المصدر: الراي الكويتية
الثلاثاء 19 آب 2025 02:34:12
عَكَسَتْ زيارةُ الموفد الأميركي توماس براك والمبعوثة «العائدة إلى فريق الشرق الأوسط» مورغان أورتاغوس لبيروت وما رَشَحَ عن خلاصاتها نجاحَ لبنان الرسمي في الانتقال إلى موقع مَن يُمسك بزمام المبادرة في الدينامية التصاعُدية التي اكتَسَبَها ملف سلاح «حزب الله» منذ أن طَرَحَتْ واشنطن مقترَحها «التطبيقي» لاتفاق وقف النار (27 نوفمبر) والذي خَضَعَ لـ «لبْنَنَةٍ» قبل إطلاق حكومة الرئيس نواف سلام مساره التنفيذي في جلستيْ 5 و 7 أغسطس التاريخيتين.
فعلى وقع حملة التخوين المستمرّة من «حزب الله» الذي كرر أمس (خلال زيارة وفد منه للحزب السوري القومي) دعوةَ الحكومة للتراجع عن «القرار الفتنوي التفجيري الذي لا يهدف سوى لتطبيق الأجندة الأميركية الصهيونية» بسحْب سلاحه، ظهّرت مواقف براك بعد لقائه رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون وإعلانه أن «لبنان قام بدوره والحكومة اللبنانية قامتْ بالخطوة الأولى، والآن على إسرائيل أن تُبادِلَ ذلك بخطوة مُقابِلة أيضاً»، أن «بلاد الأرز» تمكّنت ليس فقط من احتواء الضغط الخارجي وبدء ترجمة مصلحة «لبنان أولاً» بحصر السلاح بيد الدولة، بل أيضاً باتت متقدّمةً خطوةً على تل أبيب في مسار ديبلوماسي أقرب إلى «حقل ألغام».
الكرة في ملعب إسرائيل
وحَمَلَتْ تصريحاتُ براك ونَفَسها الترحيبي بما حقّقه لبنان على صعيد فتْح الباب أمام تحقيق هدفٍ أكد الرئيس سلام أنه «انطلق من المصلحة الوطنية العليا»، أبعاداً بالغة الأهمية لجهة رمي بيروت الكرةَ في ملعب إسرائيل التي باتت أمام اختبارِ نياتٍ حقيقياً حيال مدى استعدادِها لملاقاة «الخطوة الأولى» التي قامتْ بها الحكومةُ اللبنانية والتزام الشق المتعلق بها من «ورقة الإعلان المشترك» (اللبنانية – الأميركية)، كما أسماها الرئيس عون، والتي ترمي لبلوغ حلٍّ مستدام وشامل تحتكر معه الدولةُ حَمْلَ السلاح وتستعيد سيادتها على كامل أراضيها بعد فرْض وقف إسرائيل اعتداءاتها وانسحابها من التلال الخمس وإطلاق الأسرى ومعالجة النقاط التنازَع عليها على الحدود وبدء مسار الإعمار وإنجاز الترسيم البري والبحري مع سوريا.
وشكّل التأكيدُ العَلَني من براك (غادر بيروت بعد الظهر) على مسار «الخطوة (مقابل) خطوة» وأن المقترَح ليس اتفاقاً جديداً بديلاً عن اتفاق 27 نوفمبر «فما نحاول أن نقوم به هو حلّ أو تطبيق الاتفاقية التي تم انتهاكُها»، تدعيماً لصوابية خيار لبنان الرسمي الذي كان تعمّد أولاً تظهير أن الورقة التي قدّمها الموفد الأميركي في يونيو الماضي باتت «لبنانية في ضوء ملاحظاتنا التي أُدخلت عليها، وأهمّها: لا تصبح هذه الاتفاقية نافذة قبل موافقة لبنان وسوريا وإسرائيل عليها»، وأكد ثانياً أن «لبنان كان أمام خيارين، إما الموافقة على الورقة أو العزلة الاقتصادية والخروج من دائرة الاهتمام الأميركي وتأخذ إسرائيل مجدها في الاعتداءات» كما قال الرئيس عون لقناة «العربية».
