور رئيس الحكومة نواف سلام والوزراء. واقترح وزراء "الثنائي" أولاً تأجيل البت بملف السلاح إلى حين تقديم الجيش خطته قبل 31 آب، لكن هذا الطلب قوبل بالرفض من رئيس الحكومة نواف سلام ووزراؤه ووزراء القوات اللبنانية والكتائب والاشتراكي.

وسُمع وزير العمل محمد حيدر يقول من داخل مجلس الوزراء "ما منحكي بسلاح المقاومة قبل انسحاب العدو ووقف الاعتداءات وإعادة الإعمار".

وعُلم أن الرئيس سلام اقترح البدء ببحث الأهداف بالصفحة الأولى من ورقة توم برّاك واستكمال درس البنود في جلسات لاحقة، لكن وزراء "أمل" و"حزب الله" رفضوا وجرت محاولات حثيثة لإقناع وزراء "الثنائي" بعدم مغادرة الجلسة. وأفيد أن الوزير فادي مكي تمايز عن الوزراء الشيعة الآخرين مؤيداً اقتراح سلام مناقشة الأهداف في ورقة برّاك ولكن من دون أن تتخذ الحكومة قراراً في شأنها أمس، لكن سلام ووزراؤه ووزراء القوات والكتائب والاشتراكي رفضوا ذلك وأصر سلام على اصدار موقف من ورقة برّاك أمس. وحاول رئيس الجمهورية استيعاب موقف وزراء الثنائي من خلال إقناعهم برأي للرئيس سلام والوزيرين عادل نصار وبول مرقص بمناقشة أهداف ورقة برّاك وبتسجيل اعتراضهم على المحضر لكنهم رفضوا هذا المخرج وأصرّوا على الانسحاب. وبعد انسحابهم وانضمام الوزير فادي مكي إليهم قال مكي: أعطيت وجهة نظري وما يحصل حولنا خطير جداً وأكبر من أن نأخذ نحن فيه القرار، وأنا انسحبت من هذه الجلسة فقط ولم أعلّق مشاركتي في الحكومة". أما وزير العمل محمد حيدر، فقال: "انسحبنا من جلسة الحكومة بعد رفض تأجيل المناقشة بورقة توم برّاك حتى تقديم الجيش خطته في 31 آب، وأوضح "أننا طلبنا تأجيل النقاش حتى ما بعد نهاية الشهر الحالي فرفض رئيسا الجمهورية والحكومة، فانسحبنا، وأكد أن انسحابهم لا يعني انسحابهم من الحكومة بل فقط من الجلسة، وكان ذلك تعبيراً عن موقف وهذا لم يعطل مجلس الوزراء".

واستمرت الجلسة بعد انسحاب الوزراء الشيعة وأقرت بمن حضر أهداف ورقة برّاك، وأعلن وزير الإعلام بول مرقص، أن مجلس الوزراء استكمل النقاش في البند الأول من جلسته ووافق على الأهداف الواردة في مقدمة الورقة الأميركية بشأن تثبيت اتفاق وقف الأعمال العدائية، وذلك في ضوء التعديلات التي كان قد أدخلها المسؤولون اللبنانيون.

وتتضمن الورقة الأهداف التالية:

1-تنفيذ لبنان لوثيقة الوفاق الوطني المعروفة بـ"اتفاق الطائف" والدستور اللبناني وقرارات مجلس الأمن، وفي مقدمها القرار 1701 واتخاذ الخطوات الضرورية لبسط سيادته بالكامل على جميع أراضيه، بهدف تعزيز دور المؤسسات الشرعية، وتكريس السلطة الحصرية للدولة في اتخاذ قرارات الحرب والسلم، وضمان حصر حيازة السلاح بيد الدولة وحدها.

2-ضمان ديمومة وقف الأعمال العدائية، بما في ذلك جميع الانتهاكات البرية والجوية والبحرية، من خلال خطوات منهجية تؤدي إلى حل دائم وشامل ومضمون.

3- الانهاء التدريجي للوجود المسلح لجميع الجهات غير الحكومية، بما فيها "حزب الله"، في كل الأراضي اللبنانية، جنوب الليطاني وشماله، مع تقديم الدعم للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي.

4- نشر الجيش في المناطق الحدودية والمواقع الداخلية الأساسية، مع الدعم المناسب له وللقوى الأمنية.

5- انسحاب إسرائيل من "النقاط الخمس"، وتسوية قضايا الحدود والأسرى بالوسائل الديبلوماسية، من خلال مفاوضات غير مباشرة.

6- عودة المدنيين في القرى والبلدات الحدودية إلى منازلهم وممتلكاتهم.

7- ضمان انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية ووقف جميع الأعمال العدائية، بما في ذلك الانتهاكات البرية والجوية والبحرية.

8- ترسيم دائم ومرئي للحدود الدولية بين لبنان وإسرائيل.

