المصدر: المدن
الكاتب: جنى الدهيبي
الجمعة 23 أيلول 2022 15:54:22
في طرابلس، يتهافت الجيران والأهالي إلى منزل آل مستو في باب الرمل، ومنزل آل تلاوي في باب التبانة ومنزل آل بيو في ساحة النجمة، وسط أجواء من الحزن والنحيب والصراخ على ضحاياهم في المركب الغارق قبالة سواحل طرطوس السورية.
عائلات مفجوعة
أمام باحة منزله، تتحدث خالة مصطفى مستو (34 عاماً) الذي لقي حتفه غرقًا مع أطفاله الثلاثة، فيما نجت زوجته ووالدها من آل المانع. وتقول الخالة لـ"المدن" إن مصطفى الذي كان يعمل سائق تاكسي، باع سيارته وكامل ممتلكاته من أجل للهجرة، وحاول أربع مرات الهرب من دون أن يفلح، بسبب عمليات "نصب واحتيال" من قبل المهربين. وقد ترك المنزل بالسر عن والدته التي ترفض هجرته بهذه الطريقة. وتضيف: "إنه شاب مظلوم، أصبح عاجزًا عن توفير حتى الطعام لأبنائه، وتراكمت عليه الديون، ولم يكن أمامه سوى المجازفة بحياة أولاده في البحر".
في باب التبانة، لم يبق بمنزل آل مستو سوى قلة من رجال العائلة، بعدما توجه معظم أفرادها إلى بلدة قرقف لتشييع الطفلتين بمسقط العائلة، وكانتا أول الجثامين الواصلة من مستشفى الباسل في طرطوس، وهما ماي ومايا وسام التلاوي، في حين لم يتم العثور على والدتهما سلمى وشقيقيهما محمود وعمار، وهم من عداد المفقودين (حتى الآن)، بينما جرى إنقاذ والدهم وسام.
وفيما يختنق بكاء لشدة تعلقه بأولاد شقيقه وسام، يقول عبدالله داخل منزل العائلة، إنهم تفاجأوا بهجرته، "لكننا نعلم أنه كان يتحضر للهرب من دون أن يبلغنا بالتوقيت، بعدما فقد أمل العيش في لبنان، وهو عامل نظافة في شركة لافاجيت لا تتجاوز قيمة راتبه 30 دولاراً. باع كل ممتلكاته لتسديد كلفة رحلة الموت للمهربين بآلاف الدولارات.
وتحدثت أنباء عن فقدان ثلاثة من أفراد عائلة ببو في طرابلس، الوالد مع اثنين من أبنائه.
ما الحصيلة النهائية؟
حسب التقديرات، فإن هذا المركب الذي انطلق قبل نحو يومين من شاطئ المنية باتجاه العريضة، قبل أن تقذفه الأمواج قبالة جزيرة أرواد السورية، يوجد على متنه بين مئة ومئة وخمسين مهاجرًا كحد أدنى، من الجنسيات اللبنانية والسورية والفلسطينية.
وحتى الآن، يوجد من لبنان ضحايا لا يقل عددهم عن عشرة أشخاص من طرابلس وعكار، وهو رقم مرشح للتصاعد، مع استمرار عمليات البحث عن المفقودين، لا سيما أن عددًا كبيرًا من الجثث كانت بلا أوراق ثبوتية، ما عمق مشكلة التأكد من هوياتهم.
وأفاد "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، أن عدد ضحايا المركب وصل لنحو 81 شخصاً من جنسيات سورية ولبنانية وفلسطينية، "بينما لا تزال فرق الإنقاذ تحاول البحث عن ناجين أو جثث لضحايا آخرين، حيث لا يزال مصير نحو 50 آخرين مجهولًا حتى اللحظة".
آخر بيانات وزارة الصحة بحكومة النظام السوري، تحدثت عن انتشال ما لا يقل عن 73 جثة، في حصيلة غير نهائية، إضافة إلى انقاذ نحو 21 ناجياً لبنانيين وسوريين وفلسطينيين، يتلقون العلاج بمستشفى الباسل في طرطوس.
وتعد حصيلة القتلى حتى الآن، هي الأعلى قياسًا لحالات غرق مراكب أخرى انطلقت من ساحل شمالي لبنان.
وفي تصريح لوكالة فرانس برس، قال مسؤول وزارة النقل السورية سليمان خليل: "نتعامل مع إحدى أكبر عمليات الإنقاذ، على مساحة تمتد على كامل الساحل السوري".
..وفاجعة النهر البارد
أما الفاجعة الكبيرة، فتتجلى في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين عند تخوم العريضة. ويشير مصدر مطلع داخل المخيم لـ"المدن"، أن ما لا يقل عن 25 فلسطينيًا من المخيم كانوا على متن هذا القارب. وحتى الآن، جرى التأكد من نجاة أربعة، وهم: محمد اسماعيل وزوجته، عبدلله السعيد، إبراهيم شكري المنصور. ويقول المصدر إن ستة من عائلة آل حسن (أب وزوجة و4 أولاد) مجهولي المصير، إضافة إلى آخرين من آل عبد العال وعمر والوحيد والسعيد ومنصور وحماد والزيان وآخرين.
وتفيد مصادر البارد لـ"المدن" أن هؤلاء سددوا مبالغ للمهربين تتراوح قيمتها بين 3 و5 آلاف دولار عن كل رأس، وأن المخيم يشهد موجة لجوء غير مسبوقة، وسط حالة من اليأس والغضب والعجز.
في هذه الأثناء، يتحدث شهود عيان عن عمليات دهم واسعة نفذها الجيش اللبناني في بلدة ببنين العكارية، بحثًا عن متورطين بغرق القارب من سماسرة ومهربين، وذلك بعد القبض على شابين أمس بتهمة التورط بتهريب القارب.
وتوجه بعض أفراد ذوي الضحايا من طرابلس وعكار ومخيم البارد إلى طرطوس للتعرف على هوية الجثامين بحثًا عن مفقودين لهم.