بدأ عدّ الأصوات: هل يستعيد عون خطاب شهاب؟

منذ أعلن "اللقاء الديموقراطي" أمس تأييده ترشيح قائد الجيش جوزاف عون، بدأ عدّ الأصوات التي يمكن أن ينالها في جلسة التاسع من كانون الثاني المنتظرة.

لم ترمِ كتلة الحزب التقدمي الإشتراكي حجراً في مياه راكدة. فقد تقدم الملف الرئاسي على سائر الملفات اللبنانية لحظة حدّد رئيس مجلس النواب نبيه برّي موعداً لجلسة الانتخاب، متعهداً إبقاء الجلسات مفتوحة وصولاً إلى ملء الشغور في بعبدا. انشغلت الكواليس السياسية في نقاشات ومشاورات وتحديد مواصفات الرئيس العتيد. انتعشت آمال طامحين كثر، الجديين منهم أو حتى من يكفيهم دخول اسمهم في نادي مرشحي الرئاسة. بقي كل ذلك في الغرف المغلقة إلى أن أعلن مساء الأربعاء اللقاء الديموقراطي، بحضور وليد جنبلاط، تأييده العماد عون، فدخلت البلاد مرحلة رئاسية جديدة.

اعتراض التيار
وكما هو متوقع، كان "التيار الوطني الحر" ورئيسه جبران باسيل أول المعترضين، فعممّ ليلاً موقفه القائل "مش جنبلاط يلّي بيرشّح عن المسيحيين، هيدا هنري الحلو تاني".
وبغض النظر عن التهجم الشخصي على الحلو، والتشكيك بتمثيله وبـ"مسيحيته"، وهو ابن جبل لبنان وبيروت معاً وحفيد ميشال شيحا، فإن التشبيه يجافي الدقة.

ويفترض أن يكون "التيار الوطني الحر" أكثر العارفين بموقع قيادة الجيش عند المسيحيين، وهو المنصب الذي انطلق منه الرئيس السابق ميشال عون ليشكل "تسونامي" في الوسط المسيحي. لم يكن عون قبل ذلك عضواً في النادي السياسي اللبناني، ولم يكن يملك حيثية شعبية، وكاد حتى يتسبب في تقسيم الجيش والبلد قبيل 13 تشرين 1990. ومع ذلك، وانطلاقاً من موقعه الذي يمثّل الدولة وفكرة المؤسسات، حمله المسيحيون إلى مرتبة سياسية استثنائية، وحمّلوه أحلامهم بدولة سيدة حرّة مستقلة، يهتف شبانها "ما بدنا جيش بلبنان إلاّ الجيش اللبناني".

على الأرجح يعرف التيار ذلك، وهو ما يثير حساسيته العالية. فقائد الجيش، أي قائد جيش، يطمئن المسيحيين عموماً. وإذا كانت بعض نخبهم تتحسس من فكرة وصول أي "عسكري" إلى مناصب سياسية، الاّ أن التجربة اللبنانية، على عيوبها، لم تسمح يوماً بـ"عسكرة" النظام. ولهم في تجربة فؤاد شهاب، على أهمية الرجل وفكره المؤسساتي، خير دليل. فرغم كل إنجازاته المؤسساتية ساهم دور "المكتب الثاني" و"النهج الأمني" في هزّ عهده وطبع جزءاً من تجربته. وتجربة إميل لحود، رغم الوصاية السورية على البلد والنظام الأمني السوري- اللبناني المشترك، لم تنجح في قمع الحريات وتعدد الأصوات.

يعتبر سياسي معارض أن لـ"التيار الوطني الحر كامل الحق في الاعتراض على ترشيح قائد الجيش وأن ينتخب مرشحاً آخر يرى فيه المواصفات التي تتناسب مع خياراته وطروحاته السياسية. لكن لا يمكنه الانتقاص من تمثيل أي مرشح". ويجزم "إذا استفتينا اللبنانيين عموماً اليوم، فلا شك أن قائد الجيش يتقدم على معظم الطبقة السياسية، بغض النظر إن نجح في الوصول إلى موقع الرئاسة أم لا. فالناس تشكك بمعظم الطبقة السياسية، وتجربة التيار الوطني الحر في الحكم لم تكن مشجعة ولا تسمح له كثيراً بالتنظير على أي رئيس مقبل".

