المصدر: المدن
الكاتب: لوسي بارسخيان
الاثنين 17 تشرين الأول 2022 19:39:52
على رغم كل الأسف الذي يبديه أبناء المناطق الجبلية على مساحات حرجية يستمر قضمها يومياً بشكل استثنائي هذا العام، لا يتردد الكثيرون في تموين كميات هذا الحطب بمنازلهم، تمهيداً لموسم شتاء استثنائي، تبعث مجرد فكرة اقترابه القشعريرة بالأبدان، بعدما اقترب سعر صفيحة المازوت التي لا تكفي حاجة بعض المنازل ليوم واحد المليون ليرة تقريباً.
وهكذا تنشط على طرقات البقاع حركة الشاحنات المحملة بحطام الأشجار، لتصبح أكوام الحطب المكدسة في زوايا المنازل ومخازنها، وحتى في بعض المساحات العامة مشهداً طبيعياً، بعدما كانت هذه المشهدية تستولي عليها صهاريج المازوت، التي يلاحظ تراجع حركتها لمثل هذه الأيام من السنة.
خزانات فارغة
في إجابة على سؤال توجهت به "المدن" لسمير صادر، واحد من أكبر موزعي المازوت في منطقة البقاع، يؤكد الأخير بأن معظم خزانات المازوت في منازل البقاعيين ما زالت خالية كلياً، وهذا ما يثير القلق، خصوصاً أننا في منطقة باردة نسبياً، ولا غنى فيها عن تدفئة المنازل، ما يؤشر إلى أن الناس ستلجأ لتعبئة المازوت بالقطارةز وهذا ما يزيد الطلب على المادة في عز موسم الشتاء، بظل تراجع إمدادات المناطق بالكميات المطلوبة من المازوت شتاء، إما لأسباب طبيعية حيث يحول تساقط الثلوج دون إمكانية انتقال الصهاريج عبر المناطق الجبلية، أو لأسباب تتعلق بتراجع الكميات المتوفرة من مادة المازوت في السوق اللبناني نتيجة للأزمة العالمية، أو حتى لأسباب تتعلق بأصحاب المحطات أنفسهم، الذين لم يعد معظمهم قادراً على تموين كميات كبيرة بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار.
في نمطية العادات التي اكتسبها سكان المناطق الجردية عادة، فإن معظم خزانات المازوت بالمنازل تمتلئ بمحتوياتها بدءاً من فصل الربيع. حيث يعمد البعض لملء هذه الخزانات فوراً، ما أن ينتهي استهلاكها شتاءً، بحثاً عن نوع من الاستقرار النفسي، وحتى المالي. إلا أن هذا لم يحصل في نهاية الشتاء الماضي. بل لجأت معظم العائلات إلى استهلاك الكميات التي كانت قد خزنتها في المواسم السابقة، وبأسعار تفاوتت بين بداية موسم الشتاء حين كان سعر الصفيحة لا يزال 30 ألف ليرة، وبين الجزء الأخير من الموسم حين وصل سعر الصفيحة إلى 13 دولاراً على سعر الصرف الذي كان معتمداً حينها.
التحول إلى الحطب
إلا أن تعبئة المازوت حينها بقي بكميات تكفي حاجتهم حتى نهاية فصل الشتاء فقط. واعتقد الكثيرون أن الحرب التي وقعت في أوكرانيا لن تكون أكثر من غيمة صيف، وبالتالي فإن تداعياتها على أزمة النفط العالمية لن تطول، إلى أن وصل سعر الصفيحة حالياً إلى 23 دولاراً، فيما الدولار الأسود ماض بالارتفاع، فوقعت كل العائلات بعجزها الحالي عن تأمين كميات المازوت.
هذا العجز يدفع بمعظم سكان الجرد وحتى المقتدرين منهم للبحث عن البدائل. ومن بينها الخطط لتقنين استخدام الكميات التي استطاعوا إليها سبيلا، وخصوصاً في المنازل المجهزة بوسائل التدفئة الحديثة سواء أكان الشوفاج أو مواقد "الشيمينيه".
وتقضي الخطة بالنسبة لهؤلاء بالتخلي تدريجياً أو جزئياً عن وسائل التدفئة المركزية، والاعتماد بشكل أكبر على مواقد الشيمينيه، والتي لا يمكنها تأمين الحرارة سوى في غرفة واحدة. وعليه ضاعفت هذه المنازل من كميات الحطب التي كانت تخزنها، وحجزت على كميات إضافية منه حرصاً على استمرار تأمينه لطول فترة الشتاء.
