بالصور والفيديو- المعالم الأثرية السورية وقد صارت صالات أعراس!

لا شيء أفضل من تحويل أشهر المعالم الأثرية السورية إلى صالات أفراح، للتعبير عن معنى الحياة في سوريا الأسد، حيث يُمنع المواطنون من دخول كثير من تلك المعالم التي تحتضن هذه الأيام حفلات زفاف لأفراد من "النخبة" المحيطة بالسلطة الحاكمة، خصوصاً في دمشق التي احتضن اثنان من أشهر معالمها، قلعة دمشق وخان أسعد باشا، عُرسَين، في وقت يُمنع فيه السوريون العاديون من زيارة ودخول بعض تلك الأماكن أصلاً.

ويتناقض الواقع اليومي للسوريين بشكل صارخ مع ما يكرره النظام السوري، إعلامياً ودبلوماسياً، منذ عقود، من مقولات رومانسية مثل أن سوريا هي "مهد الحضارات" و"بلد التاريخ والفن"، ليس فقط للترويج السياحي في بلد منكوب اقتصادياً ومنهار أمنياً، بل للتحريض ضد الثقافات الأخرى، في الغرب تحديداً، وتقديم سردية تفيد بأن النظام يحمي قيم وحضارة المجتمع حتى لو اقتضى الأمر فرض حُكم بيَد من حديد.
وهذا الأسبوع، شهدت قلعة دمشق التاريخية حفلة زفاف باذخة لرجل الأعمال أيمن مصلح، صاحب المنتجعات السياحية في اللاذقية وطرطوس مثل "منتجع الرمال الذهبية"، وإلين جرجس التي تعمل في التصميم الداخلي، حسبما نقلت وسائل إعلام محلية، ما أثار استياء واسعاً خصوصاً بين الدمشقيين في مواقع التواصل، فقط بسبب الخوف الذي أحدثته الألعاب النارية في الزفاف، وأدى إلى اعتقاد بوجود "قصف إسرائيلي" على العاصمة!

وهناك نوع من السوريالية في النظر إلى تلك الأحداث من جهة ونوعية ردود الأفعال من جهة ثانية، ففيما تثبت هذه الفعاليات أن السوريين يعيشون في بلدهم كالغرباء في أفضل تقدير، وتظهر الفجوة في الثروة بين النخبة التي تعيش براحة ورفاهية بينما يقبع أكثر من 90% من السوريين في الداخل تحت خط الفقر بحسب الأمم المتحدة، فإن ردّ الفعل تأتي باردة وتتركز على أكثر التفاصيل ثانوية، مثل احتمال وجود قصف إسرائيلي، مع تكرار الغارات على منشآت وقوافل خاصة بالميليشيات الإيرانية المنتشرة في المنطقة.
 
والغريب أكثر في تلك النوعية من ردود الأفعال هي إظهار السلطة الحاكمة على أنها بريئة من كل شيء، بما في ذلك القصف نفسه كفعل مرتبط فقط بالجيش الإسرائيلي، رغم أن جيش النظام وحلفاءه لم يقصروا في تقديم أسوأ درجات العنف في دمشق وبقية المناطق السورية طوال 13 عاماً. والأسوأ من ذلك هو تقديم عبارات الاستجداء للتحقيق في الموضوع من طرف الإعلام الرسمي وشبه الرسمي، التي تعتقد بوجود تجاوزات تحدث وتسمح بـ"انتهاك حرمة الآثار السورية"، من قبل "أفراد فاسدين" يجب على "القيادة" محاسبتهم وكشفهم بما يتوافق مع "توجيهات الرئيس بشار الأسد".

أما الحديث عن الإحباط وخيبة الأمل من "الاستخفاف برمزية التاريخ السوري"، فيحيل فقط إلى أمل السوريين في الداخل تحديداً بعودة الحياة إلى طبيعتها مع انتهاء الحرب ربما، والذي يأتي بدوره من تورط عاطفي أعمق بالانتماء للوطن، وهو بحد ذاته وهم لأن سوريا لم تكن يوماً وطناً جامعاً بقدر ما كانت مكاناً تتحكم فيه السلطة برعيتها وتضع بينهم الحواجز إلى حد تحريضهم ضد بعضهم البعض والقول ان السلطة هي الشيء الوحيد الذي يحمي فئة من فئة أخرى، اجتماعياً ومناطقياً ودينياً ومذهبياً.