العين على بري
وبأخْذ براك - الذي تردّد أنه ربما يتّجه إلى إسرائيل لمحاولةِ إكمال الحلقة الثانية من المسار المتسلسل - في الاعتبار جانباً رئيسياً من المقاربة اللبنانية لكيفية إدارة ملف السلاح وصولاً لتطرّقه من قصر بعبدا ضِمْناً إلى هواجس المكوّن الشيعي، يكون لبنان الرسمي امتلك أيضاً ورقة قوةٍ بوجه كل الحملات التي تعرّض لها من «حزب الله» وقيادته وما تضمّنته من تهديد بحربٍ أهلية، وسط اقتناعٍ بأن أي نجاح للموفد الأميركي في الاستحصال من إسرائيل على «مقابل» أوّلي من نوع التزام وقف نار أقله لـ 15 يوماً، مع ضمانٍ بأن تمضي بمراحل «ورقة الإعلان المشترَك»، سيسهّل مهمة رئيس البرلمان نبيه بري في مفتاحة الحزب حول مستقبل سلاحه، كما سيجعل الأخير محشوراً أكثر في الداخل تجاه الأقربين كما الأبعدين.
إسرائيل وإيران في سلة براك
وفي الوقت الذي تشي «الخطوة التالية» من براك في اتجاه إسرائيل وردّ الأخيرة على ما سيحمله إليها بأن هامش المناورة سيضيق أمام «حزب الله» الذي تعكس مواقفه أنه لا يؤيد مبدأ «الخطوة مقابل خطوة» بل يطرح تنفيذ إسرائيل وقف الاعتداءات والانسحاب وإطلاق الأسرى وبدء الإعمار ثم بدء حوار داخلي حول السلاح - وهو الحوار الذي أسقطه لبنان الرسمي من حساباته - وعلى وقع أول ذكرٍ من براك لطهران في معرض حديثه من بيروت أمس «عما هو تسلسل الخطوة خطوة، وكيف نجعل إسرائيل تتعاون وكيف نجعل إيران تتعاون»، برز موقفان:
- الأول من أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران علي لاريجاني الذي ظهّر مجدداً رفض تسليم سلاح «حزب الله»، بإعلانه «السلام في المنطقة لا يستقر من دون سلاح المقاومة لأنه لن تكون هناك أي قوة قادرة على ردع إسرائيل»، مؤكداً ان «بطولات حزب الله لم تسمح لإسرائيل بالسيطرة على الأرض».
- والثاني من تل أبيب حيث أوردت «القناة 14» الإسرائيلية «ان الولايات المتحدة ستحاول التوصل إلى وقف نار طويل الأمد بين إسرائيل وحزب الله»، في موازاة ما نقلته «العربية» عن مصدر سياسي إسرائيلي رداً على براك من «ان لا نية لإسرائيل الاحتفاظ بالأراضي اللبنانية، وهي ستقوم بدورها عندما يتخذ لبنان خطوات فعلية»، موضحاً «ان الانسحاب من النقاط الخمس سيتم بموجب آلية منسقة مع لجنة اتفاق وقف النار (الخماسية)».
براك والخطوة خطوة
وكان عون أبلغ إلى براك خلال لقاء الساعة معه الذي حضرته اورتاغوس أنه «بعد الموقف اللبناني المعلن حيال الورقة التي تم الاتفاق عليها، فإن المطلوب الآن من الأطراف الأخرى الالتزام بمضمون ورقة الإعلان المشتركة، كما أن المطلوب المزيد من الدعم للجيش اللبناني وتسريع الخطوات المطلوبة دولياً لإطلاق ورشة إعادة الاعمار في المناطق التي استهدفتها الاعتداءات الإسرائيلية».
