المصدر: المدن
الكاتب: حسن فقيه
الاثنين 25 آب 2025 14:44:53
لبنان على موعد مع زيارة مفصلية جديدة للموفد الأميركي توم برّاك وشريكته في العمل الدبلوماسي مورغان أورتاغوس، اللذين يصلان إلى بيروت بعد ظهر اليوم. وتختلف هذه الزيارة في مضامينها قليلاً عن الزيارات السابقة، إذ تأتي بعدما أحرز لبنان خطوة مهمة في إطار الاتفاق عبر اتخاذ قرار حكومي يقضي بتجريد حزب الله من سلاحه، الأمر الذي أثار توتراً داخلياً، وبرز بشكل خاص بين الحزب والرئاستين الأولى والثالثة.
وفي ظل هذا المشهد المتشابك، يترقب لبنان رداً أميركياً إسرائيلياً يتجاوب مع الخطوة اللبنانية، ويمهد لانسحاب إسرائيل من النقاط التي تحتلها، ويعلن بداية نهاية الأزمة التي قاربت العامين. فهل توحي هذه البوادر بتفاؤل في الأفق، أم أنها تعكس أجواءً مشحونة بالقلق والتشاؤم؟
ماذا تريد أميركا من لبنان ؟
تسريبات إعلامية كانت قد تحدثت عن نية إسرائيلية بإقامة منطقة عازلة في جنوب لبنان تشمل 14 قرية، إلا أن نفياً جاء على لسان الرئاسة الأولى، مفاده أن لبنان لم يتبلغ شيئاً بعد. إلا أنه، وكما في كل الزيارات السابقة، تشخص الأنظار نحو مقر الرئاسة الثانية في عين التينة، لأسباب أهمها أن الرئيس نبيه بري معني أساسي بالأمر، وهو الحليف الأقرب لحزب الله، لا بل صاحب القرار المفصلي، خصوصاً أنه مهندس اتفاق وقف إطلاق النار، الذي بموجبه انتهت الحرب الإسرائيلية على لبنان.
مصادر سياسية رفيعة مطلعة على أجواء عين التينة قالت لـ"المدن" إن السؤال الأبرز الذي يتردد هناك هو: "ماذا تريد أميركا من لبنان؟"، فهي راعية اتفاق وقف إطلاق النار بموجب القرار الأممي 1701، وكيف لراعية هذا القرار أن تسعى جاهدة لعدم التمديد لقوات الطوارئ الدولية (اليونيفيل) العاملة في جنوب لبنان، والتي تعتبر متراساً أساسياً لاستقرار الأوضاع عند الحدود اللبنانية الفلسطينية؟
فالقرار 1701 عماده 15 ألف جندي من اليونيفيل، ومن يسعى إلى إخراج اليونيفيل في هذا التوقيت تحديداً من جنوب لبنان، فإنه لا يسعى إلى إنهاء الأزمة. وتضيف المصادر أن الرئاسة الثانية وحزب الله لم يتبلغا بشيء حتى الساعة، وينتظران الزيارة، لكنهما يدركان جيداً أن أي خطوة ناقصة من جانب إسرائيل تعني تجميد مفاعيل قرار الحكومة، وتقييد الدولة، وإفراغها من الحجج التي على أساسها اتخذت القرارات في ما خص حصرية السلاح وورقة براك.
أهمية ضمانات الوفد الأميركي
وتؤكد المصادر أنه في حال عاد الوفد الأميركي هذه المرة دون الحصول على ضمانات لوقف الأعمال العدائية والانسحاب الإسرائيلي، فذلك يعني بطلان الاتفاق وتجميد الحلول، لأن أي اتفاق يحتاج إلى طرفين، وإذا تخلى أحد الطرفين عن التزاماته، فلا يمكن للآخر أن يسير وحيداً. أي إن الحكومة اللبنانية لا تستطيع السير في خطة تجريد حزب الله من سلاحه ما لم تنتزع واشنطن من إسرائيل موافقتها على الانسحاب ووقف الخروقات.
وتلفت المصادر إلى أن ما تقوم به الولايات المتحدة لا يبشر بسعيها إلى إيجاد حلول. فهي رمت في ملعب اللبنانيين كرة النار، ودفعت الحكومة إلى اتخاذ قرار بجدول زمني أشعل الوضع الداخلي، بينما لم تضمن أي شيء من إسرائيل.