وهذا بالتحديد ما يطرح تساؤلاً دائماً عن معنى الانتماء للبلاد الممزقة بفعل الحرب الطويلة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الدولة التي عرفت في يوم ما بإسم سوريا توقفت بالفعل عن الوجود وتحولت إلى واقع من التقسيم غير المعلن بين ثلاث مناطق على الأقل، فيما تنتشر الميليشيات والولاءات لدول أجنبية أكثر من أي وقت مضى.
 

والاستناد إلى الرموز التاريخية من أجل خلق هوية وطنية جامعة، هو أمر مألوف في القوميات الناشئة، لكن دولة مثل سوريا الأسد، لا تعمل على خلق تلك الهوية سوى حول شخصية القائد السياسي والعسكري الحاكم، وليس من الغريب بالتالي أن تكون تماثيل الرئيس حافظ الأسد التي يتجاوز عددها الثلاثة آلاف، منتشرة في كل مكان من سوريا، مع عدد قليل من تماثيل حديثة أنشئت للرئيس بشار الأسد في السنوات القليلة الماضية.

وطبعاً فإن قلعة دمشق ليست المعلم الأثري الوحيد الذي تحول إلى صالة أفراح، بل شهد خان أسعد باشا التاريخي، حفلات زفاف وخطوبة في السنوات الأخيرة، آخرها في تموز/يوليو الماضي، بحفلة زفاف غيا كنعان، حفيدة وزير الداخلية السابق غازي كنعان، على عاصم الأسد أحد افراد الأسرة الحاكمة.

والآثار السورية تستخدم من قبل السلطة من أجل الترويج للدعاية الرسمية. فخان أسعد باشا احتضن معارض فنية "مبتكرة" لفنانين موالين عرضوا فيها منتجات تمت سرقتها من بيوت دُمرت بقصف قوات النظام، بما في ذلك معرض فني لأبواب المنازل "المنكوبة". وقلعة دمشق، احتضنت من جانبها، حفلات فنية منذ العام 2018 لنجوم عرب ساهموا في الترويج لسردية "عودة الحياة لطبيعتها"، مع ارتدائهم العلم السوري ذي النجمتين ضمن طقوس تقديم الطاعة لـ"القيادة السورية"، بما في ذلك نجوى كرم وصابر الرباعي ومروان خوري وعشرات آخرين.

وفي ذروة سنوات الحرب في سوريا، أقامت السلطات السورية حفلات فنية باذخة وضخمة في مناطق دمشق وحلب والساحل السوري وغيرها، بهدف إظهار "الوجه الحقيقي لسوريا الحضارية" في وجه "الظلام" الذي تمثله المعارضة، وشمل ذلك بالطبع المناطق والأحياء الأثرية، مثل باب توما وباب شرقي في دمشق على سبيل المثال.

وفي وجه الانتقادات، قالت مصادر في وزارة الثقافة لوسائل إعلام محلية، بالقول أن استثمار المناطق الأثرية طبيعي ويحدث في أي مكان في العالم والمهم هو "دفع الرسوم والبدل النقدي" ضمن شروط "العقد"، مضيفة بأن "أي مواطن مهما كانت صفته يحق له أن يتقدم بطلب للحصول على موافقة لإقامة فعالية ما أو حتى حفلة زفاف في قلعة دمشق ولا يعنينا أن يكون رجل أعمال"، رغم أن الواقع يتنافى مع ذلك التمييز بين المواطنين عموماً، مثلما أكد صحافيون موالون أشاروا إلى أن الدخول إلى القلعة بحد نفسه يتطلب موافقات أمنية.

وتعد قلعة دمشق، شمال غربي المدينة القديمة، من أهم المعالم الأثرية وأكبرها، وهي القلعة الوحيدة في سوريا المشيدة على أرض منبسطة، في حين أن القلاع الأخرى مشيدة على الجبال والتلال. وشيدها السلاجقة نهاية القرن الحادي عشر، وظل يطرأ عليها تعديلات وتعزيزات لنحو قرنين، واستُخدمت في بنائها أحجار من أطلال معبد جوبتير القديم، وتضم الكثير من العناصر الدفاعية مثل الأبراج والمرامي والرواشن والخنادق وغيرها، ولها ثلاث بوابات، وتحتوي على مبانٍ مدنية غير دفاعية، وقاعات فخمة مثل قاعة الأعمدة وتعرف بقاعة العرش.