الدولة الواحدة
صار معروفاً ومتداولاً التقاطع الدولي على إسم عون. لذلك أسبابه وحساباته التي تتقاطع مع "مصلحة لبنانية حيوية"، من منظور النائب ميشال ضاهر، أحد أكثر المؤيدين لعون رئيساً. يقول "وسط كل الكلام عن فدرلة المنطقة وتقسيمها، ووسط المخاوف من تفتت الدول، يأتي التوافق على العماد جوزاف عون رئيساً ليعلن تمسك كل اللبنانيين، وتحديداً المسيحيين بالدولة الموحدة القوية، دولة المؤسسات والشفافية. وهو ما يجب أن يتمسك به الجميع لتجنيب لبنان دفع المزيد من الأثمان من استقراره الأمني والسياسي والاقتصادي. وقد تكون فرصة لا تتكرر للنهوض بالبلد تحت سقف المؤسسات والالتزام بالقوانين".

قسم فؤاد شهاب
هي أيام فاصلة قليلة، وإن بدت طويلة جداً لكثيرين، تبدو فيها حظوظ قائد الجيش متقدمة في الانتقال من اليرزة إلى جارتها بعبدا. انتقال يمكنه فيه الاستعانة بخطاب القسم للرئيس فؤاد شهاب سنة 1958 في مجلس النواب الذي يبدو كأنه كتب لهذه المرحلة وقد جاء فيه: "بين مركز قيادة الجيش حيث الصمت رفيق الواجب، ومنبر هذه الندوة حيث الكلام هو السيّد، مسافة لعلّها أصعب ما كتب لي أن أجتازه منذ سلكت طريق الجنديّة". 

يضيف شهاب، "إنّ أوّل ما يتّجه إليه تفكيرنا، ونحن في هذا الموقف الذي يمتلئ فيه القلب بروعة المسؤوليّة أمام الله والوطن، هم أولئك اللبنانيّون الذين سقطوا صرعى في الأيّام الدامية من حياة لبنان. فأمام أرواحهم نقف بخشوع لنعلن أنّ ما قدمه لبنان في أزمته الأخيرة من ضحايا، وما قاساه من مشقّات ومتاعب، وما تكبّده من خسائر، لا يجوز أن يذهب هباء، بل يجب أن يكون للبنان من ذلك كلّه أعظم الجنى. وفي عنق كلّ لبنانيّ أن تنبت من البؤس والدماء والآلام أغراسُ العز والهناء والازدهار".

يضيف "إنّ إقرار الأمن وحكم الدولة في جميع المناطق اللبنانية، ونزع السلاح من أيدي اللبنانيّين كافّة من دون تمييز وبلا هوادة، وإعادة الحياة والنشاط إلى الاقتصاد اللبنانيّ، وبناء ما تخرّب من مرافق البلاد ومعالمها، وإزالة التوتر في العلاقات بين لبنان وبعض شقيقاته العربيّات، ولا سيّما تلك التي تجاوره، وفوق هذا كلّه تحقيق انسحاب القوات الأجنبيّة عن أرض الوطن بأسرع وقت، إنّما هي القضايا الملحّة التي يتطلّب حلّها تصميم المسؤولين الكامل، وحزمهم الأوفى، وعنايتهم الدائبة.
على أنّ هنالك ناحية أخرى من نواحي الأزمة، هي ما تخلّف عن حوادثها وأيّامها من تباعد وتنافر بين أعضاء الأسرة اللبنانيّة. وما أظن اللبنانيّين جميعًا إلّا متألّمين لهذا الواقع المؤسف، وتوّاقين الى تصفية النفوس، وتنقية الصدور ممّا علق بها. إنّ منطلقنا في ما نصبو إليه من تصفية آثار الأزمة وحلّ المعضلات الناشئة عنها، وما نصبو إليه من بناء وطن حرّ متقدّم، ومستقبل مستقرّ مجيد، إنّما هو التمسّك بالوحدة الوطنيّة.
إلى هذه الوحدة، إلى إحيائها والاعتصام بها، إلى العيش المستمرّ في ظلّها، أدعو اللبنانيّين جميعًا...".

هي مقدمة خطاب قسم شهاب التي، مع الأسف، لا تزال صالحة إلى اليوم، سواء حمل "ربع الساعة الأخير" عون إلى بعبدا أو أي "مدني" أو"عسكري" آخر.