واستهلّ الموفد الأميركي اللقاء «بتهنئة الرئيس عون على الإنجاز الذي حققته الحكومة»، فشكره عون معتبراً «أن موقف الحكومة تعبير عن ايمان المسؤولين اللبنانيين بما يخدم مصلحة لبنان وجميع مواطنيه لأن الهدف هو حماية لبنان».
وبعد الاجتماع قال براك «كان لنا لقاء ممتاز هذا الصباح تمحور حول تهنئتنا لرئيس الجمهورية ولفريقه على الخطوات الكبيرة التي تحققت إلى الأمام. اننا وسط عملية، ونشعر بالأمل. وما حصل، في ما يتعلق بمجلس الوزراء محاولة للعودة إلى المكان الذي نعرف فيه الازدهار، والسلام أصبح قريباً. ولدينا أمور أخرى يجب وضعها معاً وهذا يتحرك بسرعة، وأعتقد اننا في الأسابيع المقبلة سنرى تقدماً في نواحٍ عديدة. ماذا يعني هذا التقدم؟ ان التقدم هو حياة أفضل للجميع، للشعب وللجيران، وعلى الأقل بداية خريطة طريق لنوع مختلف من الحوار مع جميع جيراننا. وأعتقد أن جميعكم تعلمون ان السيدة مورغان اورتاغوس عادت، أعدناها كجزء من فريقنا وهذا يشكل فرصة كبيرة مجدداً، وذلك بتوصية من الرئيس الأميركي لمحاولة فعل شيء عظيم وان تعود هذه النجمة (لبنان) تلمع في هذه المنظومة الكبيرة في الشرق الأوسط».
وحين سئل: بعد هذا الاجتماع والقرار اللبناني، ماذا عن الانسحاب الإسرائيلي او وقف انتهاك الاتفاقية؟ أجاب: «هذه هي بالتحديد الخطوة المقبلة وهي تتمثل في الحاجة للمشاركة من الجهة الإسرائيلية، كما نحتاج إلى خطة اقتصادية للازدهار والترميم والتجديد لكل المناطق وليس فقط الجنوب. عندما نتحدث عن إسرائيل الأمر بسيط، وعندما نتحدث عن نزع سلاح حزب الله فإن الهدف من وراء ذلك هو في الواقع لمصلحة الشيعة وليس ضدهم».
وأضاف: «نعم هناك دائماً مقاربة الخطوة الخطوة (...)».
واذا كان الحزب ضد هذا القرار ماذا سيحصل؟ أجاب: «سيكونون قد فوّتوا فرصة، ولكنني أعتقد أن الأمر هو عملية. وعندما نتحدث عن التنفيذ ماذا يعني ذلك؟ يعني اننا نبدأ مباحثات طويلة، وحزب الله جزء من الطائفة الشيعية ويجب أن يعلموا ما هو الخيار الأفضل مما هو مطروح وموجود. ومجدداً تبرز أسس كيفية بناء الازدهار، فلا يمكن أن تأخذ شيئاً ولا تعطي شيئاً في المقابل. اذاً الخطوات التالية لذلك هي بالتأكيد العمل مع الحكومة لنشرح ماذا يعني ذلك وماذا يعني ذلك للجنوب وكيف يمكن استعادة الازدهار. مَن سيمول ذلك، مَن سيشارك وما هو التسلسل خطوة خطوة، كيف نجعل إسرائيل تتعاون وكيف نجعل إيران تتعاون. في نهاية المطاف إيران مازالت دولة مجاورة، اذاً على الجميع ان تكون له مشاركة ودور في ذلك وان يكون هناك تعاون وليس عدائية بين الدول او مواجهة. وأعتقد ان ذلك يأتي خطوة خطوة، ولكن الخطوة الكبيرة كانت بما قام به فريق رئيس الجمهورية والحكومة في إعطائنا فرصة كي تساعد أميركا على هذا الانتقال والوصول إلى علاقة أكثر هدوءاً مع الجيران».
