بحثٌ لإشراك الأقليات المسيحية... وتوزيرها مغبون تاريخيّاً

الأقليات الدينية لم تكن يوماً الشغل الشاغل للمفاوضات الحكومية وبقيت خارج التنازع على الحقائب، ويُتّخذ القرار بتمثيلها إذا قرّر الرئيسان ذلك أو لدوزنة التوازنات. في الغمار الحاليّ للبحث عن تشكيل حكومة، تؤكّد معطيات "النهار" أن رئيس الجمهورية جوزف عون والرئيس المكلّف نواف سلام بحثا إمكان تمثيل الأقليات المسيحية بوزير في الحكومة العتيدة وهو طرح وضع على طاولة البحث في اجتماعهما الماضي من دون البتّ به في انتظار كيف يمكن أن ينحو مسار التشكيل. تاريخياً، توزير الأقليات قليل في الحكومات وشمل المسيحية منها، ويمكن تعداد توزيرها على الأصابع أثناء فلفشة أوراق التشكيل الوزاريّ في سنوات سابقة، والذين أسندت إليهم حقائب كانوا من الطوائف المسيحية الصغيرة وحصلوا في غالبيتهم على وزارات "منخفضة السعرات الحرارية التقريرية" على طاولة السلطة التنفيذية.

وكانت وزارة الاقتصاد والتجارة هي أكثر ما استطاع وزير أقلويّ أن يحوز، لكن ذلك لا يلغي أهمية نماذج راسخة تركت نقشاً في محطات التشكيل هناك حيث يسترعي إسم الوزير باسل فليحان الانتباه مع توليه حقيبة الاقتصاد في حكومة الرئيس الشهيد رفيق الحريري الرابعة التي شكّلها بعد الانتخابات النيابية لعام 2000. وكان الرئيس فؤاد السنيورة قد اتبع أسلوباً مشابهاً في إعطاء حقيبة الاقتصاد لوزير من الأقليات المسيحية في حكومته الأولى عام 2005، فكانت من نصيب الوزير سامي حداد من طائفة البروتستانت التي تشكل أقلية مسيحية في لبنان وغالبية من أبنائها في بيروت الكبرى. ثم عرفت حكومة الرئيس تمام سلام عام 2014 توزير شخص يمثّل الأقليات المسيحية أيضاً، فحصل تعيين نبيل دي فريج من طائفة اللاتين الكاثوليك وزيراً لشؤون التنمية الإدارية.

والجدير ذكره، أنّ تركيبة الحكومات المتعاقبة ساعدت على قرار انتقاء وزير من الأقليات من عدمه، بخاصة انطلاقاً من 2005 حيث كان وزير الأقليات يتلاءم مع تركيبة من 24 وزيراً وأحياناً يفضّ نزاعاً حول كيفية توزيع الحقائب بين الطوائف المسيحية فإذا بتعيين وزير من الأقليات المسيحية يساعد في الإبقاء على التوازنات المتعارف عليها في نسبة التمثيل الحكومي بين الروم الأرثوذكس والروم الكاثوليك والأرمن. ولم يسبق أن تمثّلت الأقليات الإسلامية حكومياً لأنّ التوازنات التمثيليّة أكثر دقّة بخاصة بين السنة والشيعة ولأن الأعداد الشعبية أكثر اكتظاظاً.

في عهد الرئيس ميشال عون، شكّلت حكومة من 30 وزيراً رأسها الرئيس سعد الحريري عام 2016 من دون أن تتضمّن وزيراً متحدّراً من أقليّة طائفية. ولحقتها حكومة ثانية شكّلها الحريري عام 2019 من 30 وزيراً مع مراعاة التمثيل الوزاريّ الطائفيّ المتعارف عليه خارج توزير الأقليات. ثم شكّلت حكومة حسان دياب عام 2020 من 20 وزيراً، فيما حصل بعض الوزراء على أكثر من حقيبة من دون إتاحة توزير شخص من الأقليّات الدينية. وإذ شكّلت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي من 24 وزيراً عام 2021، فإنها تضمّنت مشاركة توزيرية عن طائفة من الأقليات المسيحية بحسب تأكيد معطيات "النهار"، ذلك أن الوزيرة نجلا الرياشي شغلت المقعد الوزاريّ كوزيرة دولة لشؤون التنمية الإدارية عن طائفة اللاتين الكاثوليك في الحكومة ولم تكن وزيرة عن طائفة الروم الكاثوليك. وهي رسميّاً من طائفة اللاتين الكاثوليك منذ ثمانينات القرن الماضي. وكان هناك من اعتقد أن وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار هو وزير من الأقليات المسيحية، لكنّ الصحيح أنه وزير من طائفة الروم الكاثوليك.