المصدر: نداء الوطن
الكاتب: نجم الهاشم
السبت 20 نيسان 2024 08:45:15
في 3 نيسان الحالي اختفى محمد سرور الموضوع على لائحة العقوبات الأميركية لدوره في تمويل حركة "حماس" ولعلاقته مع "حزب الله" وإيران. وفي 7 نيسان خُطف وقُتل باسكال سليمان، منسِّق "القوات اللبنانية" في منطقة جبيل، ونُقل إلى سوريا. بينما كان يتم الكشف بعد يومين، عن مقتله والعثور على جثته، والجزم بأنّ عصابة سرقة سيارات نفّذت الجريمة، كان يتمّ العثور على سرور مقتولاً في فيلّا في منطقة المونتي فردي، التابعة لبيت مري، مع اتهام الموساد الإسرائيلي بأنّه تولّى عملية استدراجه وقتله.
في حين ذهبت التحقيقات الأولية نحو تقديم رواية نهائية في وقت قياسي وسريع في قضية باسكال، وفي حين تمّ الإعلان عن توقيف عدد من المتّهمين بتنفيذ العملية، من خطفه وقتله في بلدة الخاربة في جرد جبيل، ونقله في سيارته إلى منطقة القصير في سوريا، بقيت قصة محمد سرور غامضة، وبقي اتهام الموساد الإسرائيلي معلّقاً على تحقيق يبدأ في بيت مري ولا ينتهي في العراق. وفي حين كانت جثة سليمان بعد تصويرها تنقل من سوريا إلى لبنان، وكذلك سيارته، في شكل علني وسط تغطية إعلامية مكثّفة، لم يحصل أن وُزِّعت صور عن جثّة سرور حيث وجدت في فيلا المونتفردي، ولا عن نقله من هناك إلى أي مستشفى حكومي أو تابع لـ"حزب الله"، قبل دفنه في مسقط رأسه في اللبوة في البقاع.
فوارق بين جريمتين
الفارق كبير بين تحقيق يتعلّق باغتيال مسؤول في "القوات اللبنانية" ومسؤول ينتمي إلى "حزب الله". كانت الترجيحات كلها تذهب في اتجاه أن يكون اغتيال سليمان جريمة سياسية، وكانت كل التسريبات من التحقيق تريد أن تقول إنها جريمة سرقة عادية، وكانت الدعوات مكثفة إلى عدم استغلال "القوات" لهذه الجريمة، وإلى عدم الإيحاء بأن "حزب الله" نفّذها كما حصل في جرائم أخرى اتُّهم بارتكابها. ولذلك أيضاً بدأ الحديث عن أن مقتل سرور في بيت مري لا يعني أنّه يجب توجيه التهمة إلى البيئة التي حصلت فيها الجريمة، وبالتالي ربط "القوات" بها، قبل أن يبدأ الربط باختراق الموساد الإسرائيلي للأمن اللبناني ككل واعتبار أن إسرائيل تجتاح لبنان أمنياً واستخباراتياً.
لا يمكن المقارنة بين جريمة سليمان وجريمة سرور من حيث الوقائع والدوافع والتنفيذ. ولكن يمكن الفصل بين جريمة وأخرى من حيث الإنتماء السياسي للضحية. إذا كان المطلوب تقديم رواية غير متماسكة في قضية سليمان، فإنّ الوقائع لم تسمح بتقديم رواية متكاملة في قضية سرور. لا شكّ في أنّ القوى الأمنية والقضائية تعاطت بشكل مختلف في القضيتين. اذ يظهر في قضية سرور أنّ المسألة تحتاج إلى تحقيقات مفصّلة أكثر يلعب فيها "حزب الله" دوراً رئيسياً، سواء أكان بالتعاون مع الأجهزة الرسمية أو من خلال تحقيق مستقلّ عليه أن يقوم به، لأنّه يخوض حرباً أمنية لا هوداة فيها مع الموساد الإسرائيلي، فكيف إذا كان الإختراق بهذا الحجم الذي سمح باستدراج سرور إلى الفيلّا وبالتحقيق معه وبتصفيته والخروج من مسرح الجريمة من دون ترك أدلّة، الأمر الذي يجعل مهمة تعقّب المنفّذين مهمة صعبة وشاقّة وتستدعي الكثير من البحث والتدقيق.
ليس سرور صرّافاً عادياً
ليس محمد سرور مجرّد صرّاف عادي. وليس مجرّد عامل في نقل التحويلات المالية. بحكم وضعه على لائحة عقوبات وزارة الخزانة الأميركية منذ العام 2019 ودوره في التحويلات المالية بين "فيلق القدس" و"الحرس الثوري" وحركة "حماس" و"الجهاد الإسلامي" في قطاع غزة بملايين الدولارات منذ أعوام، كان من المفترض أن يتمتّع بوضع حماية خاص، أو بأن يعتمد هو شخصياً هذه الحماية، إلّا إذا كان يعتبر أنّه يتحرك في بيئة آمنة لا تستدعي كل ذلك.
اذ أن وضعه على لائحة العقوبات لا يقترن بملاحقة أمنية تهدّد حياته نظراً إلى أنّ قرارات العقوبات التي طالت كثيرين غيره لم تقترن بعمليات أمنية طالت الموضوعين على اللائحة، باستثناء عدد محدود ممّن اتّهمتهم واشنطن بتمويل "حزب الله" واعتقلتهم ثم أطلقتهم، كما حصل مع قاسم تاج الدين الذي أفرجت عنه في 8 تموز 2020 وأرسلته إلى لبنان ليختفي عن الأنظار منذ ذلك التاريخ، حتى ولو قيل وقتها أن إطلاقه جاء نتيجة عملية تبادل موقوفين مع إيران لعب فيها مدير عام الأمن العام السابق اللواء عباس ابراهيم دوراً رئيسياً.
في قضية باسكال سليمان ثمة نقاط مبهمة لم تنجلِ بعد. حتى أنّ وزير الداخلية القاضي بسام مولوي قال أكثر من مرّة أنّ من حقّ الناس أن يكون لديها تساؤلات مشروعة حول خلفيات الجريمة ومنفّذيها. ومن بينها السرعة في توقيف عدد من السوريين المتهمين، وفي تسليم بعضهم إلى القوى الأمنية اللبنانية التي تولّت التحقيق في الجريمة، وفي الإعلان السريع عن أنّ هدف العملية كان السرقة فقط. وما يزيد من هذه التساؤلات عدم توقيف متهمين آخرين، ومن بينهم لبنانيون قد يكونون يتمتّعون بحصانة تمنع توقيفهم وتسليمهم، خصوصاً أنّهم يتحرّكون عبر الحدود بين لبنان وسوريا من دون أن يكون لديهم خوف أو خشية.
أسرار محيطة بقضية سرور
في قضية محمد سرور الأسرار المحيطة بالجريمة كثيرة:
إذا كانت جريمة قتل سليمان تستدعي المزيد من التوضيحات لجلاء كامل للحقيقة، فإنّ جريمة اغتيال سرور تستدعي أيضاً الإسراع في التحقيق لكشف كامل الملابسات التي أحاطت بعمله، الشرعي أو غير الشرعي، ولتحديد هوية السيدة زينب التي رآها مع ابن شقيقه ويمكن وضع رسم تشبيهي لها.
ما يجب التوقف عنده أنّ الإختراق الإسرائيلي ليس في بيت مري إذا صح الإتهام، لأنه يمتد من بيت مري إلى السيدة زينب في دمشق وصولاً إلى طهران وأصفهان.