المصدر: الأنباء الكويتية
السبت 1 أيار 2021 01:11:00
في الحداء الشعبي القديم ثمة لازمة تختم بعبارة «...وباريس مربط خيلنا..» وقد استعادت الذاكرة الشعبية اللبنانية هذا القول، مع المبادرة الفرنسية للحل في لبنان، والتي اقترنت بعدة زيارات للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ومسؤولين فرنسيين آخرين الى بيروت ذهبت جهودهم أدراج رياح الصراعات الاقليمية حول «ازميرالد» الشرق، كما الوصف الذي اعطاه الإمام علي خامنئي للبنان ذات يوم أمام مسؤولين لبنانيين، سأله أحدهم لماذا لبنان دائما في المرمى؟
هذه اللازمة الحدائية تجددت في هذه الأيام مع تعديل في موقع «المربط»، الذي انتقل من باريس، بعدما فقدت زخم مبادرتها، الى موسكو، إذ قبل زيارة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الى موسكو كان هناك الرئيس المكلف سعد الحريري، وقبل الحريري كان وفد حزب الله برئاسة النائب محمد رعد، وقبل هذا وذاك كان وليد جنبلاط، الذي أبلغ اجتماعا لأعضاء المذهب الدرزي الأسبوع الماضي بأنه لا يستطيع ان يبشرهم بخير، وقبل كل هؤلاء كان الرئيس ميشال عون، الذي تخطى هموم لبنان الذاتية، ليطرح على الرئيس الروسي حماية موسكو للأقليات المسيحية المشرقية، الذي يحمل النائب جبران باسيل شعار توحيدها اقتصاديا، تحت عنوان الاتحاد المشرقي، الذي يضم لبنان وسورية والعراق والأردن، أي دول «حلف بغداد» القديم، مضافة اليها ايران، والذي أشعل ثورة 1958 في لبنان وثورة 14 يوليو في العراق.
أما باريس، فلم تبرح المسرح اللبناني، كما تراءى للبعض، خصوصا بعدما استجدت عوامل فرنسية، سياسية، وانتخابية تستدعي وجودها، مع تفعيل دورها على نحو أكثر تأثيرا، وهذا ما يفسر اعلان وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان مساء الخميس قرار فرنسا فرض عقوبات على معرقلي تشكيل الحكومة في لبنان، لكن من دون تسميات، انه الاسلوب الفرنسي، المتميز عن اسلوب الأميركيين، الذين لا يترددون في تسمية من فرضوا عليه عقوباتهم. أما الفرنسيون فيفضلون هز سيف العقوبات دون الضرب به.
والسؤال الذي طرحته المصادر المتابعة عن السر في توقيت اعلان العقوبات الفرنسية مع وجود رئيس التيار الحر جبران باسيل في موسكو: هل الاستهداف يتناول باسيل وطاقم تياره، أم موسكو بالذات؟
حقيقة الأمر تقول المصادر ان الحكومة الفرنسية تبنت مع دول اخرى في الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على معرقلي الحلول في لبنان، وأيد الاتحاد في الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية في بروكسل الاقتراح الفرنسي، لكن القرار اصطدم بالڤيتو الهنغاري، ليتبين لاحقا ان رئيسة الجبهة الوطنية الفرنسية ماري لوبان تلقت اتصالا من جبران باسيل يطلب دعمها بوجه مشروع العقوبات الفرنسية - الأوروبية، حينها اتصلت بصديقها رئيس وزراء هنغاريا فكتور اوبران وتمنت عليه تكليف وزير خارجيته بالتحفظ على العقوبات الأوروبية على معطلي تشكيل الحكومة اللبنانية والتوجه الى بيروت لتقديم الدعم الى رئيس التيار الحر جبران باسيل الذي يتشارك معها في الأفكار المعادية للمهاجرين، وبضرورة بقاء الرئيس السوري بشار الأسد على رأس السلطة في سورية.
ومن هنا يمكن فهم دعوة باسيل في مؤتمره الصحافي الى تثبيت حكم بشار الاسد في سورية، الى جانب مباحثاته موسكو في موضوع السوق المشرقية واتحاد الأقليات وحماية المسيحيين في الشرق، ومن هنا يمكن أيضا استنتاج دوافع غضب ادارة ماكرون المقرونة بالعزم على معاقبة معرقلي تشكيل الحكومة اللبنانية، أي معاقبة باسيل وفريق عمله الذي يسعى في الوقت نفسه الى عرقلة عودة ماكرون الى قصر الإليزيه، من خلال تحالفه عن بعد، مع منافسته ماري لوبان.
ويبدو أن الروس لم يكونوا غافلين عن هذه الأمور، بدليل ان الاعلانات التحضيرية للمؤتمر الصحافي المشترك لحظت حضور وزير الخارجية الروسية سيرغي لاڤروڤ الى جانب باسيل، لكن الذي حصل أن لاڤروڤ أرسل موظفا عاديا من وزارته ليحل محله في المؤتمر الصحافي، وليستمع الى ما سيقوله باسيل في موضوع الحكومة فإذا به يذهب الى السوق المشرقية مع سورية والعراق والأردن، وضمنا إيران، ليصل الى موضوع النفط في البحر اللبناني والبر، وليطرح قيام شركة روسية باستخراج النفط وتوزيع الأرباح المشتركة على الجانبين اللبناني والاسرائيلي، ومن هنا كان امتناع الرئيس ميشال عون على توقيع المرسوم 6433 الذي يعطي لبنان مساحة اضافية في مياهه الاقليمية.
الخارجية الروسية، وبعد استقبالها سفير لبنان في موسكو شوقي ابو نصار، أصدرت بيانا أكدت فيه على أهمية تشكيل الحكومة اللبنانية برئاسة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري في أقرب فرصة.
وردا على العقوبات الفرنسية المعلن عنها، دعا باسيل عبر قناة «روسيا اليوم»، الى مساعدة لبنان على تقصي الأموال اللبنانية المهربة إلى الخارج، وليس من خلال فرض العقوبات.
زيارة باسيل الى موسكو مستمرة حتى اليوم، حيث تابع محادثات ضمنها مشروع النفط، الذي سيكون موضع اهتمام في بيروت الأسبوع المقبل، مع عودة مفاوضات ترسيم الحدود المائية مع إسرائيل، بعد إغراقها بالمطالب التصعيدية بين الجانبين، وسيصل إلى بيروت في هذا الوقت الوسيط الأميركي جون دوستن في الثالث من مايو، كما أشير الى زيارة للموفد الروسي إلى المنطقة ميخائيل بوغدانوف، وأعلن أيضا عن زيارة وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان الى بيروت الأسبوع المقبل، وتشير المعلومات الى جهد دولي لانجاز التشكيلة الحكومية قبل نهاية مايو وفق المخطط المرتبط بنفط المنطقة.