بابا السلام يُغادر... ولهيب الحرب يطرق الأبواب

تمت زيارة البابا لاوون الرابع عشر إلى لبنان كما كان مخططًا لها. وأثبت هذا البلد أنه منبر لكل مسيحي وحرّ في الشرق. استقبل الشعب قداسته أفضل استقبال وهو الذي يزورنا وقلبه على شعبنا الذي لم يعرف الراحة منذ 50 سنة.

من المطار إلى بعبدا والسفارة البابوية ودير عنايا وبكركي وساحة الشهداء ودير الصليب والمرفأ وصولًا إلى اختتام الزيارة بالقدّاس الإلهي في العاصمة، محطات ستبقى محفورة في ذاكرة كل لبناني. زيارة بابويّة ناجحة بالعلامة الكاملة وتعطي الأمل بالمستقبل.

قال قداسة البابا كل ما يدور في فكره، وكان تركيزه على الشباب والصمود والتمسّك بالأرض والوطن، وكرّر عبارة "طوبى لصانعي السلام" في كل مناسبة، وعلى الرغم من محاولة استغلال البعض للزيارة لتلميع صورته إلا أن كل الأمور واضحة بالنسبة للكرسي الرسولي ولا تحمل أي التباس.

وقف البابا أمام عشرات الآلاف في بيروت، متوجهً إلى الشعب اللبناني والعالم للحفاظ على لبنان التنوّع والرسالة، وأرسل رسائل في اتجاهات عدّة، لعلّ الداخل والخارج يستجيب لعباراته الواضحة والصريحة وأيضًا لما يكمن بين السطور.

انتهت الزيارة وعاد البابا إلى الفاتيكان وسيتابع الملف اللبناني، لكن الوضع اللبناني يحتاج إلى معجزة وأكثر. "حزب الله" حاول في اليوم الأوّل خطف المشهد على طريق المطار والإيحاء بأنه من صانعي السلام، واستفاد من مساندة قسم من الدولة له ونقل وجهة نظره المختلفة كليًا عما يريده الشعب اللبناني.

وإذا كان "حزب الله" مهتم بزيارة البابا وبسعيه إلى السلام، فالجميع يتذكّر كيف دخل "الحزب" حرب الإسناد وورّط أهل الجنوب والشيعة وكل لبنان، ولا يزال يعاند مسألة حصر السلاح بيد الدولة ويتمسّك به مانعًا الحكومة من تنفيذ خططها، وبالتالي، سافر البابا من المطار واستكمل "الحزب" انشطته الترميميّة كما يدعي استعداًا لجولة جديدة من العنف والدمار.

وإذا كان المسؤولون في الدولة قد رحّبوا بالبابا أشدّ ترحيب وأتموا الواجب البروتوكولي حتى النهاية ونجحوا، يبقى الأهم ماذا سيفعلون بعد هذه الزيارة؟ هل سيدعون مجلس الوزراء إلى اجتماع طارئ لإعادة التأكيد على خطة نزع السلاح التي لم تطبّق تحت حجّة عدم انسحاب إسرائيل من النقاط الخمس المحتلة؟ أو أنهم سيستمرّون بسياسة تغطية "حزب الله" والخوف منه وعدم قدرتهم على تمكين الدولة من استعادة سيادتها؟

يُعتبر تلكؤ السلطة السياسية واستمرار مسايرتها لـ "حزب الله"، فصلًا آخر من جرّ لبنان نحو حرب مع إسرائيل، بينما لو قامت الدولة بأدنى واجباتها وسحبت الذريعة الأمنية والعسكرية لكانت جنبت البلاد أي حرب جديدة، فدولة فاقدة سيادتها لا يمكنها صون البلد ومخاطبة المجتمع العربي والدولي.

رحّب "حزب الله" والمسؤولون في الدولة أحرّ ترحيب بالبابا، لكنهم سمعوا أقواله ولن يفعلوا أفعاله. ومن جهة ثانية، يُنتظر كيف سيتحرّك قداسة البابا بعد اختتام زيارته إلى لبنان وما هي الخطوات التي سيتخذها.

يعمل الفاتيكان في الشق الديني والروحي وهذا الأمر يتابعه مع الكنيسة، أما بالنسبة إلى الشق السياسي فيحتاج إلى متابعة مهمّة. دولة الفاتيكان وما يملكه البابا من مكانة عالمية يعتبر من القوى المؤثرة في السياسة العالمية، لكنه يعمل بصمت وهدوء ودون ضجيج وبروباغندا.

ويُنتظر أن يتطوّر كلام البابا  إلى مبادرة، ربما تحصل بتنسيق مع فرنسا والولايات المتحدة الأميركية، وهذه المبادرة ستصبّ في مصلحة السلام في لبنان والمنطقة وتكون مدخلًا لاستقرار دائم يفتقده لبنان رسميًا منذ عام 1975.

تتجه الأمور في لبنان إلى التصعيد. إسرائيل لن تسمح باستمرار تسليح "حزب الله" ودعمه من إيران، و"الحزب" ينفذ الأجندة الإيرانية ولا مشكلة له في جرّ البلد إلى حرب جديدة، وبالتالي الأيام المقبلة ستكون مصيريّة وحاسمة ومقلقة.