باراك رمى كرة النار في بيروت.. الكل يفكر في قلب الطاولة ولكن

بجملةٍ واحدة، اختصر السيناتور الأميركي ليندسي غراهام خلاصة الموقف الأميركي من الوضع اللبناني-الإسرائيلي: لا انسحاب من جنوب لبنان قبل نزع سلاح حزب الله بالكامل.

المعادلة في غاية الوضوح، وكان نتنياهو قد استبقها في بيانه "الدبلوماسي". حتى الكلام الذي أدلى به الموفد توم باراك كان واضحاً، إذ طرح فكرة المنطقة الاقتصادية وتوفير فرص عمل لعناصر حزب الله الذين سيتخلّون عن السلاح؛ وهو تأكيد متجدّد على أن الهدف يتصل بنزع سلاح الحزب بالكامل وتقديم الإغراءات أو البدائل للمقاتلين والعناصر. والتزم جميع أعضاء الوفد الأميركي التشديد على دعم لبنان في تطبيق قرارات الحكومة، ما يعني أن هذه القرارات يجب أن تُطبَّق وإلّا فلن يكون هناك أي تغيير أو مساعدات. أمّا الخلاصة التي تتكوّن في لبنان فهي أن إسرائيل تريد وضع الدولة اللبنانية والجيش في مواجهة حزب الله والعمل على سحب سلاحه.

سيقود ذلك إلى جملة احتمالات: أولها إمكان الوصول إلى تفاهم بين حزب الله والدولة اللبنانية على آلية لتسليم السلاح، أو ما يسمّيه الحزب "الاستراتيجية الدفاعية". وقد قال باراك إن تسليم السلاح ليس بالضرورة أن يتم بالقوة، بل من خلال إقناع حزب الله. ثانيها أن يتواصل الضغط على الحكومة اللبنانية والجيش لأجل تطبيق القرار، وطالما أن حزب الله يرفض ذلك فإن الصدام سيحصل بشكل متدرّج؛ يبدأ بتصعيد الموقف السياسي من الحزب، مروراً بتحريك الشارع، وصولاً إلى نزول الأهالي لمنع الجيش من سحب السلاح. ثالثها أن تستأنف تل أبيب عملياتها العسكرية على مختلف الأراضي اللبنانية.

وضع الموقف الأميركي الواضح الجميع في الزاوية. حتى حزب الله، الذي كان قد لوّح بتحرّكات في الشارع ثمّ عمل على تأجيلها أو إلغائها، قد يعود إليها ولكن ضمن تحرّك متدرّج لتغيير الوقائع السياسية إن تمكّن من ذلك. وتختلف المقاربات لحقيقة موقف حزب الله. فالبعض يعتبر أن الحزب اتخذ قراراً حاسماً بعدم التعاطي مع قرار الحكومة والضغط للتراجع عنه، وأنه يفكّر في كل الخيارات التي سيلجأ إليها لقلب الطاولة؛ وفي المقابل، يرى آخرون أن الحزب يصعّد سياسياً وكلامياً فقط، لكنه غير قادر على تغيير الوقائع ولا على مجابهة الظروف، وأنه لو كان قادراً على ذلك لفعله لحظة اتخاذ القرار. ويستند هؤلاء إلى تجارب سابقة، لا سيّما في 7 أيار 2008.

جملة أخرى اختصر فيها مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية علي خامنئي الوضع أيضاً، إذ قال إن هناك استعصاء في التفاوض مع الأميركيين، وإنه لا يمكن القبول بالشروط التي يفرضونها. يبدو ذلك كأنه استعداد لارتفاع منسوب التوتر والتصعيد بين إيران وإسرائيل نتيجة انسداد أفق المفاوضات الأميركية-الإيرانية. وهذا لا يمكن فصله عن جولة عدد من المسؤولين الإيرانيين على دول المنطقة، ولا سيّما العراق وبيروت، مع مواقف واضحة تشير إلى أن إيران تعمل على تجميع كل أوراقها الإقليمية استعداداً لمواجهة قد تندلع في أي لحظة. في هذا السياق أيضاً، تندرج تصريحات مسؤولين في الحرس الثوري الإيراني عن فشل خطة الحكومة اللبنانية لسحب سلاح حزب الله، والتأكيدات بأن طهران ستواصل دعم حزب الله.

كل هذه المواقف تشير إلى أن المنطقة مقبلة على مزيد من التوترات أو المواجهات؛ إمّا داخل حدود كل دولة سياسياً وشعبياً، أو حتى أمنياً وعسكرياً، وإمّا أن تكون المواجهة أوسع فتعود إيران من خلالها إلى إحياء منطق "وحدة الجبهات"، والحاجة إلى قلب الطاولة على كل الوقائع التي يجري تكريسها، عبر خوض حرب واسعة ضد إسرائيل يشارك فيها حلفاؤها وتسعى فيها إلى توجيه ضربات قوية لإسرائيل عبر أكثر من جبهة، ثمّ تعود بعدها إلى طاولة المفاوضات مع الأميركيين.

عملياً، قد لا يكون خيار العودة إلى الحرب بالنسبة إلى حزب الله أمراً مستبعداً؛ فهو حتماً يريد تجنّب أي صدام داخلي. وفي حال استعصاء الوضع السياسي ودخوله في حالة جمود أو مواجهات مستمرة ومتنقّلة لمنع الحكومة من تنفيذ قرارها، يمكن حينها أن يكون الخيار فتح المواجهة ضد إسرائيل، على الرغم من كل مصاعبها وأكلافها. عندئذٍ سيبحث الحزب عن آلية للردّ على كل الضغوط التي يتعرّض لها سياسياً، من خلال إعلان تعبئة عامة لمواجهة الاحتلال وتوجيه ضربات ضد القوات الإسرائيلية التي تحتل أراضي لبنانية.

رُميت الكرة في الملعب اللبناني مجدّداً. واشنطن وتل أبيب ستنتظران كيف ستتصرف الحكومة، وكذلك حزب الله الذي يعتبر أن الوفد الأميركي عبّر بوضوح عن الوقوف إلى جانب إسرائيل وتبنّي وجهة نظرها كاملة. ويعتبر الحزب أنه لا بدّ لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة من أن يقرّرا مواصلة السير في تطبيق الخطة التي أُقرّت أم التراجع عنها؛ وبناءً على ما سيتقرر، سيتخذ حزب الله قراره بالتصعيد سياسياً وشعبياً. أمّا اللجوء إلى خيار التصعيد الأوسع مع إسرائيل فسيكون تبعاً لتطوّر الأوضاع الإقليمية ومسار التفاوض الأميركي-الإيراني.