وفي حال رفض الحزب نزع السلاح، كيف ستتعاملون مع ذلك، هل ستطالبون بتعليق المساعدة الدولية للبنان في حال لم تتمكن الدولة اللبنانية من تنفيذ نزع سلاح الحزب؟ فردّ: «لا يوجد أي تهديدات، في هذه المرحلة من الوقت الجميع متعاون. فيما التعامل مع حزب الله وكما قلنا دوما هو عملية لبنانية (...) لسنا الآن في مرحلة الإعلان عن أي تهديدات. هذا معقد، فعندما نتحدث عن نزع السلاح، ماذا يعني ذلك وكيف يحصل ذلك في وقت هم ينظرون ويقولون ما الذي نربحه نحن وكيف نحمي أنفسنا. هم يقولون لدينا قوى إقليمية تحمينا، هل سيقوم الجيش اللبناني بحمايتنا وما المرحلة الانتقالية، وما المستقبل بالنسبة لنا وما هو الازدهار بالنسبة لنا؟ هذا جزء من الازدهار، اذا لا احد يفكر بالتهديد بل بالعكس».
وأكد «لم يكن هناك اقتراح أميركي لإسرائيل وهم لم يرفضوا أي شيء. ما نقوم به هو البحث أولاً مع الحكومة اللبنانية، وما هو موقفها. ونحن في مسار ان نبحث ذلك مع إسرائيل وما الموقف الإسرائيلي. ليس هناك أي انتهاك غير تلك الانتهاكات التي استمرت منذ اتفاقية نوفمبر حول وقف الاعمال العدائية حيث يلوم كل فريق الفريق الآخر. وما نحاول أن نقوم به هو حل أو تطبيق الاتفاقية التي تم انتهاكها».
وخلال استقباله براك وأورتاغوس على مدى ساعة، سأل بري (غابت الدردشة بينه وبين الموفد الأميركي أمام الكاميرات) عن «الالتزام الإسرائيلي باتفاق وقف النار وانسحابها من الأراضي اللبنانية إلى الحدود المعترف بها دولياً»، مؤكداً أن «ذلك هو مدخل الاستقرار في لبنان وفرصة للبدء بورشة إعادة الإعمار تمهيداً لعودة الأهالي إلى بلداتهم، بالأضافة إلى تأمين مقومات الدعم للجيش اللبناني».
بدوره، قال براك «بحثنا وناقشنا ما يهم الجميع كيف نصل إلى الازدهار في لبنان في الجنوب والشمال وكافة أنحاء لبنان ولكل اللبنانيين»، لافتاً إلى أن «لقائي اليوم مع بري كان مع شخصية حاذقة لديه تاريخ مذهل ونحن نتحرك بالاتجاه الصحيح».
أما سلام فأكد لبراك واورتاغوس أنّ «القرارات الصادرة عن مجلس الوزراء إنما انطلقت من المصلحة الوطنية العليا»، مشدّدا على «وجوب قيام الجانب الأميركي بمسؤوليته في الضغط على إسرائيل لوقف الأعمال العدائية، والانسحاب من النقاط الخمس، والإفراج عن الأسرى»، كما شدّد على «أولوية دعم وتعزيز قدرات القوات المسلحة اللبنانية، مالاً وعتاداً، بما يمكّنها من أداء المهام المطلوبة منها».
وإذ دعا رئيس الحكومة إلى «إعلان التزام دولي واضح بعقد مؤتمر لدعم إعادة الإعمار والتعافي الاقتصادي في لبنان»، أكد «أهمية التجديد لقوات اليونيفيل نظراً لدورها في ترسيخ الاستقرار ومساندة الجيش في بسط سلطة الدولة في الجنوب».