تدمير البساتين والأحراج
يظهر القلق بشكل أكبر لدى العائلات الفقيرة، التي تبحث عن البدائل بين الوسائل التي تعتمد الغاز وحتى الكهرباء، لتعود موضة صوبية الحطب إلى منازل البقاع القروية، على رغم المشقة التي تتسبب بها، وخصوصاً أن الحطب يحتاج إلى عملية تنظيف بشكل متواصل. وفي بعض المنازل جرى تعديل أنظمة مواقد المازوت لتعمل على الحطب. وهذه إجراءات اتخذت في القرى تحديداً، حيث لا يضطر الأهالي لشراء الحطب أحياناً، خصوصاً أن معظم هؤلاء يملكون بساتين تحتاج إلى تشحيل، وبالتالي يستخدمون "الشحالة" للتدفئة.
وهكذا نشطت حركة الشحالة بشكل واسع للأشجار المثمرة التي لا تحتاج لرخص مسبقة بالقطع، وكثر الحديث في بعض المجتمعات عن اقتلاع أشجار مثمرة معمرة، ومن بينها التفاح، بعد أن مني أصحابها بخسارات متتالية، وبعدما صار سعر تخزين التفاح بالبرادات يوازي ضعفي كلفته. علماً أن بعض هذه البساتين اقتلعت لاستبدالها بثمار أكثر تصريفاً في الأسواق المحلية والخارجية.
إلا أن ازدياد الطلب على كل أنواع الحطب، عزز التعديات على المساحات الحرجية، كما في قب الياس والصويري، حيث لم يمر التعدي عليها من دون مواجهات مع الأجهزة الأمنية ومأموري الأحراج وحتى الشرطة البلدية ورؤسائها، انتهت بوقف هذه التعديات، ولكن بعد أن كان قد قضم ما قضم منها. فيما التعدي في منطقة بعلبك مستمر على رغم كل المناشدات للحد من الظاهرة، بعدما طالت حتى الأملاك الخاصة وسرقت الأشجار المثمرة من بعض البساتين.
التهافت وتحدي القوانين
في حديث عن زيادة الطلب على الحطب يأسف إيلي بشعلاني، وهو واحد أكبر مزودي السوق بالحطب المرخصين، "لأن إرتكابات المخالفين، حولت كل بائعي الحطب إلى مجرمين بنظر كل الناس، حيث بات كل من يتعاطى مهنة بيع الحطب مجرم معتد على الغابات والمساحات الحرجية. بينما هذه ليست الحقيقة بالنسبة للمشاغل المرخصة، والتي تخضع كل عملياتها لعمليات ترخيص مسبقة، تجعلها ملزمة بالمعايير والشروط الموضوعة، وخصوصاً بالنسبة لتشحيل الأشجار غير المثمرة وأوقات هذا التشحيل، والإنصراف عن قطع الأشجار التي لا يسمح بقطعها".
وبرأي بشعلاني "أنه لولا ارتفاع سعر المازوت، لما لمسنا هذا التهافت على الحطب، وبالتالي لما تجرأ أحد على تحدي القوانين لتحقيق أرباح موسمية من خلال سد حاجة الناس". ويؤكد "بأن الطلب على الحطب تضاعف هذه السنة مئة بالمئة". وبعدما كان استخدامه في سنوات ما قبل الأزمة جزءاً من التعبير عن رفاهية إشعال "الشيمينيه" لمضاعفة درجات الحرارة في المنازل، صار الطلب عليه من كل الفئات الإجتماعية.
ويعتبر بشعلاني في المقابل بأن "علة العلل في جميع المصالح الاقتصادية هو الغلاء في سعر المازوت والذي رفع الكلفة بالنسبة لكل المنتجين، وحتى بالنسبة لمنتجي الحطب".
الحطب باهظ الثمن أيضاً
وإذا كانت كلفة الحطب هذا العام توازي كلفة برميل المازوت، بعدما سعر الطن منه بين 200 دولار 240 دولار طبقا لنوعيته، إلا أنه وفقا لمستخدمي الحطب فإن جمرة طن الحطب توازي الحرارة التي تولدها كمية برميل ونصف إلى برميلي مازوت. ومن هنا فإن حاجة عائلة صغيرة قد تكون طناً أو طنين لموسم الشتاء، لتتسع الحاجة من خمسة إلى عشرة أطنان في المنازل الكبيرة، وهي كميات على رغم ضخامتها تؤمن وفراً بقيمة لا تقل عن ألف دولار، وفقاً لحسابات البعض.
وهكذا يكون الفقراء والأغنياء قد تساووا في الهدف من التحول إلى الحطب الذي لم يعد تعبيراً عن رفاهية عند بعض المجتمعات، بقدر ما صار تقشفاً يُدفع إليه اللبنانيون في كل احتياجاتهم الرئيسية. بينما الثمن الأكبر تدفعه الطبيعة من خلال إستنزاف مواردها بشكل غير مسبوق ووسط ضعف الدولة وأجهزتها وفقدان هيبتها، الرادعة للتعديات على الطبيعة على مختلف الأراضي اللبنانية.