انهيار إمبراطوريّة قاسم سليماني

في جلسة خاصّة عُقدت في البرلمان العراقي، توجّه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الخارج من صفوف كتلة أحزاب "الإطار التنسيقي" المنبثقة من "الحشد الشعبي" وحلفائه، إلى البرلمانيين الذين كانوا يدعون إلى تدخّل عسكري عراقي في الأحداث الدائرة في سوريا، تارة تحت شعار محاربة الإرهاب قبل أن يصل إلى العراق، وطوراً تحت شعار الدفاع عن المراقد والمواقع الدينية للطائفة الشيعية. نُقل حسب مصادر عراقية عن السوداني قوله: "اسمعوها منّي لن آخذ 45 مليون عراقي إلى الحرب من أجل الانفعالات. ولن أزجّ بالعراق في حرب ومتاهة لا نعرف نهايتها". أضاف: "إن مسؤوليّتي أولاً حماية الشعب، وإذا تمّ زجّ العراق في هذه الحرب سنخسر كلّ شيء، فتقبلوا الأمر الواقع. هناك دولة عظمى واحدة الآن هي أميركا".

طبعاً كان السوداني -الذي يتحدّث- مسؤولاً، يشكّ المراقبون بقربه من الأحزاب والقوى الشيعية المقرّبة من إيران، وبالخدمات "الجُلَّى" التي قدّمها لإيران، لكنّ المراقبين لا يشكّكون بعقلانيّته وعقله البارد والواقعي لاسيّما أن المنطقة تتعرض لزلزال جيوسياسي تاريخي منذ أن تورطت إيران بعملية "طوفان الأقصى" وفق حسابات يتبين كل يوم أنها كارثية عليها وعلى جناحها "الثوري". أما الرؤوس الحامية التي كانت تدعو لتوريط العراق بحرب في سوريا فمعلوم انتماؤهم، وأجندتهم الإقليمية. فبعدما دمّر قطاع غزة بأهله كنتيجة لعملية "طوفان الأقصى"، جرى تقويض أهم أذرع إيران في المنطقة أي "حزب الله" في حرب قصمت ظهره، وأدت وستؤدي مستقبلاً إلى نزع سلاحه بالكامل ودفعه إلى تغيير طبيعته ووظيفته الخارجية. ومع سقوط حلب، ثم حماة، واشتداد الخطر العسكري على مدينة حمص الاستراتيجية كونها عقدة الوصل بين العاصمة دمشق ومنطقة الساحل السوري، قد تكون سوريا على موعد مع الزلزال الجيوسياسي الذي نتحدث عنه. وقد تكون هي الساحة التي يتمظهر فيها الزلزال المشار إليه ومحطتها الأخيرة تقويض السياسة التوسعية الإيرانية، أو ما يسمّيه البعض "إمبراطورية قاسم سليماني". فمشهد تحطيم حركة "حماس" في غزة بعد إغراقها بحمام دم، ثم تحطيم البعد العسكري الاستراتيجي لـ"حزب الله " في لبنان بعد تدمير قسم كبير من ماكينته العسكرية ودفعه للإذعان لاتفاق وقف إطلاق للنار مذلّ ويتضمن إقراراً بنزع سلاحه ليس في الجنوب اللبناني بل في كل لبنان، وبعدما تركت "هيئة تحرير الشام" تتحرك من إدلب إلى حلب ثم حماة من دون أن تثير معارضة جدية أميركية، أوروبية والأهم إسرائيلية، يمكن القول إن المسألة كبيرة وإيران تتعرض لأكبر ضربة في المنطقة منذ العام 2003.

انهارت "وحدة الساحات" في كل مكان. حتى في العراق أدرك حلفاء طهران أن ثمّة حدوداً لا يمكن تخطيها إذا ما تبين أن واشنطن، التي فتحت سياساتها وحروبها في الشرق الأوسط بعد هجمات 9/11، قررت أخيراً أن تنهي التمدّد الإيراني باعتباره لم يعد مشكلة تهدد الكيانات العربية فحسب، بل أصبح خطراً داهماً على وجود إسرائيل وعلى مصالح الغرب العليا في غربي القارة الآسيوية.

ومن هنا لم نسمع أن المرجع علي السيستاني أصدر فتوى بخصوص التدخل في سوريا. كما لم نرَ أنّ الفصائل العراقية التي حشدت قوات على الحدود متوعدة بالدخول إلى سوريا نفذت وعيدها. فالاشتباك الذي حصل في دير الزور قبل ثلاثة أيام، واستهداف قافلة للفصائل العراقية كانت تحاول العبور نحو مدينة البوكمال من قبل قوات التحالف الدولي (الأميركيين) فُهم منهما أن واشنطن رسمت خطاً أحمرَ عند الحدود العراقية – السورية. فالهدف هو طيّ صفحة "وحدة الساحات" وإغلاق "الكوريدور" أو الممر الإيراني الذي يربط بين طهران وبغداد ودمشق وبيروت وصولاً إلى غزة والضفة الغربية. وما نراه الآن هو ربما بداية نهاية التمدّد الإيراني في المشرق العربي. أمّا كيف سينتهي، إن كان القرار الأميركي يقضي بإنهائه بشكل كامل، فغير واضح نظراً لتسارع الأحداث وانهيار الخطوط الحمر في كل مكان.

يبقى أن نراقب الإشارات الإسرائيلية، وقد تحدثت "القناة 12" حرفياً عن "تقرير عن هجوم إسرائيلي كبير غير عادي شمال دمشق في سوريا. ويبدو أنه هجوم على أسلحة لا تريد إسرائيل أن تصل إلى أيدي فصائل المعارضة وألّا تكون بأيدي السوريين". فهل معنى هذا أنّ تل أبيب وضعت في حساباتها إمكانية انهيار في دمشق؟ وهل الهجوم حصل بسبب الخوف من الفصائل المعارضة وحدها؟ أم أن في الحسابات إمكانية أن تسقط الأسلحة (النوعية) بيد بقايا الفصائل الإيرانية في سوريا؟ أيّاً يكن من أمر فإنّ "إمبراطورية قاسم سليماني" انتهت.