المصدر: المدن
الكاتب: خضر حسان
الجمعة 2 حزيران 2023 14:58:45
انتَزَعَ الصرّافون لأنفسهم مكانةً لم تكن حاضرة قبل الأزمة الاقتصادية والنقدية. وأدّى الارتفاع المتواصل للدولار إلى توسيع حركة البيع والشراء، وأوجَبَ التنافس بين الصرّافين إلى ابتداع خدمة الـ"ديلفري"، لاستقطاب دولارات الناس، فظهر صرّافو الشوارع.
على أنَّ جملة من المحطّات فرضت تراجع أعداد صرّافي الشوارع وانكفاء سوق الصرافة، بانتظار المُتغيّرات.
فورة الصرّافين وحملات الاعتقال
فورة الصرّافين ومضاربتهم على العملة والتلاعب بأسعارها، قابلها حملات اعتقال للكثير منهم كوسيلة لتخفيف احتقان الناس من تحليق أسعار الدولار. وهو الأسلوب الذي سيستمر اتّباعه حتى اللحظة، عند كل مرحلة حرجة من مراحل ارتفاع الدولار.
لم يستكن الصرّافون لوضعهم في الواجهة بوصفهم متلاعبين بأسعار الدولار، فكان التوافق الضمني بينهم وبين السلطة السياسية، على وضع الصرافين غير الشرعيين في الواجهة، ومنهم صرّافو الشوارع الذين تحوَّلَ بعضهم، بغطاء حزبي، إلى "رموز" في عالم الصرافة، من دون انقطاع الصلة بين الكثير من صرّافي الشوارع ومكاتب الصيرفة. فخدمة الديلفري تجمع الدولارات بالمفرَّق لصالح المكاتب.
الدولرة قلّصت حركة الصرافة
بين العام 2019 و2021 كانت معظم الأسعار في السوق مقوَّمة بالليرة وبهوامش أقل بكثير من سعر صرف الدولار، فنشطت حركة التبديل من الدولار إلى الليرة لكسب ليرات إضافية وزيادة حجم الاستهلاك. كما أن المضاربين على العملة استغلّوا ارتفاع حركة التبادل لتحقيق الأرباح. فضلاً عن تغذية مصرف لبنان لتلك الحركة عن طريق أرجحة أسعار الدولار لتشجيع الناس على التخلّي عن هذه العملة.
ومع اتجاه السوق إلى الدولرة وتشريع العملية من قِبَل بعض الوزارات مثل وزارة الاقتصاد، وفتح وزارة الطاقة المجال أمام الزبائن للدفع بالدولار على محطات المحروقات، وتحديد التجّار لأسعار السلع وفق معدّلات أعلى ممّا يسجّله السوق، بات استبدال الدولار بالليرة بلا قيمة، وأحياناً يُرَتِّب خسارة لحامله. فالحل كان الاحتفاظ بالدولار وعدم المغامرة لكسب فتات لم يعد له قيمة فعلية.
انعكس ذلك على تواجد الصرّافين في الشارع، فتقلّصت أعدادهم بنحو 50 بالمئة. فأرباحهم تراجعت لأن حركة التبديل التي كان يجريها الفرد منهم، نضبت من ألوف الدولارات يومياً إلى المئات. وفي المقابل، برزت الحاجة للحصول على فئات صغيرة من الدولار، كورقة الدولار الواحد والخمسة والعشرة دولارات. ومع ذلك، "تنتعش" من حين لآخر، أعمال هؤلاء الصرّافين مع قرارات سلامة التي ترفع أو تخفِّض الدولار بمستويات كبيرة، إذ تبرز الحاجة لكميات أكبر من الليرة. فإذا ارتفع سعر الدولار، يلجأ المواطنون إلى بيعه لكسب الربح، وإذا انخفض، يبيعونه أيضاً خوفاً من الخسارة. لكن الفوارق المتقاربة بين الأسعار، تعيد لجم حركة الصرافين.
بالتوازي، اختفت عمليات المراهنة التي كانت تديرها شبكات من الصرّافين. فنتائجها كانت كارثية للكثير من الشبّان، وبعضها انتهى بالانتحار أو تبادل إطلاق النار مع الآخرين، نتيجة خسارة مبالغ بمئات ملايين الليرات أو بألوف الدولارات النقدية.
العقوبات الأميركية وحزب الله
كان لانفلاش سوق الصرافة أبعاداً تتخطّى المضاربة واستفادة المحميين حزبياً. بل تصل إلى استعمال السوق غطاءً لتمويل حزب الله أو تحريك أمواله بعيداً من الرقابة الدولية. وأدّى ذلك إلى استهداف وزارة الخزانة الأميركية لصرّافين ورجال أعمال على صلة مباشرة وغير مباشرة بالحزب. وجاءت في هذا السياق العقوبات على الصرّاف والخبير المالي اللبناني حسن مقلّد، وشركته CTEX للصرافة، لأنه "يسهِّل الأنشطة المالية لحزب الله، ويلعب دوراً رئيسياً في تمكين الحزب من الاستمرار في استغلال الأزمة الاقتصادية في لبنان وتفاقمها"، حسب وزارة الخزانة، التي أكّدت أن مقلّد "اعترف علناً بدوره في عام 2016 كوسيط للمفاوضات بين البنك المركزي وحزب الله".
وإذا كان استهداف مقلّد قد ساهم في ضبط حركة الصرّافين، إلاّ أن العقوبات كان لها وقع معاكس بالنسبة لأسعار الدولار، فأدّت إلى إشعالها بسبب محاولات جمع الدولار من السوق تداركاً لأي انعكاس محتمل بفعل القرار، سواء على مقلّد والصرّافين المتعاملين معه، أو على السوق بشكل عام. فارتفع الدولار حينها من نحو 43 ألف ليرة إلى نحو 60 ألف ليرة.
بانتظار مغادرة سلامة
لم يكن هدف وزارة الخزانة خفض سعر الدولار في السوق. فالعوامل السياسية والاقتصادية وطباعة مصرف لبنان الليرة بشكل متواصل لتمويل نفقات الدولة، أدّت إلى تسارع ارتفاع سعر الدولار وصولاً إلى نحو 145 ألف ليرة، قبل معاودة الحاكم رياض سلامة ضخ الدولارات التي جَمَعها، فخفَّضَ الأسعار إلى نحو 100 ألف ليرة دفعة واحدة، ثم تدريجياً إلى نحو 94000 ليرة. لتصبح منصة صيرفة وليس الصرّافين، المؤمِّن الأبرز لدولارات المستوردين.
حالة شبه الثبات للأسعار منذ نحو شهرين بفعل ضخّ الحاكم للدولارات، تحمل معها ترقّباً لِما يمكن أن يحدث بعد انتهاء مدّة ولاية سلامة كحاكم للمركزي، في شهر تموز المقبل. فينتظر الصرّافون القانونيون وغير القانونيين، ما سيحدث. فإذا تقلّبت الأسعار بشكل متسارع، قد ينشط سوق الصرافة. ومع ذلك، لا يتوقّع الصرافون عودة النشاط كالسابق، لأن الدولرة هي الضابط الأبرز لتلك الحركة.