وحول نية إسرائيل إقامة منطقة عازلة في جنوب لبنان، تؤكد المصادر أن هذا الكلام انتشر في الإعلام، ولا حاجة للتعليق عليه؛ فالموقف اللبناني واضح، ونيات إسرائيل واضحة، وعلى إسرائيل الانسحاب من كل الأراضي اللبنانية، ووقف الخروقات، وترك لبنان لشأنه الداخلي ومؤسساته الرسمية.
الاجتماعات المشتركة وملف إعادة الإعمار
وتلفت المصادر أيضاً في حديثها لـ"المدن" إلى أن الاجتماعات ستكون مشتركة بنسبة كبيرة، ما يعني أن الوفد الأميركي المؤلف من أعضاء الكونغرس، والذي سيجتمع بالرؤساء الثلاثة، سينضم إليه برّاك وأورتاغوس. وهنا تلمح المصادر إلى أن هذا الأمر ينبه إلى أن عدم وجود جديد. فبالرغم من أن أعضاء الكونغرس أعلى من الموفدين تراتبياً، فإن لقاءات الموفدين عادة ما تكون مستقلة عن غيرها. أي إننا قد نكون أمام مماطلة أخرى، ولو أن هذا يبقى في إطار التخمين. وهنا تشير المصادر إلى الأنباء التي تحدثت عن نية ترامب إقامة منطقة اقتصادية في جنوب لبنان، ودعوة دول الخليج للمساعدة في إعادة الإعمار، فكل هذه المسائل تترابط، ولكن لا تقدم متوقعاً في ظل التعنت الإسرائيلي. وتلفت أيضاَ إلى أن رئيس المجلس يركز في كل لقاء على إعادة الإعمار، لأن لا حل مقبول إذا لم يضمن عودة أبناء الجنوب إلى قراهم المدمرة، والمباشرة بعملية الإعمار وإنعاش الحياة.
وبالتالي، ما سيحققه برّاك هذه المرة هو في غاية الأهمية. فإما أن يبرهن نجاح مبدأ "الخطوة بخطوة"، وإما أن يترجم صوابية نظرة الثنائي بأن الحكومة استعجلت في قرارها المتعلق بحصرية السلاح قبل التحقق من النيات الإسرائيلية.
موقف حزب الله والحكومة
وفي هذا الإطار، أكدت مصادر سياسية مقربة من حزب الله أن الحزب ليس في وارد التسليم بالنيات، ولن يخطو أي خطوة في موضوع حصرية السلاح قبل انسحاب إسرائيل. وإذا كان رد برّاك سلبيّاً، فعلى الحكومة أن تتراجع بشكل فوري عن المهل الزمنية التي وضعتها؛ لأن عدم التراجع يعني أنها سلّمت رأس لبنان تماماً لإسرائيل التي تتفلت بشكل علني من أي اتفاق.
وتشير المصادر إلى أن الحزب لن يكون متعاوناً مع الرئاستين الأولى والثالثة إلا في حال التراجع عن المهل الزمنية، وانتظار رد إيجابي من إسرائيل حول الانسحاب ووقف الاعتداءات.
الانتظار والترقب
كل المؤشرات تؤكد سخونة المشهد اللبناني والترقب المشحون لزيارة الوفد الأميركي وما سيحمله من رد إسرائيلي. عندذاك، إما أن يثبت واقع الحكومة صحة نظرية "الخطوة بخطوة"، مع التأكيد أن العبرة في التنفيذ والالتزام الكامل بأي اتفاق تكون إسرائيل طرفاً فيه، أو أن يُبرهن الواقع على وجهة نظر الثنائي التي تقول إن الثقة المفرطة في إمكان قيام واشنطن بإجبار إسرائيل على وقف اعتداءاتها هي خطأ تاريخي سيكلف لبنان الكثير.
وإذا عاد برّاك بردّ سلبي أو بمزيد من المطالب، فكيف ستتخذ الحكومة اللبنانية موقفها تجاه ثنائي "أمل – حزب الله"؟ ولكن، من يدري؟ ربما يحمل برّاك في جعبته أخباراً إيجابية تسجل نقطة للعهد والحكومة، وربما يؤجل النقاش لمزيد من التفاوض ومحاولات الإقناع. وربما، في خضم هذه الدوامة السياسية، يظل لبنان محاصراً بين الترقب والتحديات، فيما ثمن الصراع كله يقع على كاهل قراه الحدودية المدمرة، وعلى شعبه المنهك اقتصادياً واجتماعياً، الذي يقف اليوم على مفترق طريق حاسم لا مكان فيه إلا للقرار الحاسم والتنفيذ الصادق.