9- ترسيم وتحديد دائم للحدود بين لبنان وسوريا.

10- عقد مؤتمر اقتصادي تشارك فيه الولايات المتحدة، وفرنسا، والمملكة العربية السعودية، وقطر، وغيرهم من أصدقاء لبنان لدعم الاقتصاد اللبناني وإعادة الإعمار ليعود لبنان بلداً مزدهراً وقابلاً للحياة، وفق ما دعا اليه الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

11- دعم دولي إضافي للأجهزة الأمنية اللبنانية، لا سيما الجيش، عبر تزويدها بالوسائل العسكرية الملائمة لتنفيذ بنود الاقتراح وضمان حماية لبنان.

ولفت مرقص إلى أن الرئيس جوزف عون كشف عن تلقيه اتصالات دولية لانطلاق جهود دولية وعربية لإنقاذ الاقتصاد اللبناني وهناك إجراءات للإعداد لها.

وبعد إقرار مجلس الوزراء لأهداف الورقة الأميركية، توجّه المبعوث الأميركي توم براك برسالة تهنئة إلى كلّ من الرئيس اللبناني جوزف عون ورئيس الحكومة نواف سلام، وكتب في منشور له على منصة "إكس":

"نهنّئ الرئيسين جوزف عون ونواف سلام، ومجلس الوزراء اللبناني على اتخاذ القرار التاريخي والجريء والصحيح هذا الأسبوع، للبدء في التنفيذ الكامل لاتفاق وقف الأعمال العدائية الموقع في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، وقرار مجلس الأمن رقم 1701، واتفاق الطائف".

وكانت "كتلة الوفاء للمقاومة" صعّدت حملتها العنيفة، فاتهمت "بعض أهل السلطة في لبنان بأنه ينساق، وراء الإملاءات الخارجيّة والضغوط الأميركيّة وينصاع لها غير آبهٍ لحسابات المصلحة الوطنيّة العليا ودواعي الوحدة الداخليّة التي تشكِّلُ الضمانة الأهمّ للبنان، وما تبنّي رئيس الحكومة لورقة الموفد الأميركي برّاك إلا دليلاً واضحاً على انقلابه على كلّ التعهُّدات التي التزم بها في بيانه الوزاري وتعارضها الجوهري مع ما جاء في خطاب القسم الذي أطلقه رئيس الجمهوريّة.

إنَّ كتلة الوفاء للمقاومة تدعو الحكومة اللبنانيّة إلى تصحيح ما أوقعت نفسها ولبنان فيه من الانزلاق إلى تلبية الطلبات الأميركيّة التي تصبُّ حكماً في مصلحة العدو الصهيوني وتضع لبنان في دائرة الوصاية الأميركيّة".

ولكن التطورات السياسية لم تحجب تطورات أمنية وميدانية، كان أبرزها إعلان الناطق الرسمي باسم "اليونيفيل" أندريا تيننتي أنه "في إطار أنشطتها الاعتيادية بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1701، وبالتنسيق الوثيق مع الجيش اللبناني، اكتشفت قوات اليونيفيل شبكة واسعة من الأنفاق المحصنة في محيط بلدات طير حرفا، زبقين، والناقورة". وأضاف: "شملت عددًا من المخابئ، وقطع مدفعية، وراجمات صواريخ متعددة، إلى جانب مئات القذائف والصواريخ، وألغام مضادة للدبابات، وعبوات

 

كذلك، نشر حساب "الجيش الفرنسي- العمليات العسكرية" على منصة "إكس" تغريدة جاء فيها، إن كتيبة فرنسية ضمن قوات حفظ السلام جنوب لبنان "اليونيفيل"، قوامها نحو 200 جندي، وبالتعاون مع الجيش اللبناني اكتشفت داخل مناطق قريبة جداً من الخط الأزرق أي جنوب نهر الليطاني، شبكة أنفاق وترسانة كبيرة من الأسلحة.

 

وفي غضون ذلك، صعّدت إسرائيل عمليات الاغتيال بشكل لافت في العمق اللبناني حيث كانت حصيلتها في البقاعين الأوسط والشمالي سبعة قتلى. واستهدفت مسيّرة سيارة بصاروخين قرب منزل في كفردان في البقاع الشمالي، وتبيّن أن المستهدف هو الدكتور في الكيمياء علاء هاني حيدر وكان يدرس ويعمل في ايران وقتل فيما كان يمر قرب السيارة. وقالت هيئة البث الإسرائيلية إن عنصراً من "حزب الله" قتل في ضربة لمسيّرة إسرائيلية استهدفت بلدة كفردان في البقاع.

وعصراً حصلت غارة أخرى استهدفت سيارة على طريق المصنع في البقاع سقط بنتيجتها ستة قتلى وتسعة جرحى لبنانيين وسوريين.