باريس وواشنطن: تبادل أدوار والهدف لا إعمار دون نزع السلاح!

في مشهدية يبدو أنها أصبحت من ثوابت التعاطي مع لبنان، على ضوء الاستحقاقات الملزمة لا سيما المتعلقة بنزع سلاح «حزب الله»، وقبل أشهر الانتخابات النيابية المقبلة، تتمحور زيارات الموفدين الدوليين إلى بيروت؛ فبعد زيارة المبعوث الرئاسي الأميركي «توم برّاك»، وزميلته «مورغان أورتاغوس»، حطّ الموفد الرئاسي الفرنسي «جان إيف لودريان» رحاله في بيروت على خلفية اطّلاعه بعمق الدهاليز اللبنانية، وإن حملت كل مرة عناوين ومضامين اختلفت من زيارة لأخرى.
لكنّ زيارته الأخيرة ربما تكتسب زخما مضاعفا، ليس فقط بسبب التكامل بين الدور الأميركي الهادف، والمرتكز على «ملف السلاح» خارج سلطة الدولة اللبنانية حصرا، والدور الفرنسي الذي يستعدّ لمرحلة ما بعد «حصرية السلاح»، ولكن أيضا لأنها بحثت للمرة الأولى حسب المصادر المواكبة في الاجراءات العملية على قاعدة المقايضة، بمعنى إذا أراد لبنان أن يأخذ فعليه أن يعطي.
ان رسالة باريس واضحة هذه المرة، وتبيّن الأهداف بلا تسويف أو تحليل للعبارات، فلا إعمار بلا أمن ذاتي، ولا أمن بدون مؤسسات حكومية تستطيع فرض سلطتها، ولا ثقة بالدولة ان لم تعمل على ردم هوة الثقة بضرب الفساد والعمل على إصلاحات قابلة للتماهي مع الرسائل الفرنسية - الأميركية والثوابت التي انطلقت منها أسباب الزيارات للعمل على تحقيق الأهداف.
من هنا، تأتي زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي «جان إيف لودريان» في محاولة لتثبيت معادلة إصلاحات شاملة مقابل دعم مدروس. أي أن باريس ستؤمّن غطاء سياسيا وعمليا لعقد مؤتمرين؛ «الأول لدعم الجيش وتمكينه لوجستيا من إتمام مهمته، والثاني للإعمار بما يتناسب والخطة المرتبطة بمشروع ترامب الاقتصادي»، بمعنى أن إعادة إعمار قرى الحافة الأمامية قد لا يشملها الغطاء الفرنسي.
لودريان كان واضحا في كلامه مع المسؤولين اللبنانيين؛ بأن أي مسارا مطلوبا عليه أن يتزامن مع مسار التزام الحكومة اللبنانية بإجراءات تسدّ الثغرات المزمنة التي قوضت الثقة خلال السنوات المنصرمة.
ان مساعي فرنسا تبدو ضعيفة في تحقيق النتائج بفعل الخروقات الإسرائيلية التي واكبت زيارة لودريان من خلال رفع وتيرة الاستهدافات والخروقات، في رسالة جلية ومباشرة يُفهم منها أن حكومة «تل أبيب» تضع «فيتو» على أي خطوات إيجابية إزاء لبنان حتى ولو نفذ كل أجندة «الورقة الأميركية» المطلوبة، لأنه وبحسب مصادر مواكبة: «يبدو أن كيان الاحتلال قد اتخذ قراراً بخطة لا عودة عنها ضمن مشروع توسّعه تحت مسمّى أسرائيل الكبرى».
من هنا، لا بد من قراءة مترويّة للزيارة وأهدافها، التي قد لا تصل إلى حد إعلان خريطة طريق دولية لدعم لبنان، كما يحاول البعض تصويرها، باعتبار أن المجتمع الدولي لن يكتفي بـ«مبادرات حسن النية»، بل ينتظر إجراءات ملموسة، سواء على مستوى حصرية السلاح، أو ​الإصلاحات الاقتصادية​ والمالية، وأكثر من ذلك الذهاب الى مفاوضات مباشرة مع كيان الاحتلال لتسوية نقاط النزاع وهذا يعني البدء التدريجي بتطبيق «خطة ابراهام التطبيعية» في المنطقة، وهو المطلوب بحسب المصادر على المستوى الأمني.
في كل الحالات، يمكن استخلاص نتيجة واحدة مما يجري عمليا على مستوى الزيارات وتوخي نتائجها عبر تبادل الأدوار، ان شعارات المستقبل بلبنان مزدهر لا تبدو حقيقة إذا ما تلازمت الرؤية الدولية مع النوايا الإسرائيلية، وان نزع السلاح ليس سوى مدخلا للإخضاع والارتهان حسب المصادر.